Babi a Kan Tarihin Juyin Juya Hali na Urabiyya
فصل في تاريخ الثورة العرابية
Nau'ikan
وكان بالمدينة من قوات الجيش اثنا عشر ألفا من المشاة؛ وقد أصدر عرابي تعليماته إلى صبري في ليلة 10 يوليو، وأعلمه أن مجلس الوزراء قرر ألا تجيب الحصون إلا بعد الضربة الخامسة من الأسطول؛ ووزع صبري ضباطه على الحصون استعدادا للمعركة ، ووزع عرابي حامية المدينة وراء الحصون من قلعة العجمي إلى برج السلسلة، وعهد إلى أورطتين من المشاة بالمراسلة بين الحصون.
وأجابت الحصون بعد خمس دقائق من ابتداء الضرب، واستمات آلاي السواحل في الدفاع، وأبدى همة ونشاطا وحماسة وطنية شهد بها كثير من الأجانب، وذلك على الرغم من عنف المدافع الإنجليزية وشدة فتكها وعظم تدميرها، ومهارة السفن الإنجليزية في الاقتراب والابتعاد، والاعتصام بدخان كثيف أثناء الضرب، وشباك قوية من الفولاذ كانت ترد عنها قذائف الحصون.
واستمر الضرب من الجانبين حتى الساعة الحادية عشرة، وكانت قذائف الإنجليز تلقي النار والدمار على المدينة في شدة مروعة، وسكتت السفن قليلا، ثم استأنفت الضرب وجاوبتها الحصون حتى الساعة الثانية بعد الظهر، واستأنف الأسطول الضرب في شدة وظلت تجاوبه الحصون حتى منتصف الساعة السادسة. ثم أظلم الليل وقد سكتت الحصون فلن تجيب بعد ذلك. فقد دمرتها مدافع الأسطول تدميرا ... وتهدمت في المدينة أبنية كثيرة ومساكن واحترق بعضها، وقد هجرها كثير من أهلها منذ بدأ الضرب في هرولة ورعب.
مدافع الإنجليز تهدم الإسكندرية (ميدان المنشية).
وقف المصريون وإن حلت بهم الهزيمة موقف الكرامة والبطولة فبذلوا غاية ما في طوقهم، ولطالما ألقي في روع الناس أن مصر لم تجاهد حين اعتدي عليها، مع أن المصريين من الجند ومن أهالي الإسكندرية أثبتوا شجاعتهم في هذا اليوم وفي الأيام التي جاءت بعده وتطلبت دفاعا وإباء، قال جون نينيه وقد شهد هذا اليوم: «ولا يسعنا إلا أن نعترف بأنها كانت مجزرة وحشية لا موجب لها ولا مسوغ، ولم يكن الباعث عليها إلا الشهوة الوحشية المتعطشة للدماء، وكنت أتوق إلى أن أسأل أولئك الذين كانوا يضربون، ويطلقون مدافعهم هل يستطيعون حين يعودون إلى بلادهم، ويتحلقون حول موائد الشاي في بيوتهم أن يتحدثوا إلى ذويهم عما فعلته تلك المجازر البشرية من الفتك والتخريب؟ إني لفي شك من ذلك، فأية إهانة لحقت الأمة البريطانية حتى تثأر من مصر على هذه الصورة الفظيعة؟ ومع ذلك فما كان أروع منظر الرماة المصريين الذين كانوا خلف مدافعهم المكشوفة، كأنما هم في استعراض حربي لا يخافون الموت الذي يحيط بهم، وكانت معظم الحصون بلا حواجز تقيها ولا متاريس، ومع هذا فقد كنا نلمح هؤلاء البواسل من أبناء النيل خلال الدخان الكثيف، وكأنهم أرواح الأبطال الذين سقطوا في حومة الموت قد بعثوا ليناضلوا العدو ويواجهوا نيران مدافعه. وكان القادة يزورون الحصون ويستحثون الرجال، وقد أدى الجميع واجبهم رجالا ونساء، كبارا وصغارا، ولم تكن ثمة أوسمة أو مكافآت يستحث أولئك الفلاحين على أداء واجبهم. وإنما كانت تثير الحماسة في نفوسهم عاطفة الوطنية والثورة على ما استهدفوا له من فظائع، وهم في مواقفهم البواسل المجهولون الذين لم يفكر أحد فيما تحملوا من آلام».
وقال الشيخ محمد عبده: «تحت مطر الكلل ونيران المدافع كان الرجال والنساء من أهالي الإسكندرية، هم الذين ينقلون الذخائر ويقدمونها إلى بعض بقايا الطوبجية الذين كانوا يضربونها، وكانوا يغنون بلعن الأدميرال ومن أرسله».
مدافع الإنجليز تدمر الإسكندرية (شارع جامع إبراهيم).
وفي اليوم التالي عادت السفن إلى الضرب في الساعة العاشرة. وكان مجلس الوزراء قد اجتمع في اليوم السابق، وقرر إبلاغ سيمور أن ما كان يطلبه قد تحقق له بتهديم الحصون، فلا داعي بعد ذلك للضرب وليس بين إنجلترة ومصر ما يستوجب العدوان، وقرر أن ترفع الأعلام البيضاء لطلب الهدنة توطئة للمفاوضة. وقد تم ذلك بعد أن استؤنف الضرب.
ولكن سيمور طلب الترخيص له بإنزال جند من بحارة السفن؛ لاحتلال ثلاث قلاع هي العجمي والدخيلة والمكس. وعرض هذا الطلب على الخديو، ولكنه لم يجرؤ على قبول هذا الطلب، ثم إنه كان لا بد له أن يرجع إلى السلطان؛ لأنه لا يملك التنازل عن أي جزء من الأراضي المصرية.
واستأنفت السفن الضرب في الساعة الرابعة، ثم رفعت الراية البيضاء ثانية على بعض الطوابي فسكتت السفن. وقد بلغ عدد الضحايا من المصريين نحو ألفين غير من جرحوا، أما الإنجليز فلم يزد قتلاهم على خمسة وجرحاهم على تسعة عشر.
Shafi da ba'a sani ba