فتخال كل بيت زجاجة إيتر أو قنينة صبغة اليود. لا يبقى إلا شباك يدخلون البيت منه، فيسدلون عليه حجابا كثيفا، كبلاس
5
أو كيس خيش سميك. يسدون حتى الثقب الذي تدخل منه الهرة؛ لأن معظمهم يكافحون الفئران والجرذان التي تسطو على دودة القز بماء يصلي عليه كاهن مشهود له بهذه الكرامة والقدرة. يرش هذا الماء في زوايا البيت الأربع؛ فتختفي تلك الحشرات. والمغالون يقولون إنها تلجم، فترى سارحة مارحة على الأطباق والشيح، ولكنها لا تؤذي الدود ولا الشرانق.
وتخلو البيوت في نيسان إلا من النساء والعواجز. تعد النساء الطعام ويحملنه إلى الحقول، ساعة الظهر، حيث يفلح الرجال التوت والزيتون والكرم والتين وكل شجر ذي منفعة، والفتيان ينكشون التراب حيث لا تصل إصبع السكة، أما الغلمان فيحشون الأعشاب من هنا وهناك ليعدوا مأدبة أنيقة للثيران المكدونة، فهي تنتظر دائما هذه السلفة؛ الهوردفر.
لا قرار للفلاح اللبناني؛ فللقز وقت، ولزراعة التبغ إبان، وللحصاد زمن، وللدراس حين، وللقطاف أزمنة، ولتحويش التين مواقيت، وهناك واجب لا ينتهي وهو العناية بمعاونيه: فدانه وحماره.
أما نيسان، فزمن الفلاحة، ولسان الشجرة يخاطب الفلاح دائما: كما تراني يا جميل أراك. وهو يخاطب نفسه كل ساعة: أطعمها تطعمك. فتراهم في نيسان كخيل الطراد؛
6
لأن مثلهم يقول: «الطري» خيال.
7
في ضحى هذا النهار من نيسان، الحافل بالحياة والعمل، وقفت أم يوسف على سطح القبو - فيرندا بيوت القرويين - فانكمش صدرها، وعرتها هزة لم تطل، فهزت برأسها وقالت: العشب أكل التوت ... وجه واحد كانوني؟ يه، يه، يه! لولا الدعاوى كنا بألف خير، كان توتنا يضحك وقضبانه مثل الرماح.
Shafi da ba'a sani ba