قال: «لأني لا أثق بأحد ولو لم أر خوفك لم أخبرك به. لكنني لم أعلم أين ذهبت تلك الفتاة المفتونة. فقد أخبرني الجواسيس أنها خرجت من القيروان ولكني لم أعلم إلى أين؛ لأنها أخفت جهة مسيرها.»
قال: «ما ظنك بها؟»
قال: «أظنها أتت إلى هنا؛ لأن يعقوب اليهودي هو الذي أنبأ المعز بعزمنا على قتله فنجا بذلك. ويغلب على ظني أن لمياء أتت إلى الفسطاط لكنني لم أستطع البحث عنها في حياة كافور؛ لأنه كان يقرب ذلك اليهودي ويصغي إليه ... أما الآن وقد مات كافور فإني أوغرت صدر ابن الفرات عليه فأصبح يطارده ولا يلبث أن يصادره. وهو يسعى الآن في إقناع القواد أن يسلموا لجوهر. ولكنه لن يفلح؛ لأنهم مختلفون لا رابطة لهم وكل منهم يطمع بالمال لنفسه وهم طوائف أهمها الإخشيدية والكافورية والأتراك، وليس عليهم أمير حازم يجمع كلمتهم. وفى عزمي أن أجمع شتاتهم بواسطة السيدة زينب بنت الإخشيد؛ لأنها كانت نافذة الكلمة عندهم، لكنها امرأة ولا تعلم كيف تعمل فضلا عن اشتغالها بأمر نفسها ... لا تخف يا بني ... كن على ثقة من تدبيري.»
وكانت لمياء تسمع كلامه وفرائصها ترتعد فإذا بسالم يقول: «قد أدهشتني يا عماه بهذا التدبير ... بارك الله فيك.»
فقال : «كيف لا وقد قضيت عمري في دس الدسائس عملا بوصية ذلك المقتول ظلما ... إني منتقم له كن في راحة ... ولكن تلك الملعونة أين ذهبت لا أدري.»
قال سالم: «ما لنا ولها فلتكن حيثما شاءت.»
ثم استولى السكوت كأن الرجلين ناما وأخذت تفكر بما سمعته فرأت أنها استطلعت أشياء كثيرة لم تكن تعرفها وخصوصا أمر الحسين والقبض عليه وأن المصريين يسعون في مصالحة جوهر والتسليم له وأن الأمر موقوف على بنت الإخشيد. وقد صدقت أنهم قبضوا على الحسين؛ لأنها رأت ذلك رأي العين في أثناء الغيبوبة فلم تعد تستطيع البقاء هناك واحتالت في الخروج فلقيها صاحب الفندق فسألته عن الثياب فقال: «هل أتى الأضياف؟»
قالت: «أظنهم أتوا؛ لأني سمعت حركة.» فقال: «قبحهم الله يدخلون كاللصوص!» وأسرع وعاد إليها بالثياب. فتناولتها ودفعت إليه أجرته وانطلقت تطلب بيت الشريف مسلم بن عبيد الله. وكان الليل قد سدل نقابه، فأسرعت حتى وصلت فرأت الخيول متزاحمة في الباحة والناس وقوف بالباب فاستأذنت في الدخول فأذن لها وسألت عن الشريف فقيل لها إنه في خلوة مع جعفر بن الفرات. فجلست وهي في غاية الاضطراب وأصبحت في شوق لمعرفة ما يدور بين الرجلين.
الفصل الثاني والستون
الصلح
Shafi da ba'a sani ba