45

Fathin Andalus

فتح الأندلس

Nau'ikan

فتوقع ألفونس بعد خروج يعقوب أن يسمع من عمه ما يزيل ذلك القلق عنه، فلما رآه قد جلس، جلس هو الآخر وأصاخ بسمعه وهو ينظر إليه كأنه ينصت لما يقوله، فسمعه يقول: «طب نفسا يا ألفونس، إن المال تحت يدي عند الطلب، ولا بد من جلسة أخرى أشرح لك فيها التفاصيل، وأرتب الخطة التي يجب أن نسير عليها في هذا العمل الخطير.»

فقال ألفونس: «ولكنني لم أفهم علاقة ذلك بخادمنا هذا وبلحيته.»

فقال أوباس: «ستعرف السر في ذلك في هذه الليلة إن شاء الله. هل تأتي معي الآن إلى منزلي فنتناول الطعام معا؟ لا، بل الأفضل أن تبقى هنا وأسير أنا وحدي لأخلو بنفسي، وأرسم الخطة التي يجب اتباعها في هذا المشروع.» قال ذلك ونهض وسار إلى الباب وهو يمشي الهوينى على عادته، وألفونس من ورائه ليودعه عند خروجه. وقبل وصولهما إلى باب الغرفة سمعا قرعا عليه، ثم دخل يعقوب وفي يده كيس صغير من الحرير الأرجواني مسطح الشكل كأن فيه كتابا، وقد عقد بشريط من الحرير الأزرق. فلما رأى ألفونس الكيس خفق قلبه لعلمه أنه من فلورندا، وكثيرا ما كانت ترسل إليه الكتب فيه، فأسرع إلى الكيس وتناوله وسأل يعقوب عمن حمله إليه، فقال: «أحد خدم القصر الملكي.»

وكان قد شرع في فضه قبل أن يسمع الجواب، فلما فتحه أخرج منه قطعة من الخشب مربعة الشكل، قد كسي سطحها بالشمع وكتب عليها حفرا بقلم من حديد - وهذه من وسائل المكاتبة في تلك الأيام قبل أن يخترع ورق الكتابة بأجيال - فتناولها وتحول نحو النافذة وقد نسي وداع عمه وأخذ يتلوها بنفسه، ولم يكد يصل إلى آخرها حتى ارتعشت أنامله وتغيرت سحنته. وكان أوباس قد توسم في الكتاب شيئا جديدا فتغافل عن ألفونس ريثما يقرأ مكتوبه، لكنه ما لبث أن رآه يقلب تلك الصحيفة ويعيد تلاوتها وهو يوجهها نحو النور الداخلي من النافذة ويتفرس في الكتابة بعينيه، كأنه يشك في كلماتها ، وقد امتقع لونه وارتعدت أنامله وظهر الغضب في أسرته، فظل أوباس ينظر إليه ثم أغلق الباب ليخلو بألفونس ثانية، فشعر ألفونس بالباب وهو يغلق فانتبه، ونظر فإذا عمه يمشي نحوه بكل هدوء وسكينة، وكان نظره إليه قد خفف ما قام في نفسه على أثر تلاوة ذلك الكتاب، وقد حاول التجلد تشبها بما كان عليه عمه من سعة الصدر، ولكن التأثر كان قد غلب عليه. وتقدم نحو عمه وبيده تلك الصحيفة فقدمها له وهو يقول: «ويلاه! لا ننجو من شر إلا ونقع في شر أشد منه، وكل مصائبنا من ذلك المختلس السافل.»

فمد أوباس يده وتناول الكتاب بكل رزانة وتفرس فيه، فإذا هو مكتوب باللغة اللاتينية المشوشة بألفاظ قوطية حفرا في الشمع على الخشب، فقرأ فيه ما معناه:

حبيبي ألفونس

إن الأمر الذي خفته من انتقالي إلى هذا القصر قد أوشكت على الوقوع فيه، فأنا في خطر من براثن الأسد إلا إذا أسرعت إلى إنقاذي. أنت تزعم أنك تحب فلورندا فأسرع إلى إنقاذها قبل أن تفوت الفرصة، وإلا فإن ما بقي من حياتها لا يتجاوز ساعات قليلة، إذا انقضت قبل خروجها من هذا القصر. فإذا لم يكن لي نصيب من النجاة فإني أستودعك الله وأطمئنك أني ذاهبة شهيدة العفاف والطهر. اذكرني بين يدي أهلي. وموعدنا الأمجاد السماوية في أحضان الآباء القديسين.

كتبته فلورندا المسكينة

وما إن فرغ أوباس من قراءته حتى بدا عليه التأثر أيضا، ولكنه كان أثبت من ألفونس جأشا وأصبر على الطوارئ، وقد أحس أنه مسئول عما قد يصيب فلورندا من السوء، وهو الذي وضع عربون الخطبة بينها وبين ألفونس، ولكن ألفونس لم يعد يستطيع صبرا فقال: «اعذرني يا عماه فقد نفد صبري ونسيت كرسي الملك وأنت الذي باركت عربون الخطبة بيننا، فأنت مطالب بإتمام العقد فضلا عما أنت مكلف به من ذلك بواجب القرابة. ومهما يكن في الأمر من شيء فإني أطلب إليك أن تمدني برأيك.»

فالتفت إليه بهدوء ورزانة ويده على لحيته يسرحها بأصابعه ، وقال: «طب نفسا يا ولدي، إنني سأخرج فلورندا من قصر الملك وهي بخير إن شاء الله.» ثم أطرق وأعمل فكره وهو يصعد بحاجبيه، ثم يقطبهما بما يدل على استغرابه وحيرته، ثم قال: «إني لأعجب من أمر هذا الرجل وانشغاله عن أمور رعيته بما لا يرضي الله ولا عبيده، وأعتقد أن ذلك من الأدلة القاطعة على قرب سقوطه وذهاب ملكه؛ لأن الله لا يؤيد ملكا يخالف وصاياه.» وكان ألفونس غارقا في بحار الهواجس وقلبه يتقد غيرة على فلورندا. وحين تشاغل عمه عنه بمناجاة نفسه أخذ يعيد النظر في كتاب فلورندا فوقف بصره على قولها: «إني ذاهبة شهيدة العفاف والطهر.» وفكر فيما ينطوي تحت هذه العبارة من المعاني المثيرة للغيرة، ثم سمع عمه ينادي: «يعقوب.» فدخل وقبعته في يده وقال: «لبيك يا مولاي.»

Shafi da ba'a sani ba