طارق
أما فلورندا فكانت بعد ذهاب حبيبها من الحديقة قد ذهبت هي والعجوز إلى القصر، وقد أخذ الهيام منها مأخذا عظيما، وركزت كل تفكيرها في مراجعة ما دار بينها وبين ألفونس في ذلك الاجتماع، وندمت على ما فرط من أقوالها التي تدفعه إلى طلب الملك، فمالت إلى الخلوة لتفكر فيما قالت، لعلها تهتدي إلى ما يخفف هواجسها، فدخلت غرفتها، وكانت تلك الغرفة تطل على الحديقة من جهة نهر التاج، ويحجبها عن النهر شجرة من أشجار اللوز، قد امتدت أغصانها وتشامخت، حتى أصبحت فلورندا إذا جلست إلى نافذتها لا ترى النهر إلا من خلال الأغصان، وخاصة في ذلك الفصل حينما تكون تلك الشجرة جرداء تقريبا، فجلست فلورندا على كرسي بجانب النافذة وأرسلت نظرها من خلال تلك الأغصان العارية إلى النهر وما وراءه، فرأت القارب قد ابتعد عن المكان، فتذكرت أنها رأت حبيبها فيه، ثم أرسلت أفكارها في فضاء الهواجس.
أما العجوز فإنها تركت فلورندا وهواجسها، وانصرفت إلى أيقونة بجانب سرير فلورندا فيها صورة السيد المسيح مصلوبا، وجثت أمام الصورة وقبلتها وجعلت تقرع صدرها وتطلب إلى السيد المسيح أن يحفظ ألفونس ويوفقه ويتم له الزواج بفلورندا. وبعد الفراغ من الصلاة، قبلت الصورة وخرجت وأغلقت الباب وراءها، وأوصت الخدم ألا يقربوا من الغرفة لئلا يزعجوها. على أن الخدم لم يكن يؤذن لهم بالصعود إلى الطبقة العليا من ذلك القصر حيث كانت فلورندا، بل كانوا يقيمون في الطبقة السفلى، فإذا أرادت شيئا بعثت إليهم مع العجوز.
واستغرقت فلورندا في هواجسها أمام تلك النافذة حتى نسيت نفسها، وقد أضناها التفكير فأحست بالنعاس، فاتكأت على سريرها، وسرعان ما استغرقت في النوم، فتراءى لها ألفونس في منامها قادما نحوها ووجهه يفيض نورا، وأحبت أن تقبله فلم تستطع، فانزعجت وأفاقت وهي منقبضة النفس.
وبينما هي تمسح عينيها لتتحقق من أنها كانت في حلم سمعت وقع خطوات، فنظرت فإذا بالعجوز تدخل من الباب وعلى وجهها مظاهر الخوف، فجلست فلورندا وقد بغتت، وقالت: «ما بالك يا خالة؟ ما وراءك؟»
قالت العجوز: «ما ورائي إلا الخير، لا تضطربي.» وسكتت.
فازداد قلق فلورندا، وصاحت بها: «ماذا جرى؟ هل أصاب ألفونس سوء؟»
قالت العجوز: «معاذ الله، ولكن الملك يدعوك إليه.»
فلما سمعت ذلك اضطربت ونسيت هواجسها بحبيبها، وتشاءمت من تلك الدعوة وقالت: «أين هو؟ وما الذي يبتغيه مني؟»
قالت العجوز: «لا أدري يا سيدتي، ولكني كنت في غرفتي أصلح بعض شأني، فرأيت الملك بنفسه يتسلل كالسارق فبغت لرؤيته، فسألني عنك وطلب إلي أن أدعوك إلى الغرفة الشمالية من هذا القصر، على أن تأتي حالا بالحالة التي تكونين عليها، فجئت لتنفيذ أمره.»
Shafi da ba'a sani ba