ومن هذا الجدول يتبين أن الأندلس مدينة بإشاعة هذا الكتاب وحمله ونقله إلى رجلين هما: القالي وطاهر بن عبد العزيز (- ٣٠٤) وهذا الثاني رعيني قرطبي، رحل إلى المشرق والتقى بعلي بن عبد العزيز في مكة، ولم يقتصر على أخذ الأمثال عنه، بل روى أيضًا كتب أبي عبيد، وحين عاد إلى الأندلس سمعها الناس منه (١) وتاريخ وفاته يدل على أنه سبق القالي إلى تدريس كتاب الأمثال، وأثار حوله عناية كثير من المتأدبين. وقد ذكر البكري نفسه أن ابن عبد ربه قال: شهدت أبا محمد ابن بكار العامري الأعرابي في مجلس يزيد بن طلحة وكتاب الأمثال يقرأ؛ وأضاف أن العامري توقف عن المثل " شاكه أبا يسار ". كذلك فإن بن عبد ربه لخص كتاب الأمثال وأدرج هذا الملخص في كتاب العقد، وكل هذا تم قبل أن يصل القالي إلى الأندلس (٣٣٠هـ؟) إذ توفي ابن عبد ربه قبل ذلك بحوالي عامين.
واستمر الأندلسيون يولون كتاب أبي عبيد ابن سلام اهتمامًا كبيرًا في حياتهم الثقافية؛ إذ تسلسل الرواية بعد ابن القوطية حتى يصل الإسناد إلى الشلوبين في القرن السابع؛ وفي هذا القرن نفسه يحدثنا الرعيني في برنامجه أن ابن أبي عزفة سمع على أبي ذر الخشني كتاب الأمثال لأبي عبيد (٢)، ويبدو أن أبا ذر الخشني هو المشار إليه في نسخة فيض الله بالحرف (خ) حيث كتب هنالك بعض التعليقات؛ وكل هذه الحقائق تشير إلى ما أحرزه كتاب ابن سلام من مقام في نفوس الدارسين الأندلسيين.
٤ - شرح البكري لأمثال أبي عبيد:
تتبع البكري (٣) بعض الأصول بالشرح والتعليق والنقد، هذا إلى جانب ما ألفه في موضوعات أخرى؛ وقد عرفنا من شروحه:
_________
(١) انظر ابن الفرضي ١: ٢٤٣ والجذوة: ٢٣٠.
(٢) برنامج الرعيني: ٤٥.
(٣) كتب الدكتور مؤنس في كتابه (تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس " (مدريد ١٩٦٧) دراسة مفصلة عن أبي عبيد البكري، ويستطيع القارئ أن يرجع أيضًا إلى مقدمة الأستاذ الميمني على سمط اللآلئ.
1 / 6