207

Yarinya Ghassan

فتاة غسان

Nau'ikan

وكان من تلك السدود في اليمن سد كبير يقال له العرم بناه ملوك اليمن قديما بحجارة ضخمة متمسكة بالقار وفيه خروق يصرفون منها الماء على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم وكانت له حفظه يقومون بتعهده وتوزيع مياهه فتقادم عهده حتى تصدع وخيف سقوطه. وعرب اليمن إذا ذاك بنو كهلان بن سبا من القحطانية.

وكانت دولتهم قد ضعفت واختل نظامها وآلت إلى السقوط فأهمل أمر السد وقلت المحافظة عليه فظهر به الخطر أولا فأولا فخاف الناس تهدمه بغتة لئلا يسيل الماء عليهم فيغرقهم ويخرب منازلهم فأخذوا ينزحون أحياء وبطونا وبقيت منهم بقية أصبحوا ذات اليوم وقد انفجر السد وطافت المياة فأغرقت بعضهم ونجا البعض وتفرقوا في البلاد وسمي ذلك السهل سيل العرم وكان ذلك منذ ستمئة سنة وأكثر».

وكان السامعون مصغين لاستماع حديث عبد الله وهم لا يرون فيه ما يوجب المسارة فعجبوا لذلك ولكنهم صبروا أنفسهم ليروا ما يكون بعده فأدرك عبد الله ضمائرهم فقال لهم: «لا ترون في حديثي ما كنتم تتوقعونه من الأنباء المهمة فإني إنما أقص عليكم أخبارا متناقلة على السنة الناس ولكنني أردت أن ابسط لكم أصل نسب ملوك الحيرة المقيمين في العراق ثم أتطرق من ذلك إلى كشف السر فامهلوني ولا تملوا».

الفصل الحادي والستون

ملوك الحيرة

قلت لكم إن بنى كهلان تفرقوا قبيل سبل العرم وبعده وكانوا أحياء عديدة نذكر منها ثلاثة هي لخم والازد وطي أما لخم فهم أجدادنا الذين أقاموا في العراق ومنهم المناذرة ملوك الحيرة (قال ذلك وتنهد) وأما الازد فمنهم بنو غسان عرب هذه البلاد إما طي فأقاموا بنجد والحجاز في جبلي أجا وسلمى.

فسر حمادا أن يكون بين اللخميين والغسانيين قرابة ولكنه ما زال قلقا للوصول إلى آخر الحديث وكذلك سلمان أما الراهب فكان اقلهما قلقا واشتياقا كأن الشيخوخة وكثرة الاختبار علماه الاستخفاف بحوادث الزمان فضلا عن إن ما قصه عبد الله عليهم إلى ذلك الحين لم يكن بالشيء المجهول عنده.

أما عبد الله فأنه أتم الحديث قائلا: «علمتم إن ملوك الحيرة لخميون يتصل نسبهم بكهلان بن سبا من عرب اليمن القحطانية فنزل بنو لخم العراق وأقاموا فيه مدة على حالهم من البداوة وأول من حكم العراق من العرب قوم من حي يقال له دوس وهو بطن من الازد وهم أقرب نسبا إلى الغسانيين منهم إلينا. ولم تمض مدة حتى تغلب أجدادنا عليهم وملكوا العراق تحت رعاية ملوك الفرس على مثال ما هم عليه الآن واتخذوا مدينة الحيرة كرسيا لملكهم وسموا المناذرة جمع (المنذر) وهو لقب ملوك العراق كما تعلمون.

ولا أطيل الكلام عليكم خوف الملل فأقول بالاختصار أنه توالى على كرسي الحيرة بضعة عشر ملكا أشهرهم أمرؤ القيس بن عمرو ومما يؤثر في فضله إن اللخميين لما قدموا من اليمن كانوا على عبادة الأوثان فلما ملكوا وخالطوا الرهبان وأهل النصرانية تنصروا وأول من تنصر من ملوكهم أمرؤ القيس هذا ثم ملك النعمان بن امرئ القيس ويقال له الأعور وهذا الذي بنى القصرين المشهورين (الخورنق والسدير) ومن غريب أمره أنه لما عظم ملكه وامتلأت عيناه من خيرات الأرض مال إلى الزهد فترك الملك وتنسك وملك بعده المنذر ثم الأسود وهذا حارب أصحابنا الغسانيين منذ مئة وخمسين عاما وأسر عدة من ملوكهم وكان ذلك سبب عداوة مستمرة فيما بيننا وبينهم وتوالى بعد الأسود ملوك كثيرون منهم المنذر بن ماء السماء وكان معاصرا لكسرى أنو شروان ملك الفرس المشهور وله معه وقائع وحوادث يطول شرحها فلنتركها وننتقل إلى آخر ملوك الحيرة النعمان بن المنذر».

فلما ذكر اسمه ابتدره الراهب قائلا: «أظنك تعني أبا قابوس».

Shafi da ba'a sani ba