وكانت لمياء وهي تسمع كلامهم من وراء الستر تخاف أن يفضي الحديث إلى هذه الغاية فلما سمعت اتفاقهما على الخطبة أجفلت وارتبكت والتفتت إلى أم الأمراء لفتة مستغيث. فضمتها إلى صدرها ولم تزد. فرفعت لمياء رأسها لتنظر في عيني أم الأمراء لعلها تفهم مرادها من ذلك التحبب فرأتها تضحك ضحك من ظفر بغنيمة. فاشتبه عليها أمرها وهي لا تدري ماذا تعمل وأخذتها الرعدة وترقرق الدمع في عينيها.
فهمست أم الأمراء في أذنها قائلة: «لم تقبلي ذلك الطلب مني فها قد اتفق عليه والدك وأمير المؤمنين فهل من سبيل إلى الرفض؟»
فأجابتها لمياء بهز رأسها هز الإنكار ولسان حالها يقول: «إني لا أزال على عزمي.»
فأشارت أم الأمراء بسبابتها على فمها: «إن اصبري الآن وسنرى.»
فسكتت وإذا هي تسمع المعز يقول: «بارك الله فيك، إني أهنئ ابن قائدنا بهذه الفتاة كما أهنئها به؛ لأنه من خيرة الشبان فعسى أن تكون راضية بذلك.»
فقال حمدون: «إنها لا شك راضية ... كيف لا ترضى بما رضي به لها أمير المؤمنين ووافق عليه والدها؟»
فلم تعد لمياء تصبر على سماع ذلك فنهضت تريد الانزواء؛ نفورا من ذلك الحديث فأمسكتها أم الأمراء وأجلستها. فأطاعت وسكتت وهي تكاد تتميز غيظا ولا تعلم ما تعمل.
أما المعز فتزحزح من مجلسه إشارة للصرف. فوقف جوهر وحمدون واستأذنا بالانصراف فأذن لهما وهو يقول: «نترك تعيين وقت العقد لقائدنا ونحب أن يكون ذلك في حضرتنا إكراما للعروسين.»
انصرفا وتركا لمياء على مثل الجمر وقد جمد الدم في عروقها وتولتها الدهشة وحق لها ذلك؛ فإنها مع شدة تعلقها بسالم لا ترى مندوحة عن طاعة والدها وأمير المؤمنين.
الفصل الثاني عشر
Shafi da ba'a sani ba