فظهرت البغتة على لمياء وأطرقت حياء، فابتدرتها أم الأمراء قائلة: «لا أعني أن تصيري ابنة له دون أبيك بل هو ينوي أن يخطبك ... إلى ابنه الحسين ... هل رأيت هذا الشاب؟ لا ينبغي أن تخجلي مني ... اتخذيني أما لك.»
فتصاعد الدم إلى وجنتي لمياء، وأبرقت عيناها من التفكير وقالت: «أشكر لك هذا الإحسان يا سيدتي. نعم أني يتيمة الأم ولكنني في حضن أم تتمنى كل فتاة أن تكون أمها، نعم ينبغي لي أن أخاطبك بحرية، أما من جهة رؤية الحسين بن جوهر فإني لم أره إلا في هذا النهار عرضا وهو مار في الحديقة مع أبيه ...»
فقطعت أم الأمراء كلامها قائلة: «لم يكن مجيئه عرضا، ولكنه جاء عمدا ليرى الفتاة التي حدثه أبوه عنها ... طيب وماذا تضمرين بعد ذلك؟» فتنهدت لمياء وهمت بالكلام وأسكتها الحياء فأدركت أم الأمراء أنها تخفي شيئا من قبيل الحب - والنساء يتفاهمن بلغات القلوب أسرع من تفاهم الرجال - فقدمت لها مذبة كانت في يدها تروح بها على سبيل المؤانسة، وقالت لها: «لا ينبغي لك أن تستحي مني يا لمياء بعد ما لقيته من حبي لك. ويكفي دليلا على هذا الحب أن أسعى في تزويجك بأحسن شاب في القيروان بعد أبناء الخليفة ... وهؤلاء يا لمياء لم يبلغوا سن الزواج بعد.» وضحكت فازدادت لمياء خجلا من هذا التلميح الممزوج بالتقريع على الكبرياء ولم تعد ترى باعثا على الحياء فتناولت المذبة من يدها ثم أعادتها إليها بلطف وشكر، وقالت: «لا تظني يا سيدتي أني جاهلة حقيقة قدري أو أني لم أدرك مقدار فضلك في ما تعرضينه علي، فاسمحي لي أن أصرح بحقيقة حالي. إني يا سيدتي مخطوبة ...» وصبغ الحياء وجهها.
لم تستغرب أم الأمراء قولها؛ لأنها لحظت ذلك فيها من قبل لكنها تجاهلت لتسمع منها هذا التصريح فأجابتها وهي تبتسم: «من هو ذلك الخطيب السعيد الذي حظي بك وما اسمه؟»
فخجلت من هذا الإطراء وقالت: «إنه يا سيدتي شاب من أصدقاء والدي عرفته في سجلماسة وله عم كثير التودد لأسرتنا فخطبني إليه، واسمه سالم ...»
فقالت: «أين هو؟»
فأجابت لمياء وهي تهز كتفيها إلى الأعلى إشارة الإنكار: «لا أدري أين هو ولكنني أعلم أنه كان في جملة من شهد المعركة الأخيرة التي قضي بها لأمير المؤمنين فقادوني ووالدي أسيرين. ولم أعلم أين ذهب سالم!»
فضحكت أم الأمراء وقالت: «يظهر أنك تحبينه كثيرا حتى إنك مع شكك بوجوده لا تزالين ثابتة في وده.»
فتنهدت تنهدا عميقا وأطرقت وقد صبغ الحياء وجهها ولم تجب.
فتشاغلت أم الأمراء بإصلاح ضفائر الشعر المرسلة على صدرها من الخمار وقالت: «قد يصح ذلك، ولكن هل تحسبينه ثابتا في حبك لا يلتفت إلى سواك؟ إن هؤلاء الرجال لا يركن إليهم. ولا تظني الحسين بن قائدنا جوهر يتأتى العثور على مثله في جيل من الناس ... ومع ذلك فالخاطر لك. وأنا إنما أردت خيرك؛ لأنني أحببتك و...» قالت ذلك وبان العتب في عينيها.
Shafi da ba'a sani ba