Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Mai Buga Littafi
دار الفكر
بوجودهم، وإنكار الْمُعْتَزلَة لوجودهم فِيهِ مُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع، بل ألزموا بِهِ كفرا لِأَن فِيهِ تَكْذِيب النُّصُوص القطعية بوجودهم، ومِنْ ثُمَّ قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة: الصَّوَاب كفر من أنكر وجودهم، لِأَنَّهُ جحد نَص الْقُرْآن وَالسّنَن المتواترة وَالْإِجْمَاع الضَّرُورِيّ وهم مكلفون قطعا، وَمن ثمَّ وُعدوا بمغفرة الذُّنُوب وَالْإِجَارَة من عَذَاب أَلِيم فِي الْآيَة الَّتِي فِي السُّؤَال وتوعَّدوا بالعقاب ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَاذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىاأَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىاأَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ [الْأَنْعَام: ١٣٠] وَلَا ينذر بِالْإِعَادَةِ لِلْحسابِ إِلَّا مُكَلّف. قَالَ الضَّحَّاك وَفِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على أَن فيهم رسلًا مِنْهُم. وَخَالفهُ الْجُمْهُور وَقَالُوا: المُرَاد بالرسل مِنْهُم رسل الْأَنْبِيَاء أَو مِنْكُم للتغليب على حد ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرَّحِمان: ٢٢] وهما لَا يخرجَانِ إِلَّا من الْملح. وَاخْتلفُوا هَل هم أَوْلَاد إِبْلِيس أَو أَوْلَاد جَان، وَفِي أَن إِبْلِيس هَل هُوَ من الْجِنّ أَو الْمَلَائِكَة، وَفِي أَن الْمُطِيع مِنْهُم هَل يدْخل الْجنَّة أَو يُنْجى من النَّار؟ وَبَعْضهمْ ذكر الْخلاف على غير هَذَا الْوَجْه فَقَالَ: مَنْ قَالَ هم من ولد إِبْلِيس فَلهُ فِي دُخُولهمْ الْجنَّة قَولَانِ: وَجه الأول طاعتهم وَوجه الثَّانِي تبعيتهم لأبيهم، وَمن قَالَ: إِنَّهُم من أَوْلَاد الجان فالمطبع مِنْهُم يدْخل الْجنَّة بِغَيْر خلاف من أَصْحَاب هَذَا الْمَذْهَب وظواهر الْآي تَقْتَضِي دُخُولهمْ كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التَّوْبَة: ٤١] . ﴿إِنَّ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الْكَهْف: ٣٠] ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىاوَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غَافِر: ٤٠] فعلى القَوْل بِالْأَخْذِ بِالْعُمُومِ فِي النُّصُوص مَا لم يرد مُخَصص وَهُوَ مَذْهَب أَكثر الْفُقَهَاء تكون هَذِه النُّصُوص مقتضية لدخولهم الْجنَّة، وَاسْتدلَّ لَهُ أَبُو حنيفَة ﵀ بقوله تَعَالَى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ﴾ فلولا أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة لما نفي طمثهن كالإنس للأبكار، وَأَيْضًا فقد اتفقنا على تكليفهم فَيكون الْوَاجِب عَلَيْهِم كالواجب علينا وَهُوَ مَا فِيهِ ثَوَاب وَلَا ثَوَاب فِي الْآخِرَة إِلَّا الْجنَّة، ومُكْث أهل الْأَعْرَاف بهَا إِنَّمَا هُوَ عِقَاب يعقبه دُخُول الْجنَّة كَمَا أُشير إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ [الْأَعْرَاف: ٤٦] وَلأَجل ذَلِك قَالَ بعض السّلف: مَا أطمعهم إِلَّا ليدخلهم، وَقيل