قوله ﷿: ﴿مَا لَوْنُهَا﴾: ﴿مَا﴾ استفهام أيضًا في موضع رفع بالابتداء، و﴿لَوْنُهَا﴾ خبره، والجملة في موضع نصب بقوله: ﴿يُبَيِّنْ﴾. ويجوز نصب ﴿لَوْنُهَا﴾ على أن تجعل ﴿مَا﴾ مزيدة، كالتي في قوله: ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ (١)، وبه قرأ بعض القراء (٢). ﴿صَفْرَاءُ﴾: صفة للبقرة، والهمزة في ﴿صَفْرَاءُ﴾ منقلبة عن ألف التأنيث، ولذلك لم تُصْرَفْ. ﴿فَاقِعٌ﴾: وصف لقوله: ﴿صَفْرَاءُ﴾ على وجه التوكيد، وقد ذكرتُ فيما سلف من الكتاب: أن الصفة لا توصف إلَّا أن يكون في الثاني معنى زائد على الأول كقولهم: أصفرُ فاقعٌ، وأبيضُ ناصعٌ، وأسودُ حالك (٣).
وارتفع ﴿لَوْنُهَا﴾ به ارتفاع الفاعل بفعله، وتذكيره لذلك، فلا فرق بين قولك: صفراء فاقعة، وصفراء فاقع لونها، لأن اللون من سببها وملتبس بها. ولك أن تجعل ﴿لَوْنُهَا﴾ مبتدأ و﴿فَاقِعٌ﴾ خبره، والجملة في موضع رفع بحق الصفة. والفُقُوع: أشد ما يكون من الصفرة، يقال في التوكيد: أَصْفَرُ فاقعٌ. إذا كان شديد الصفرة، وقد فَقَعَ لونُه يَفْقَعُ وَيَفْقُعُ فُقُوعًا (٤).
وعن الحسن البصري: ﴿صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا﴾ سوداء شديدة السواد (٥).
قال بعض أهل التأويل: ولعله مستعار من صفة الإبل، لأن سوادها تعلوه صفرة، وبه فُسّر قوله: ﴿جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ (٦). وقال الأعشى:
(١) سورة القصص، الآية: ٢٨.
(٢) لم أجد من ذكر هذه القراءة، بل قال الفراء في معانيه ١/ ٤٦، وتبعه العكبري في تبيانه ١/ ٧٤: ولو قرأ به قارئ كان صوابًا. وذكر النحاس ١/ ١٨٥ ومكي ١/ ٥٢ جواز النصب كما أعرب المؤلف.
(٣) انظر إعرابه للآية: ٣٢.
(٤) يوضح هذا التفسير قول الإمام الطبري ١/ ٣٤٥: الفقوع في الصفرة نظير النصوع في البياض، قال: وهو شدته وصفاؤه.
(٥) أخرجه الطبري ١/ ٣٤٥.
(٦) سورة المرسلات، الآية: ٣٣. ورسمت على قراءة صحيحة لأبي عمرو وغيره.