Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
Nau'ikan
(حديث البراء بن عازب ﵁ الثابت في صحيح البخاري) قال: كان رجلٌ يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينة تنزلت بالقرآن.
(٤) ومن فضائل حلق الذكر أنهم هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم.
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي ﷺ قال: إن لله ملائكة يطوفون في الطرقات يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجاتكم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدا وأكثر لك تسبيحا فيقول: فما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا وأعظم فيها رغبة قال: فمم يتعوذون؟ فيقولون: من النار فيقول الله: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة! فيقول: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم.
وفي الحديث من الفوائد:
فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضيلة مجالسة الصالحين وبركتهم.
قوله: فضلًا: قال العلماء: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر.
وقوله: "هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم"
[*] قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في الوابل الصيب: فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ﴾. (١) فهكذا المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشئوم أين حل، فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف الى شكله واشباهه فكل امرئ يصير الى ما يناسبه. اهـ. (٢)
[*] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
(١) سورة مريم الآية (٣١).
(٢) الوابل الصيب (١/ ١٠١).
1 / 235