Farah Antun
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Nau'ikan
وقد ابتدأ المؤلف الكتاب الذي نحن في صدده بقوله: أما بعد حمد الله بجميع محامده، والصلاة والسلام على محمد عبده المطهر المصطفى ورسوله. وبذلك اعترف اعترافا صريحا بالأصلين العظيمين من أصول الدين الإسلامي، الذي كان يتهمه حساده بالمروق منه والزيغ عنه. ثم إنه بعد ذلك يقول:
وجوب النظر بالقياس العقلي والأخذ عن غير المشاركين: إن الموجودات إنما تدل على الصانع لمعرفة صنعتها، وإنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم، وقد جاء في القرآن:
اعتبروا يا أولي الأبصار . وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي أو العقلي والشرعي معا. وقوله:
أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء . وهذا نص بالحث على النظر في الموجودات. وقوله:
وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض
الآية، وأيضا:
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت ، وأيضا:
ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .
قال: وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم واستخراجه منه. وهذا هو القياس أو بالقياس، فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي. وليس لقائل أن يقول إن هذا النوع من النظر في القياس العقلي بدعة؛ إذ لم يكن في الصدر الأول من الإسلام، فإن أكثر أصحاب هذه الملة مثبتون القياس العقلي، إلا طائفة من الحشوية قليلة، وهم محجوجون بالنصوص. وإن كان لم يتقدم أحد ممن قبلنا بفحص عن القياس العقلي وأنواعه، فيجب علينا أن نبتدئ بالفحص عنه، وأن يستعين في ذلك المتقدم بالمتأخر حتى تكمل المعرفة به. وإن كان غيرنا قد فحص عن ذلك فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا في ذلك. وسواء كان ذلك الغير مشاركا لنا أو غير مشارك في الملة، فإن الآلة التي تصح بها التزكية ليس يعتبر في صحة التزكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك، إذا كانت فيها شروط الصحة. وأعني بغير المشارك من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام. ولما كان القدماء قد فحصوا عن أمر المقاييس العقلية أتم فحص، فينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم فننظر فيما قالوه من ذلك، فإن كان صوابا قبلناه منهم، وسررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منه غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم.
نقول: أما كلمة عذرناهم هنا فإنها في الحقيقة كلمة فيلسوف، وهي أجمل ذلك القول الجميل.
Shafi da ba'a sani ba