Fatawa Haske Akan Tafarki
فتاوى نور على الدرب
Nau'ikan
Fatawowi
ما هي أركان الإيمان؟ وما حكم الإيمان بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أركان الإيمان هي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ومن لم يؤمن بها جميعًا فهو كافر، يعني: لو آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر؛ لأن الذي يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها فهو كافر بالجميع، والذي يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعضهم كافر بالجميع، كما قال الله تعالى موبخًا بني إسرائيل: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) . فبين الله تعالى أن هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الرسل دون بعض هم الكافرون حقًا فأركان الإيمان إذًا ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فأما الإيمان بالله فأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى حي عليم قادر، منفرد بالربوبية وبالألوهية وبأسمائه وصفاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويؤمن بأنه على كل شيء قدير، وأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون. والإيمان بالملائكة: أن تؤمن بهذا العالم من الخلق، وهم- أعني: الملائكة- عالم غيبي لا نشاهده إلا إذا أراد الله أن نشاهده لحكمة فهذا يقع، هذا العالم من المخلوقات خلقوا من نور- أعني: الملائكة- وهم مطيعون لله تعالى دائمًا، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، نعلم منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل: أما جبريل فهو موكل بالوحي يأتي به من الله ﷿ إلى من أوحاه الله إليه، وأما اسرافيل فإنه موكل بالنفخ في الصور، وأما ميكائيل فإنه موكل بالقطر والنبات، ومنهم- أي: من الملائكة- من وكلوا بحفظ بني آدم كما قال تعالى عنهم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) . ومنهم من هو موكل بإحصاء أعمال ابن آدم يكتبها عليه، كما قال الله ﵎ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . فهم عن أيماننا وعن شمائلنا لكن لا نراهم، وقد يُرى الملك بصورة إنسان مثلًا، كما جاء جبريل ﵇ إلى النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، جلس إلى النبي ﷺ جلسة المتأدب، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. والملائكة عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون، وهم عدد لا يحصيهم إلا الله ﷿ كما جاء في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه)، وهذا يدل على كثرتهم العظيمة. الإيمان بكتب الله هذا الركن الثالث من أركان الإيمان، كتب الله المنزلة نعرف منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وخاتمها القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ورسله جمع رسول، وهم الذين أرسلهم الله ﵎ إلى البشر، وهم من بني آدم، يلحقهم من العوارض الجسدية ما يلحق بني آدم، وكم من بني آدم فضلوا بما أعطاهم الله من النبوة والأخلاق والشمائل، نعرف منهم عددًا كبيرًا، ومنهم من لم نعلم، لم يقصه الله علينا، لكن يكفينا الإجمال: أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومن علمناه بعينه آمنا به بعينه. اليوم الآخر هو يوم القيامة، وسمي آخرًا لأنه لا يوم بعده. قال شيخ الإسلام ﵀: ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت: كفتنة القبر وعذابه أو نعيمه؛ لأن كل من مات فقد قامت قيامته، انتهى، انتقل إلى اليوم الآخر، ويدخل في ذلك الإيمان بما يكون في ذلك اليوم من حشر العالم كلهم في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وما ذكر في ذلك اليوم من الميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والصراط المنصوب على جهنم، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاء به القرآن وصحت به السنة. والقدر خيره وشره، القدر يعني: تقدير الله ﷿، والله ﵎ قدر كل شيء، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . ومراتب القدر أربع: الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، فإن الله تعالى عالم بكل شيء كان أم لم يكن، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . المرتبة الثانية: الكتابة، فإن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، ودليل ذلك: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . فما كتب في اللوح المحفوظ فلابد أن يقع، كما جاء في الحديث: (جفت الأقلام وطويت الصحف) . المرتبة الثالثة: أن تؤمن بعموم مشيئة الله ﷿، وأنه ما في الكون من موجود ولا معدوم إلا بمشيئة الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، حتى أفعالنا نحن كائنة بمشيئة الله. المسألة الرابعة: الإيمان بخلق الله، أي بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن له مقاليد السماوات والأرض، حتى أعمال العباد مخلوقة لله ﷿، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان: من الآية٢) . وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: ٩٦) . هذه المراتب الأربع لابد من الإيمان بها، فمن نقص منها مرتبة واحدة لم يتم إيمانه بالقدر. وقوله: (خيره وشره) . إذا قال قائل: إذا كان القدر من الله كيف يكون فيه شر؟ فالجواب: أن الشر ليس في تقدير الله، ولكن فيما قدره الله، أي: في المقدورات، أما قدر الله لها بالشر فإنه لحكمة بالغة، وبهذا الاعتبار يكون خيرًا.
***
3 / 1