قال: «أرى أن نبرح هذا المكان قبل الفجر حتى نصبح في الصرح كما قلنا للخادم.»
قال: «حسنا» وأخذا في الاستعداد وحماد كلما تصور ملاقاته هندا خفق قلبه وهاله الموقف وتذكر اجتماعه بها في دير بحيراء. ولكن سروره لم يكن تاما مخافة أن لا تكون دعوته على ما يؤمله من الفوز بما يتمناه ولكن الأمل غلب عليه فتصور انه انما دعي لإتمام عقد الخطبة فقضى بقية ذلك اليوم في مثل هذه الأفكار.
الفصل الثامن والثلاثون
ساعة اللقاء
أما هند فلما عاد الرسول وأنبأها بمجيء حماد في صباح الغد خفق قلبها ولبثت تعد الساعات والدقائق فقضت ذلك اليوم ولم تنم من شدة الفرح فلما أصبحت سارت إلى والدتها وسألتها عن المكان الذي سيجتمعون فيه فقالت: «قد أمرت الخدم أن يعدوا غرفة الضيافة ولا يدخلوا إليها أحدا في هذا اليوم وان يذبحوا الذبائح ويمدوا الأسمطة.» فلبست هند ثوبا سماويا جميلا خاطته لها إحدى خياطات دمشق وكانت قد خبأته لمثل ذلك اليوم ومشطت شعرها وضفرته وجعلت تتشاغل ببعض المهام إخفاء لما ثار في قلبها من الفواعل المتضاربة بين الفرح بلقيا حبيبها وهول موقفها ساعة اللقاء وخوفها عليه مما أعدوه له من أمر الكعبة.
وكانت سعدى قد أنفذت جماعة من أهل القصر لاستقبال القادمين قبل وصولهم فلما كان الضحى ودنا الوقت جعلت هند تطل من النوافذ تنظر إلى ساحة الميدان التي جرى فيها السباق منذ بضعة أشهر ووراءها الآكام والغياص وكلما رأت غبارا أو آنست أشباحا ظنت حمادا قادما فيخفق قلبها وتتورد وجنتاها حتى كانت الظهيرة فإذا بالغبار يتصاعد من بعض جوانب الأفق ثم بان من تحته فرسان يسرعون وفى مقدمتهم فارس عرفت انه من أهل القصر وانه تقدم الجماعة ليبشر بقدومهم فازداد خفقان قلبها ثم شاهدت الفرسان يقتربون ويتقدمهم حبيبها حماد ملثما بالكوفية فانكرته في بادئ الرأي لركوبه فرسا غير فرسه. ثم غلب عليها الضعف النسائى فاصطكت ركبتاها واستعظمت ساعة اللقاء فتحولت عن النافذة ولكنها ما انفكت تنظر إليه خلسة حتى دنا من القصر وكانت والدتها واقفة إلى جانبها وقد لحظت ما هي فيه من الهيام فقالت لها: «امكثي هنا ريثما استقدمك إلى دار الضيافة.»
وخرجت إلى الحديقة وقد ترجل الفرسان وتركوا خيولهم في عهدة الخدم ودخلوا الحديقة وفي جملتهم حماد ملثما بعباءته وقد حول أذيال كوفيته عن وجهه وأرسلها إلى كتفيه فبانت ملامح محياه وتقدم وسلمان إلى جانبه حتى دنوا من سعدى فتقدم سلمان إليها واخبره أنها هي الأميرة سعدى امرأة الملك جبلة فعلم أنها والدة هند فسلم عليها وهو يتوقع أن يرى هندا فلم يرها فعلم أن الحياء منعها من القدوم للقائه وإنها لا تلبث أن تأتي.
فاستقبلتهما سعدى وسارت بهما إلى غرفة الضيافة فجلسوا والخدم وقوف بين أيديهم فقالت سعدى: «هل يأذن الأمير بماء ليغتسل ويبدل ثياب السفر قبل تناول الطعام.» فأجاب وغسل يديه ووجهه وجاءه سلمان برداء حريري وكوفية فلبسهما وجلس وعيناه شائعتان نحو الباب وكلما سمع وقع أقدام أو رأى شبحا ظنه هندا قادمة.
أما سلمان فانه ترك سعدى وحمادا في الغرفة وخرج يبحث عن هند وكان قد عرف غرفتها في مجيئه إليهم قبلا كما علمت فإذا هي واقفة هناك تتلاهى بالأساور تديرها حول معصمها وأفكارها تائهة وقد علت وجهها أمارات البغتة فلما رآها تظاهر بالسعال ليستلفت انتباهها وقد كانت لعظم تأثرها لا تمر نسمة إلا سمعت لها صوتا فكيف بسعال سلمان فانه ذعرها فإلتفتت إليه فرأته يبتسم فابتسمت ولكنها شعرت بقشعريرة خفيفة ثم مشت وهي تحاول إخفاء ما بها فتقدم نحوها وهو يحاذر أن يدخل الغرفة لئلا يكون دخوله مخالفا لمقتضيات العادة فمشت هي نحوه وسلمت عليه.
فقال: «هل رضيت مولاتي عن راهب الدير جامع البذور.»
Shafi da ba'a sani ba