Farah Antun
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Nau'ikan
العالم قديم أو حديث؟
ونظر بعد ذلك في المسألة الأولى؛ أي قدم العالم، فقال: إن فيها ثلاثة أقوال: طرفان وواسطة بين الطرفين. وقد اتفقوا في تسمية الطرفين واختلفوا في الواسطة، فأما الطرف الواحد فهو موجود وجد من شيء غيره وعن شيء؛ أعني عن سبب فاعل، ومن مادة. والزمان متقدم عليه؛ أعني على وجوده. ويدخل في ذلك النبات والحيوان والأرض والهواء والماء. وقد اتفق الجميع على تسميتها محدثة. وأما الطرف المقابل لهذا، فهو موجود لم يكن من شيء، ولا عن شيء، ولا تقدمه زمان . وهذا أيضا اتفق الجميع من الفرقتين القدماء والأشعريين على تسميته قديما، وهو الله - تبارك وتعالى - فاعل الكل وموجده والحافظ له. بقيت الواسطة وهي: موجود لم يكن من شيء ولا تقدمه زمان، ولكنه موجود عن شيء؛ أعني عن فاعل. وهذا هو العالم بأسره. والكل منهم متفق على وجود هذه الصفات الثلاث للعالم، والمتكلمون علماء الكلام متفقون أيضا مع القدماء (اليونان) على أن الزمان المستقبل غير متناه، وكذلك الموجود المستقبل، وإنما يختلفون في الزمان الماضي؛ فالمتكلمون يرون أنه متناه.
وأصحاب هذه المذاهب: من غلب عليه ما في الزمان من شبه القديم على ما فيه من شبه المحدث سماه قديما، ومن غلب عليه ما فيه من شبه المحدث سماه محدثا، وهو في الحقيقة ليس محدثا حقيقيا ولا قديما حقيقيا، فإن المحدث الحقيقي فاسد ضرورة، والقديم الحقيقي ليس له علة. ومنهم من سماه محدثا أزليا، وهو أفلاطون وشيعته، لكون الزمان متناهيا عندهم في الماضي؛ فالمذاهب في العالم ليست تتباعد كل التباعد حتى يكفر بعضها ولا يكفر.
وهذا كله مع أن هذه الآراء في العالم ليست على ظاهر الشرع، فإن ظاهر الشرع إذا تصفح ظهر من الآيات الواردة في الأنباء عن إيجاد العالم أن صورته محدثة بالحقيقة، وأن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين، أعني غير منقطع، وذلك أن قوله تعالى:
وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء
يقتضي بظاهره وجودا قبل هذا الوجود، وهو العرش والماء، وزمانا قبل هذا الزمان، أعني المقترن بصورة هذا الوجود الذي هو عدد حركة الفلك، وقوله تعالى:
يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات
يقتضي أيضا بظاهره وجودا ثانيا بعد هذا الوجود. وقوله تعالى:
ثم استوى إلى السماء وهي دخان
يقتضي بظاهره أن السموات خلقت من شيء.
Shafi da ba'a sani ba