قال سلمان: «كلا يا سيدى لم نفهم المراد جيدا».
قال: «كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أرسل جندا من المسلمين لحرب الغسانيين في العام الماضي فسار الجند وحاربهم في مكان يقال له مؤتة بالقرب من بصرى وستسمعون خبر هذه الواقعة الآن ولكنني أردت أن أوجه التفاتكم إلى رجل أسره جندنا في أثناء تلك الحملة وقد حملوه إلينا فلما رأيته معهم عرفت أنه أسر ظلما ولما سالته عن خبره علمت أنه ليس من أهل البلقاء بل هو عراقي ومن أهل الحيرة ذكر أنه كان يراني أثناء وفودي على الملك النعمان منذ نيف وعشرين عاما وبما أنكم من أهل العراق فربما استأنستم بالرجل والوطن أحسن جامعة بين الناس» قال ذلك ونادى رجلا واقفا بالباب فحضر فقال له: «أدع ضيفنا العراقي».
قال: «لبيك» وخرج ثم عاد يتبعه رجل كهل ملتف بعباءة مقطب الوجه وكان حماد وسلمان لا يزالان مخمرين خمار السفر فحالما وقع نظر سلمان على ذلك الرجل أحس بخفقان قلبه كأنه آنس فيه مشابهة لسيده عبد الله ولكنه رأى في سحنته ملامح تخالف ما لعبد الله أهمها أن عبد الله كان طويل الشاربين مستدقهما ومسترسل شعر اللحية مع خفية أما هذا فهو قصير الشاربين واللحية على أن سلمان ما زال ينظر إليه ويتأمله حتى دنا منه فوقف له وهم بمصافحته فلم يكد يفوه بأول كلمة حتى تحقق سلمان أنه هو سيده بعينه فهم به وقبله وناداه باسمه.
وكان حماد في شاغل من هواجسه في هند والقرطين ووالده فلم ينتبه إلا وسلمان ينادي بأعلى صوته سيدي الأمير أهلا سيدي الأمير فالتفت حماد فإذا هو والده عبد الله فنهض ونهض سلمان فهم عبد الله بحماد وضمه وجعل يقبله ودموع الفرح تتساقط على وجهه وسلمان يقبل يد عبد الله ويهنيهما بعضهما ببعض فانبسطت وجوه الجميع وزالت منهما العبوسة وجلسوا وعبد الله بجانب حماد قابضا على يده بين يديه وحسان جالس إلى جانب وقد عجب لما رآه وسمعه فسألهم عن أمرهم فأحكى له عبد الله عما تم من الاتفاق الغريب وإن حمادا ووالده وسلمان جاؤوا معه ففرح حسان لما تم على يده من الخير. ثم جلسوا يتحادثون.
فقال سلمان: «لقد رأيت في وجه سيدي تغييرا كاد يحول بيني وبين معرفته فأني أعهد شعر وجهه طويلا مسترسلا فما لي أراه قصيرا».
فضحك عبد الله وقال: «إن لهذا التغيير حديثا غريبا سأقصه عليك بعد أن أسمع حديثكم وما كان من أمر الأسد وضياع الفرس».
الفصل الثاني والخمسون
واقعة مؤتة
Shafi da ba'a sani ba