قالت: «وقولي لها إني مسرعة لتقبيل يدها حالا.»
فعادت الحاضنة وعمدت لمياء إلى تبديل ثيابها وخرجت تطلب غرفة أم الأمراء ولحظت وهي سائرة في الدهليز أن أهل القصر في حركة غير اعتيادية كأنهم يتأهبون لاحتفال. ثم علمت أنهم يتأهبون لصوم رمضان فتذكرت أنهم دخلوا في شهر رمضان وقد أصبحوا في ذلك اليوم صائمين.
وصلت غرفة أم الأمراء فرأتها جالسة على مقعد. وحالما دخلت لمياء نهضت لها وهي تبتسم كأنها تستقبل بعض أولادها فلم تتمالك لمياء من فرط امتنانها لذلك التلطف أن أكبت على يدها تقبلها وقد سبقتها العبرات.
فاستغربت أم الأمراء بكاءها لكنها ظنتها تبكي لأمر يتعلق بخطبتها للحسين، وهي إنما تبكي أسفا لما فرط منها في حق الخليفة من المؤامرة. فضمتها أم الأمراء إلى صدرها وقالت: «ما بالك تبكين يا بنية؟»
فأغرقت في البكاء وغلبت على أمرها حتى لم تعد تستطيع إمساك نفسها. فجعلت تخفف عنها وقالت لها: «أرجو أنك لم تنجحي في مهمتك؟» وهي تشير بهذه المداعبة إلى رغبتها في زفافها إلى الحسين.
فتماسكت وتجلدت وقالت وهي تمسح عينيها: «نعم يا سيدتي إني لم أنجح والظاهر أن الله قد أراد ما أراده أمير المؤمنين.»
فبان السرور في وجه أم الأمراء وأجلست لمياء إلى جانبها وقالت: «ألذلك تبكين يا لمياء؟ لا ينبغي أن تحزني وسوف تتحققين أنك أحرزت نصيبا حسنا. وأحمد الله؛ لأنه قدر لك أن تكوني زوجة لهذا الشاب النادر المثال. وبرهانا على سروري بذلك فإني سأجعل لك مهرا لم تنله فتاة من أهل القيروان؛ لأنك عزيزة علينا. ومتى علمت أني سأقوم بتأدية مهرك يطمئن خاطرك أنه سيكون مهرا يليق بك ... وسأجعل أمير المؤمنين يهبك قصرا من قصوره الفخمة أفرشه أحسن فرش وأملأه بالتحف والجواري بحيث يجعلك تنسي ذلك الرجل الذي كاد يسبقنا إلى نيلك.»
فلم يزدها هذا الكلام إلا غيظا من نفسها وندما على ما فرط منها، ولكنها تجلدت وقالت: «أشكرك يا سيدتي على هذه النعم إني لا أستحق شيئا من ذلك.» وهي تعني حقيقة ما تقوله. ولكن أم الأمراء حملت قولها محمل التواضع فقالت: «بل أنت أهل لأكثر منه ولكن لا بد من الانتظار إلى انقضاء رمضان؛ لأننا دخلنا في هذا الشهر المبارك من صباح اليوم وأظن أمير المؤمنين يؤجل الزفاف إلى عيد الفطر أو ما بعده وسننتظر في ذلك.»
فسرها أن يطول أجل الاقتران لعلها تتمكن في أثنائه من تدبير طريقة للتخلص من هذه الورطة. فبان الارتياح في محياها وقالت: «إني أمتك ولساني قاصر عن أداء حق شكرك جزاك الله خيرا.»
فقالت: «إنما يهمني يا لمياء أن تكوني مسرورة وأحب أن يكون قرانك بالحسين سعيدا لأفرح أنا أيضا. وقد أخذت أشعر منذ الآن أنك صرت من أهلنا وأصبح والدك يفضل سائر أمرائنا بحقوق القربى من قائدنا. وأنت تعلمين منزلة جوهر من نفس أمير المؤمنين، فإنه يفضله على كثيرين من آله وذوي قرابته. وسترين في هذا المساء متى جلسوا للإفطار عند الغروب كيف يجلسه بجانبه ويقربه إليه دون سائر العبيديين. ولا ريب أنه سيقرب الأمير حمدون والدك أيضا إكراما لك.»
Shafi da ba'a sani ba