بِالْوَقْفِ وَهُوَ بعيد إذْ لَا مُوجب لَهُ مَعَ شَهَادَة النُّصُوص بدخولهم الْجنَّة، ومَنْ أنكر هَذَا لَا يكفر، لِأَنَّهُ لم يقم بِخُصُوصِهِ قَاطع بِخِلَاف مُنْكر رِسَالَة نَبينَا مُحَمَّد ﷺ إِلَيْهِم فَإِنَّهُ يكفر، لِأَنَّهُ أجمع عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ قاطبة وَعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ، وَقد تساهل من قَالَ رسَالَته ﷺ إِلَيْهِم اشتهرت اشتهارًا قَرِيبا من الضَّرُورِيّ بآيَات الْقُرْآن، وشهرة عُمُوم رسَالَته تدل على ذَلِك كمنكر الْإِجْمَاع، وَفِي كفرة خلاف مَذْكُور فِي الْأُصُول، وَكَذَا كَونه مَبْعُوثًا إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج فمنكره كَذَلِك لأَنهم من النَّاس وَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٢٨] وَذكر بعض الْعلمَاء أَنه ﷺ مر بهم لَيْلَة الْإِسْرَاء فَدَعَاهُمْ فَلم يجيبوا، وبفرض أَن هَذَا لم يثبت يكونُونَ كمن بأطراف الأَرْض مِمَّن لم تبلغه دَعوته ﷺ، وَالأَصَح أَنهم غير مكلفين. وَفِي إرشاد إِمَام الْحَرَمَيْنِ: الْجِنّ وَالشَّيَاطِين أجسام لَطِيفَة نارية غَائِبَة عَن إِدْرَاك الْعُيُون. قَالَ: وَعَن بعض التَّابِعين أَن من الْجِنّ صنفا روحانيًا، لَا يَأْكُل وَلَا يشرب، وَمِنْهُم من يَأْكُل وَيشْرب، وَالله أعلم بكيفية ذَلِك، وَمن مستفيض الْأَخْبَار أَنهم سَأَلُوا النَّبِي ﷺ الزَّاد فأباح لَهُم كل عظم لم يذكر اسْم الله تَعَالَى عَلَيْهِ يجدونه أوفر مَا كَانَ لَحْمًا، وَقيل: إِنَّهُم يعيشون بالشم لَا بِالْأَكْلِ، وَورد أَن أرواث دوابنا علف دوابهم. وَيجب اعْتِقَاد وجود الْمَلَائِكَة أَيْضا، وهم جَوَاهِر نورانية قيل بسيطة وَقيل مركبة من العناصر الْأَرْبَعَة كالجان، لَكِن غلبهم النُّور كَمَا غلب على الجان النَّار، وَلذَلِك لم يُرَيا لأَنهم أعنى الْمَلَائِكَة قدسية منزهة عَن ظلمات الشَّهَوَات، طعامهم التَّسْبِيح وشرابهم التَّقْدِيس، أُنسهم بِذكر الله، وفرحهم بِطَاعَة الله قَالَ الله تَعَالَى: ﴿كُلٌّءَامَنَ بِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ﴾ [الْبَقَرَة: ٢٨٥] والبشر أفضل مِنْهُم على تَفْصِيل فِيهِ، خلافًا لقَوْل الْمُعْتَزلَة إِنَّهُم أفضل مُطلقًا، حَتَّى من نَبينَا مُحَمَّد ﷺ. وَاخْتلف هَل يثابون على أَعْمَالهم؟ فَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِنَّهُم يثابون لعُمُوم الْآيَات السَّابِقَة فِي الْجِنّ وَالْأَخْبَار، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على إثابتهم وشذت طَائِفَة فَلم يثيبوا إِلَّا الْملكَيْنِ الْكَاتِبين، وَلَا يبعد أَنه يلْزمهُم كفر نَظِير مَا مر فِي إِنْكَار الْجِنّ. ٧٤ وَسُئِلَ ﵁: هَل يُوصف إِبْلِيس لَعنه الله بِأَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِاللَّه ثمَّ سُلب ذَلِك، وَمَا جَاءَ من خطابه فِي الْقُرْآن هَل هُوَ بِوَاسِطَة، وَجَمِيع طوائف الْكفْر هَل يوصفون بِمَعْرِفَة الله تَعَالَى المستلزمة لمعْرِفَة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَسلم، وَإسْنَاد
1 / 90