أما هو فلم يفته حديث قلبها ولا غفل عما تضارب في ذهنها من العوامل ولكنه أراد تشجيعها فإلتفت إلى والدتها وقال: «طالما ساقني المسير إلى الكعبة لمشاهدة ما أسمعه عنها من حج الناس إليها من أقطار العالم وكثيرا ما سمعت حديث والدي عن الأصنام القائمة فيها وما يقدمه لها العرب من الضحايا وقد قرأت في بعض الكتب أنها قديمة البناء جدا وأنها كانت حجا يأمه الناس من أطراف الأرض وقد بنيت في بادئ الرأي لعبادة الله ثم جعلها بعض العرب مجمعا لأوثان حملوها إليها من أنحاء شتى من العالم الوثني وفى جملة ذلك صنم حملوه إليها من هذه البلاد (البلقاء) اسمه هبل وكان قبل أن حملوه إليها من البقاء يسمى (هبعل) وهو لفظ عبراني معناه البعل أي الإله يشبههه في لغة الكلدان جيراننا بالعراق لفظ (بل) وقد حملوا إليها أصناما أخرى من مصر وأشور وغيرهما فاجتمعت فيها مئات منها فأصبح ذلك البيت مجمعا للأصنام.»
فانتبه سلمان وكان تائها في بحار الهواجس خوفا على سيده فلما وصل حماد إلى حكايات أصنام الكعبة قال سلمان: «نعم أن الأصنام كثيرة في الكعبة ولكن كثيرين من عقلاء قريش لا يحترمونها وقد سمعت كثيرا منهم يخاطب سيدي الأمير عبد الله في بعض سفراتنا إلى مكة بشأن تلك الأصنام فأكد له أن جماعة كبيرة من عقلاء مكة وهم من قريش إنما يزورون الكعبة لعبادة الله وإن الاعتقاد بالله قد اتصل إليهم بالتلقين من سيدنا إبراهيم ولكن بعضهم ضل عن سواء السبيل بما زين لهم من عبادة الأوثان.»
فقالت سعدى ووجهت خطابها إلى حماد: «يظهر أن والدكم الأمير قد سافر إلى الحجاز قبل الآن.»
قال: «نعم يا مولاتي انه نزلها مرارا ولذلك ظننا أنه سار إليها هذه المرة أيضا.»
فقالت: «أن ذلك لما يؤكد ذهابه إليها الآن فعسى أن تلتقوا به هناك.»
قال: «أني أرجو ذلك وأتمناه لتتم به سعادتي.» ثم فكر قليلا وقال: «متى تظنين يا مولاتي أننا سنبرح البلقاء.»
قالت: «متى شئتم وخير البر عاجله.»
قال: «أرى أن نودع سيدي الملك جبلة قبل السفر فنلتمس دعاءه بالتوفيق.»
قالت: «ذلك راجع إليك أما هو فقد فوض الينا أن نبلغك رضاءه وما تم عليه الاتفاق فإذا شئت مقابلته فلا شك أنه يسر بلقياك.»
كل ذلك وهند مطرقة وعيناها تكادان تدمعان لو لم يشغلها حديث الكعبة فلما تحول الحديث إلى والدها استحسنت رأى حماد في زيارته على أمل أن يتحول عزم والدها عن اقتراحه. فقالت: « تفعل حسنا بزيارة والدي قبل سفرك.»
Shafi da ba'a sani ba