144

Fathin Andalus

فتح الأندلس

Nau'ikan

فقال طارق، وهو لا يزال يرجو إقناعه: «إذا كنت تفعل ذلك مكيدة في الكونت يوليان للانتقام منه فانتقم من غير هذا السبيل. وأنت تعلم يا أخي أن عملك هذا يخالف حق الجوار والعرفان بالجميل. ماذا يقول المسلمون إذا علموا فضل الكونت في هذا الفتح، ثم قيل لهم إننا أخذنا ابنته أسيرة؟ فارجع إلى ما هو أجدر بك من كرم الخلق، افعل ذلك إكراما لي وعملا بحقوق الأخوة.»

وكان بدر شهما لا يرضى ارتكاب هذا العار ولكنه أحب الفتاة منذ رآها، وزاد تعلقا بها لأنه تعب في إنقاذها، والمرء إذا تعب في سلامة شيء أحبه، فشق عليه التخلي عنها. فأطرق هنيهة، ثم رفع رأسه وعلى وجهه دلائل البشر وقال: «صدقت أيها الأمير إن اتخاذ هذه الفتاة أسيرة يعد غدرا وخيانة ولكنني أحببتها ولا يمكنني التنازل عنها، فليزوجني الكونت يوليان إياها بسنة الله. فهل له بعد ذلك عذر؟»

فالتفت طارق إلى يوليان كأنه يستطلع رأيه فقال يوليان: «إن الفتاة مخطوبة وهذا خطيبها» وأشار إلى ألفونس.

فقال بدر: «لا يهمني؛ فإن الخطبة يسهل حلها.»

فحمي غضب يوليان لهذا الجدال وضاق صدره فقال: «لقد أطلت الكلام بلا طائل، إن ابنتي مخطوبة وهذا خطيبها. وهب أنها غير مخطوبة فلا نصيب لك فيها، والسلام.»

فوثب بدر ويده على قبضة حسامه وقال: «إنها أسيرتي في ساحة الوغى أخذتها بحد هذا السيف فلا أتخلى عنها لأحد ولو كان أمير المؤمنين، إلا أن يأخذها مني بالسيف كما أخذتها.»

وكان سليمان يترجم لألفونس وأوباس كل ما يدور من الجدال، فلما بلغ إلى طلب المبارزة وقف ألفونس ويده على قبضة سيفه وقال: «أنا أولى الناس بمنازلة هذا الشاب وكلانا طالب فأينا غلب فهي له.»

فوقف يوليان وأمسك ألفونس وهو يقول: «بل أنا أولى بذلك منك، فإذا قتلت هذا الغلام فقد أنلته الجزاء الذي يستحقه، وإن قتلني فموتي خير من وقوعي في مصيبة ثانية شر من مصيبتي الأولى، ولا طاقة لي على احتمال الاثنين معا» قال ذلك وتقدم ويده على قبضة حسامه، فسبقه بدر واستل الحسام، فناداه طارق فلم يصغ ونادى أوباس يوليان فلم يطعه؛ لأنهما خرجا من طور التعقل لشدة الغضب، وأقسم كل منهما أنه لن يرجع حتى يقتل صاحبه أو يقتل هو. فعلا الضجيج في الخيمة ويعقوب وسليمان في ناحية منها يتساران.

وبدأ بدر فأطلق حسامه على يوليان بعزم شديد ولولا عمود الخيمة لقتله - لا محالة - ولكن السيف غاص في العمود ووقف فيه وتصدعت يد بدر لشدة الصدمة ولم يعد يستطيع إخراج السيف من العمود، فاغتنم يوليان انشغاله بذلك وانقض عليه للفصل بينهما بالقوة، فرأى سليمان التاجر قد سبقه وتوسط بينهما وأمسك زند يوليان وهو يقول: «تمهل يا كونت بحياة طوماس.»

ولم يكد سليمان يتلفظ بذلك الاسم حتى رمى يوليان السيف من يده واستلقى على الأرض وأخذ في البكاء، فبغت الجميع حتى بدر، والتفتوا إلى سليمان كأنهم يسألون عن السبب، فأشار إليهم أن يتمهلوا، فوقفوا جميعا. وتقدم سليمان إلى يوليان وأمسكه بيده، وجعل يخفف عنه وهو منخرط في البكاء، ثم التفت إلى سليمان وقال: «لماذا ذكرتني بهذه المصيبة يا سليمان؟»

Shafi da ba'a sani ba