الرحمن صفة لله واستبعد قوم أن يكون الرحمن نعتا لله من قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم} قالوا: ويدل على هذا أن الرحمن علم مختص بالله لا يشاركه فيه غيره وليس هي كالصفات التي هي كالعليم والقدير والسميع والبصير ولهذا لا يحتوي على غيره # تعالى، قالوا: ويدل عليه أيضا وروده في القرآن غير تابع لما قبله لقوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] . {الرحمن} [الرحمن: 1] . {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن} [الملك: 20] . وهذا شأن الأسماء المختصة، لأن الصفات لا تقتصر على ذكرها دون الموصوف، قال السهيلي: والبدل عندي ممتنع وكذلك عطف البيان لأن الأول هو أعرف المعارف وأبينها ولهذا قالوا: وما الرحمن ولم يقولوا وما الله، ولكنه وإن جرى مجرى الأعلام فهو وصف يراد به الثناء وكذلك الرحيم إلا أن الرحمن من أبنية المبالغة كغضبان ونحوه وإنما دخله معنى المبالغة من حيث كان في آخره ألف ونون كالتثنية فإن التثنية في الحقيقة تضعيف، وكذلك هذه الأبنية وفائدة الجمع بين الصفتين، أعني الرحمن الرحيم الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة وعامة وخاصة، قلت: ولهذا أي عمومية الرحمة في الدنيا وخصوصيته في الآخرة للمؤمنين الموحدين مثل مطابق يظهر الأمر المعنوي المشار إليه في صورة الحسي عند الأذهان، وهو أن الكريم إذا أمر عمالا أن يصنعوا له شيئا وأحضر للعمال الطعام وحضر مع العمال ناس غيرهم أطعم الكل لكرمه ولم يرض أن يشذ منهم أحدا؛ لأنه يرى أن في ذلك نقص في جانبه وهو كذلك عند الكريم فكيف بأكرم الأكرمين، ولكن إذا حضر عند إعطاء الأجرة فلم يعط إلا العاملين فالله تعالى له المثل الأعلى في السموات والأرض، في الدنيا رحمته وسعت كل شيء، وفي الآخرة عند إعطاء الجزاء ما يرحم إلا العاملون المخلصون بفضله وأمسك رحمته عن المجرمين بعدله، قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} . [لأعراف: 156] . قال ابن القيم -رحمه الله-: أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالة على صفات كماله فلا تنافي فيها بين العلمية # والوصفية، فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، لا تنافي اسميته وصفيته، فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله تعالى، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع بل ورود الاسم العلم1. ولما كان هذا اسم مختصا به سبحانه حسن مجيئه مفردا غير تابع لمجيء اسم الله تعالى كذلك، وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى وهو أحسن المعنيين الذين ذكرهما السهيلي وهو: أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه وتعالى، الرحيم الدال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفة، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم ذلك فتأمل قوله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} . [الأحزاب: 43] . {إنه بهم رؤوف رحيم} . [التوبة: 117] . ولم يجيء قط رحمان بهم، فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة والرحيم برحمته، وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب. انتهى. قلت: وهذا المعنى الذي ذكره -رحمه الله- هو كما قال، لكن لا يفي بعمومية الرحمة في دار التكليف للكافر والمسلم، والبر والفاجر، وخصوصيتها في دار الجزاء للمؤمنين المتقين كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} . أي الشرك وفروعه وذلك أن الشيخ -رحمه الله- بين أن الرحمن دال على أن الرحمة صفته تعالى، والرحيم دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وهذا لا ينكره من له أدنى لب ومعرفة، ولكن ما يشعر هذا القول بعموميتها في الدنيا وخصوصيتها في الآخرة، وهذان المعنيان هما أليق بمبادئ الأمور؛ لأنه يتبرأ العامل من الحول والقوة، ويعلم أنه لولا رحمته عليه لكان من الخاسرين، وأيضا يصلح النية # والعمل إذا علم أن الرحمة مختصة في الآخرة بالمؤمنين، فتأمل. فإن قلت: بدأ المؤلف -رحمه الله- بالبسملة ولم يبدأ بالحمدلة وقد ورد في الأثر في كل منهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لم يبدأ باسم الله فهو أقطع" 1. وكذلك ورد "كل أمر ذي بال لم يبدأ بالحمد لله فهو أقطع" 2. قلت: الحمد هو الثناء باللسان على جميل الاختيار مطلقا بإزاء النعمة أم لا، وهذا القدر حصل من قوله: بسم الله الرحمن الرحيم وبدؤه بها لأن فيها أوصاف ثلاثة متضمنات الثناء، وثانيا: ليس في الحديثين إشعار بالجمع بينهما، فعلى هذا لو يكتفي بواحدة منهما لحصل المقصود الذي هو الابتداء بذكر الله تعالى قبل كل شيء تيمنا وتبركا مستعينا به، وثالثا: ليس فيهما تصريح بكتابتهما أمام المقصود الذي يريده، بل إذا سمى الله تعالى وحمد الله بلسانه وبدأ بمقصوده الذي يريده حصل المراد والامتثال بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا فربما أن الشيخ -رحمه الله- حمد الله بلسانه عند الابتداء ولم يكتبه. فإن قلت: كيف الجمع بين الحديثين وكلاهما ذكر فيهما الابتداء فإن بدء البسملة لم يبدأ بالحمدلة وإن بدأ الحمدلة ما بدأ بالبسملة؟ قلت: الابتداء على ثلاثة أنواع: حقيقي وهو الذي لم يذكر قبله شيء، وإضافي وهو الذي ذكر قبله شيء ولكنه قبل الخطبة، وعرفي وهو الذي قبل المقصود، فالابتداء بالبسملة: حقيقي إضافي عرفي، والابتداء بالحمدلة إضافي عرفي لا حقيقي، والابتداء بالخطبة عرفي لا إضافي ولا حقيقي لأنه في العرف يطلق عليها أنها مبدوء بها لأنها قبل المقصود والغاية.
Shafi 24