Fath al-Majeed Sharh Kitab al-Tawheed - Hatiba
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة
Nau'ikan
معنى كون عيسى كلمة من الله وروح منه
يقول الإمام أحمد ﵀ في الكلمة التي ألقاها إلى مريم: حين قال له كن فكان عيسى بـ (كن)، وليس هو (كن)، أي: ليس عيسى هو الكلمة، الكلمة من كلام الله ليست مخلوقة، والمسيح مخلوق، فهو بها كان أي: أوجده وخلقه بـ (كن).
وجاء في الحديث: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) فذكر في الحديث أنه روح من الأرواح التي خلقها الله ﷾.
ويذكر هنا حديثًا عن أبي بن كعب بإسناد فيه ضعف، قال: عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف:١٧٢] بعثه إلى مريم فدخل فيها.
يعني: نحن نؤمن بما جاء في القرآن أنه روح الله ﷾، أي: روح من عند الله سبحانه، وأنه ألقاها إلى مريم بواسطة جبريل، حيث أتاها من عند ربها ﷾ ونفخ فيها بأمر الله سبحانه.
ولا ندري كيف نفخ فيها، هل نفخ في جيب قميصها فجاءت النفخة في صدرها؟ الله أعلم بذلك، لم يثبت في ذلك حديث مرفوع للنبي ﷺ، وأما حديث أبي بن كعب ففي إسناده ضعيف.
قوله: (وكلمة من الله) (من) ليست للتبعيض، فليس معنى (من الله) بعض من الله، بل (من) لابتداء الغاية، عندما تقول: ذهبت من الاسكندرية على الطائرة، أي: ابتداء ذهابك منها.
فهو روح من الله، أي: جاءت من عند الله سبحانه، فألقاها في رحم مريم ﵍.
وقال سبحانه في خلق الإنسان: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر:٢٩] فقد ذكر في آدم أنه نفخ فيه من روحه، يعني: أن الروح من عنده ﷾ فالمسيح روح الله، أي: خلق الله، كما أنك تشرف الشيء فتضيفه إلى الله، تقول: هذا بيت الله، هذه أرض الله، هذه سماء الله، والمسيح روح الله، وآدم نفخ فيه من روح الله، يعني: من روح خلقها الله ﷾.
يقول شيخ الإسلام: المضاف إلى الله تعالى إذا كان معنى لا يقوم بنفسه ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفةً لله تعالى قائمةً به، وامتنع أن يكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإذا كان المضاف عينًا قائمة بنفسها كعيسى وجبرائيل ﵉، وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله.
فالمضاف إما عين من الأعيان وإما عرض من الأعراض، ولكنه هنا عين من الأعيان، فهو ذات، والذات لها صفات، فلا توصف ذات بذات فهذا ليس من صفات الله، ولكن الوصف الذي يقال: هذه صفة، فالله ﷾ له أسماؤه الحسنى وصفاته العلى التي تضاف إليه ﷾، فعندما نقول: حياة الله، نعرف أنها معنى يقوم بغيره، فهي من صفاته هو سبحانه، وكذلك عندما نقول: المسيح ابن مريم روح الله، وهو بشر مخلوق، فهو عين وذات لها صفات، فيستحيل أن يكون هو بذاته صفة لله ﷾.
4 / 4