Farashar Da Babur
الفراشة والدبابة وقصص أخرى: مختارات قصصية من الأعمال القصصية الكاملة لإرنست
Nau'ikan
وبعد عودتي من إسبانيا، قضيت أربع سنوات أخرى بالقاهرة أزود المجلات في القاهرة وبيروت بمقالاتي المؤلفة والمترجمة، قبل أن أتوجه إلى نيويورك للعمل مترجما ثم محررا بالأمانة العامة للأمم المتحدة. وقد عكفت على الكتابة والترجمة عن الأدب المكتوب بالإسبانية من شعر ورواية ومسرحية، حتى أساهم في تشييد جسر ثقافي للقراء العرب إلى تلك الثقافة الثرية. ولكن لم أنس اللغات الأخرى، فترجمت لشاعر الشعب الأمريكي «والت ويتمان» وبعض آثار اللغة الفرنسية، وزاد إنتاجي بعد التقاعد من العمل حتى قاربت أعمالي ثلاثين كتابا.
ولما كانت الكتب الورقية، رغم أهميتها، تذوي وتغيب حروفها بفعل الزمن، فقد رحبت بقيام مؤسسة «هنداوي» بوضع كتبي رقمية على النت لتكون متاحة لمن يريد قراءتها، والمؤسسة بذلك تضطلع بعمل مهم في نشر الثقافة وإتاحتها وحفظها على مر السنين.
مقدمة
حياة همنجواي وفنه
لعل أحدا من الروائيين الذين يكتبون بالإنجليزية لم يحظ من الشهرة وسعة الانتشار في العصر الحديث قدر ما حظي الكاتب الأمريكي العظيم إرنست همنجواي. فبالإضافة إلى المحصول الوافر من الروايات والقصص التي تركها همنجواي وراءه عند مماته في 1961م، فإن حياته تشكل جانبا مستقلا، له من الأهمية ما لأدبه بالنسبة لقرائه ولدارسيه، وهذا ما حدا بالنقاد إلى الاهتمام بحياته والأحداث الكثيرة التي تزاحمت فيها قدر اهتمامهم بنصوصه الأدبية. وعلاوة على ذلك فإن أدب همنجواي وكتاباته مغموسة كلها بدم الحياة التي عاشها، فهو يستمد أدبه من تجاريب حياته، وتدفعه هذه الحياة إلى تطوير أدبه ومزجه بتجاربه. وقد دفعت الحياة الغريبة التي عاشها هذا الكاتب العظيم بعض النقاد إلى الحديث عن الرغبة في الموت التي تتحكم في لا وعي همنجواي وأعماله، وطبقوها على انغماسه الغريب في الحروب والمعارك، وفي رحلات الصيد الخطرة، ومصارعات الثيران الدموية. وقالوا أيضا: إن همنجواي كان يريد قهر الخوف من الموت، ولذلك لم يكن يحب انتظار الموت بل يبحث عنه في مكمنه.
وقد ابتكر همنجواي أسلوبا فريدا في الكتابة، يعتمد على التخلص من المحسنات البديعية والتزويقات اللفظية والإطناب، ويتجه إلى طريقة الاقتصاد في التعبير
1
والأسلوب البرقي الذي يحاول إيصال التجربة إلى القارئ عن طريق التركيز والمباشرة. وبالإضافة إلى ظهور همنجواي بهذه الطريقة في بناء لغته وفي بناء رواياته، فإن له رؤيا خاصة في الحياة وفي الفن، اجتهد أن يوصلها إلى قرائه من خلال قصصه ورواياته.
حياته وأعماله الأدبية
ولد إرنست ميلر همنجواي، مغامر عصره، في يوم 21 يوليو 1899م، في مدينة يطلق عليها عادة اسم عاصمة الطبقة الوسطى وهي «أوك بارك» من ضواحي شيكاغو. وكانت أمه من النساء ذوات النشاط الديني الفعال، شغلت وقت فراغها بالعزف في الكنائس وفي المحافل الدينية. أما أبوه فهو الدكتور كلارنس إدموندز همنجواي، وكان طبيبا محليا معروفا، يفضل الذهاب للقنص وصيد السمك في منزل العائلة الصيفي بجانب خليج «هورتون» على الاشتغال بمهنته، وعكف والده منذ صغره على تلقينه فنون الهوايات التي شغف بها هو نفسه، فأهداه في عيد ميلاده الثالث قصبة للصيد، كما كان يعلمه فنون الرماية منذ كان في المهد صبيا. ومما يروى عنه: أنه اشترك وهو في هذه السن في الاستعراض العسكري في المدينة، وسار وقد علق مسدس جده إلى جانبه وهو يختال وسط الجنود في مشية عسكرية صارمة. ولكن والدته لم تكن راضية عن تلك التنشئة المبكرة، وكانت تعد لابنها مشروعات مخالفة بالنسبة لمستقبله، مما جعلها تعارض والده على طول الخط وتسخط على ما يفعله مع ابنهما ... ويبدو أن همنجواي لم يغفر لها بعد ذلك هذا الموقف إطلاقا، كما يبدو أن ضيقه منها قد انعكس في كل ما كان يكتبه ويخلقه من الشخصيات النسائية في رواياته وقصصه .
Shafi da ba'a sani ba