Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
Nau'ikan
[*] قال سفيان ابن عيينة: ما من أحدٍ يطلب الحديث إلا في وجهه نضرة
(٩) الإقلال من الطعام والشراب والنوم والضحك والمزاح
أولًا: الإقلال من الطعام والشراب:
الغاية من الإقلال من الطعام والشراب هو إصلاح القلب الذي هو سيد الأعضاء والذي إذا صلح صلح الجسد كله كما في الحديث الآتي:
(حديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين) أن النبي ﷺ قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.
إن كثرة الطعام والشبع المفرط يفسد القلب يثقله عن الطاعات، ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا.
[*] قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
من مفسدات القلب: الطعام:
والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان:
محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير.
ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا.
وفي الحديث المشهور: ثم ذكر الأحاديث الآتية:
(حديث مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ ﵁ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي ﷺ قال: " مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِوَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ "
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
1 / 250