فقالت العجوز: «لا أخفي عن مولاي - الرئيس المحترم - أن أهم النقط التي يطلب البحث عنها إنما هي أوباس وحاله، ثم يهمنا الاطلاع على رأي رودريك في فرارنا لأننا هربنا من قصره رغم أنفه، ثم نحب الاطلاع على المكان الذي بعث إليه الأمير ألفونس.»
قال: «فهمت المطلوب وسأوصي الرسول به ونظنه يعود إلينا بالخبر اليقين.»
فنهضت فلورندا وقبلت يد الرئيس وكذلك فعلت العجوز، واستأذنتا في الذهاب رغبة في تفرغ سرجيوس لقضاء تلك المهمة، فأذن لهما فانصرفتا.
أما هو فإنه صفق فجاءه الراهب الذي يتولى خدمته فأمره أن يستدعي راهبا سماه، فجاءه ذلك الراهب وكان له به ثقة كبرى، وكثيرا ما كان يكاشفه برأيه في رودريك، فأوصاه بما يطلب الاطلاع عليه، واستحثه على أن يسرع في العودة.
حقيقة الحال
سافر الراهب على دابة من دواب الدير وعليها الخرج، كأنه منصرف إلى المدينة على نية شراء ما يحتاج إليه أهل الدير من الأدوات والأمتعة. وكانت عادة ذلك الدير أن يرسل رسولا لمثل هذا الشأن مرتين أو ثلاث مرات كل سنة، والغالب أن يكون ذلك في الصيف لأنهم يفضلون عدم الخروج في الشتاء كما يفعل سائر أهل الجبال. على أن ذلك لم يكن ليمنع سفرهم إلى المدن في هذا الفصل في بعض الأحايين.
قضى رسول الدير في مهمته خمسة أيام عاد بعدها، وكانت فلورندا قد ملت الانتظار وحسبت تلك الأيام أجيالا. وكانت في أثناء الانتظار تصعد مع خالتها وشانتيلا إلى سطح الدير تشرف منه على الأودية والتلال لعلها تجد الرسول عائدا. واتفق أن كان الجو صحوا صافيا كل تلك المدة، فكانوا إذا جلسوا على السطح أطلوا على جبال أكثرها عار من النبات الأخضر، وبعض رءوسها وكهوفها مكسوة بالثلج، وكانوا يشاهدون الضباب في كل صباح يغشى الأودية، يحسبه الناظر بحرا تتلاطم أمواجه، ويحسب ما يبرز في وسطه من قمم الجبال جزرا يفصل الماء بينها، فإذا ارتفعت درجة حرارة الجو قبل الظهر عاد الضباب بخارا وعادت تلك الجزر جبالا. فكانت فلورندا تعلل نفسها في أثناء انتشار الضباب أن يكون الرسول على مقربة والضباب يحجبه عن بصرها.
وكانت تستأنس بذلك الشيخ الهرم بواب الدير لأن غرفته أو برجه يؤدي إلى السطح، فيخرج في بعض الأحيان فيجالسها ويقص عليها ما مر به من الغرائب في أثناء عمره الطويل، وهي ترتاح إلى سماع حديثه لأنه على شيخوخته لم يكن يكثر من الكلام الذي لا يلذ للسامعين ولو كانوا شبابا.
ففي أصيل اليوم الخامس رأت وهي على السطح راكبا أطل من بين أكمتين، وحدقت في القادم فإذا هو الراهب، فخفق قلبها ونادت خالتها قائلة: «ها هو قد أتى، فلنمض إلى الرئيس لنسمع حديثه.»
قالت: «هلم بنا إليه.» وتحولتا نحو غرفة الرئيس، وكان جالسا ببابها يطالع في درج باللغة اللاتينية، فلما رأى فلورندا والعجوز قادمتين نهض لهما ورحب بهما، فقرأ على محيا فلورندا أمارات الدهشة والقلق فأدرك أنها تكتم شيئا، فقال لها: «خيرا يا بنية، ما الذي حدث؟»
Shafi da ba'a sani ba