وهذا أول ما نبدأ به من أبيات أبي الطيب المعتاصة:
قوله:
قلق المليحة وهي مسك هتكها ... ومسيرها في الليل وهي ذكاء
قلقها يعني حركتها في مشيتها. وهتكها: مصدر لهتك فلان الستر هتكًا. وهو مصدر فعل متعد. ولو أتى بمصدر لازم لكان اقرب إلى الفهم. كأنه لو قال: انتهاكها لكان أجود من حيث الصنعة، وأقرب إلى المفهوم. إلا أنه تبع الوزن. وقوله: ومسيرها مبتدأ معطوف على قلق، وخبره محذوف لعلم المخاطب. وكأنه يقول ومسيرها في الليل هتك لها أيضًا إذ كانت ذكاء. وذكاء اسم للشمس، علم لا ينصرف. ومثل هذا كثير في أشعار القدماء والمحدثين إلا أن قوله: وهي مسك زيادة على كثير من الشعراء ممن تقدمه، إذ كان لم يجعل هتها من قبل الطيب الذي استعملته. وكأنه ألمّ بقول امرئ القيس:
ألم ترياني كلما جئت طارقًا ... وجدت بها طيبًا وإن لم تطيب
ويقول الآخر:
درةٌ كيفما أديرت أضاءت ... ومشمٌ من حيثُ ما شُمَّ فاحا
فأما المعنى المتداول إن الطيب يهتك من استعمله إذا أراد كتمان أمره فكثير، ومن ذلك قول بشار:
1 / 44