أما الراهب فأنه على عجزه وقف ورفع يده فوق رأس حماد وباركه ودعا له بطول البقاء وقبل رأسه. كل ذلك وحماد يحسب نفسه في حلم ولكنه فرح كثيرا بما علمه من نسبه وود لو أن هندا حاضرة فتسمع ذلك فتفرح معه وخيل له أن سعده قد تم لأنه ملك وسيقترن بملكة ويرث ملك غسان. وفيما هو يفكر في ذلك نهض عبد الله فقال: «لم يتم حديثي بعد فهل تسمعونه إلى آخره؟»
قالوا: «نعم».
فمد يده إلى جيبه واستخرج اسطوانة من الفضة تخن الإصبع وخاطب حمادا قائلا وقد أعطاني مولاي النعمان هذه الاسطوانة واستحلفني أن أسلمها إليك مختومة بعد إتمام الخبر فتفتحها في هذا الدير وتقرأ ما فيها وتعمل به.
فمد حماد يده فتناول الاسطوانة وهم بفتحها فامسكه عبد الله وقال: «لا تفعل قبل إتمام الحديث».
قال: «تفضل».
فقال عبد الله: «فلما أتم النعمان وصيته بكى وبكيت ولكنني كنت أحبس الدمع تشجيعا له. فقال: «اعلم يا عبد الله أن القضاء واقع قريبا فاحتفظ بهذا السر حتى يأت وقته أما إذا أنا خرجت من هذا السجن وعشت وللمسالة وجه آخر». وللأسف يا سيدي أنه لم يخرج من ذلك السجن فوافاه القدر فتوفي بداء الطاعون» قال ذلك وتنهد والدموع ملئ عينيه فتنهد الجميع ثم قال.
أما أنا فسرت إلى هاني ولقيت والدتك سمية وكانت حاملا فأسررت إليها ما كان فأطاعت فانتظرت ريثما وضعت ولكنها واأسفاه عليها لم تعش بعد الولادة إلا قليلا فحملتك إلى أهلي وأرضعتك منهم حتى شببت على ما ترى.
الفصل الرابع والستون
وقعة ذي فار
ولعلك تسألني عما تم من أمر وديعة والدك فأخبرك يا مولاي أن كسرى علم بعد وفاة سيدي النعمان أن أهله وماله وسلاحه عند هاني وفيه أربعة آلاف شكة والشكة سلاح الفارس كله فكتب كسرى إلى هاني بأن يبعث الوديعة إليه فأبى ذلك محافظة على العهد ورعاية للذمام وكان لكسرى عامل على عين التمر وما والاها إلى الحيرة اسمه إياس بن قبيصة الطائي فدعا به إليه فجاءه برجاله فاستشاره في الغارة على بكر بن وائل فأشار عليه أن يفعل فعقد كسرى لإياس بن قبيصة على كتيبتي والدك وهما الشهباء والدوسر وأرسل معه جندا آخر بقيادة رجال من الفرس فكانت حملة تزعزع الجبال وفيها من الخيل والجمال والمؤنة والعدة ما لا يحصى فلما سمع هاني بن مسعود بها سار برجاله لملاقاتها فالتقوا في محل يقال ذو قار وكانت فيه وقعة عرفت بوقعة ذي قار بين الفرس والعرب اشتهر أمرها في الأقطار وكانت الغلبة فيها لهاني ورجاله فأنهم هزموا الفرس شر هزيمة وهي أعظم وقعة انتصف فيها العرب من العجم قبل الإسلام وفر إياس إلى كسرى فسأله عن الخبر فقال: «غلبت بكر بن وائل وجئنا إليك بنسائهم» ففرح كسرى به وأمر له بكسوة ولكن إياسا خاف افتضاح أمره قريبا فاستأذن بالذهاب إلى أهله فأذن له فانصرف إلى عين التمر ثم جاء رجل من أهل الحيرة إلى كسرى وحدثه بهزيمة القوم فغضب منه كسرى فأمر فنزعت كتفاه ولم يصدق إلا اياسا فولى اياسا الحيرة كما تعلمون وقد ولى بعده رجل فارسي آخر ثم وليها احد إخوتك المنذر الغرور وهي الآن في ولاية إياس بن قبيصة ولا تزال الوديعة عند هاني بعضها أو كلها.
Shafi da ba'a sani ba