أحرقت لدى الاستيلاء على بارما (924م) أربع وأربعون كنيسة، ومن المؤكد أن هذه الكنائس كانت أشبه بسانتا ماريا دي بومبوزا أو سان بيترو في توسكانيلا منها بالكلوسيوم
23
أو محاكم العدل الملكية، لا شك البتة في أن المخرج الفني في العصور المظلمة كان محصورا بفقره؛ فقد أنتج من فن الطبقة الأولى في أوروبا بين عامي 500 و900م أكثر مما أنتج في نفس البلاد بين عامي 1450 و1850م.
ذلك أنه في تقدير القيمة الفنية لحقبة ما يميل المرء أولا إلى النظر في روعة منجزاتها الكبرى، وبعد ذلك يحسب كمية أعمال الطبقة الأولى المنتجة، وفي النهاية يحسب نسبة الأعمال الفنية المقطوع بفنيتها إلى المخرج الكلي، يبدو أن النسبة في العصور المظلمة كانت مرتفعة، وهذه من سمات الفترات البدائية ؛ فالسوق أضيق من أن يغري الكثير من كبار المنتجين، وظروف المعيشة أقسى من أن تقيم أود رسام الأكاديمية أو الصالون المعتاد الذي يعيش على مقدراته الخاصة ويكب على الفن لأنه غير مؤهل لأي شيء آخر، مثل هذا المنتج الذي ينبئنا وجوده عن حالة الفن أقل مما ينبئنا عن حالة المجتمع، والقمين بأن يكون أسوأ عامل في طاقمه، وأسوأ جندي في سريته، والذي كان النتاج الرئيسي لمدارس الفن الرسمية - مثل هذا لم يسمع عنه في العصور البدائية؛ ولذا فإن علينا في استدلالاتنا ألا نغفل الميزة التي تتمتع بها الفترات البدائية، ألا وهي أن من بين أولئك الذين يقدمون أنفسهم كفنانين فإن الغالبية العظمى لديها موهبة ما حقيقية، وإنني لأجرؤ على الحدس بأنه بين الأعمال التي بقيت من العصر المظلم فإن نسبة عالية مثل 1 : 12 تحوز قيمة فنية حقيقية، فلو أن نسبة الفن المنتج بين 1450 و1850م مكافئة لنسبته في الفترة بين 500 و900م لترجح جدا ألا تشتمل هذه الفترة على عمل فني واحد، الحق أننا نميل إلى أن نرى الأشياء الأهم فحسب لهذه الفترة وأن نضرب صفحا عن السقط الفاضح، على أني حين أحكم من الأعمال المنتقاة التي استرعت نظرنا في صالات العرض والمعارض والمجموعات الخاصة، لا أعتقد بأي حال أن نسبة تتعدى 1٪ من الأعمال المنتجة بين 1450 و1850م يمكن أن توصف بحق كأعمال فنية.
ليست المنجزات الكبرى للفن المسيحي بين 900 و1200م أعلى قدرا من منجزات العصر الذي يسبقه. الحق أنها تقصر عن الروائع البيزنطية للقرن السادس، ولكن فن الطبقة الأولى لهذه الفترة الثانية كان أغزر، أو لعله كان أنجح في البقاء من فن الفترة الأولى. إن العصر الذي أورثنا العمارة الرومانسكية واللومباردية والنورمانية لا يبدي أمارة انحلال، فما نزال على المرتفعات المنبسطة ل «النهضة المسيحية»
Christian Renaissance ، والفنانون لا يزالون بدائيين، والناس لا تزال تشعر بدلالة الشكل بما يكفي لأن يخلقوه بغزارة، والثروة الزائدة تشتري فراغا زائدا، وبعض هذا الفراغ يكرس لخلق الفن؛ لذا فأنا لا أعجب بالرأي الشائع (وإن يكن في رأيي غير دقيق) القائل بأن هذه كانت الفترة التي بلغت فيها أوروبا المسيحية قمة تاريخها الروحي؛ فآثارها في كل مكان مهيبة أمام أعيننا، وبوسعنا أن نرى انتصارات الفن الرومانسكي لا في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فحسب، بل في إنجلترا وفي بلدان خارجية بعيدة بعد الدنمرك والنرويج والسويد، كانت هذه آخر درجة منبسطة في الرحلة الطويلة من سانتا صوفيا إلى سانت جونز وود.
ومع العمارة القوطية بدأ الانحدار، والعمارة القوطية تلاعب في الحجر والزجاج، إنها الطريق الملتف الذي ينتهي في كعكة عرس أو إطار مؤنف، الكاتدرائية القوطية عمل براعة، وهو أيضا ميلودراما، ادخل ولسوف تروعك مهارة البناء المنقطعة النظير، وربما سيروعك حس بسر وقوة غامضين، ولكن لن يهزك الشكل الدال، قد تتأوه «آه» وتنهار، ولكنك لن تنسلك في وجد متقشف. طوف حولها وتنعم بدقائق حرفة البناء، والأركان الغريبة، والميازيب والدعامات الطامحة، ولكن لا تتوقع الرعشة التي ترجع إدراك الصواب الشكلي المحض، إنما في العمارة تولد الروح الجديدة أول ما تولد، وفي العمارة تموت أول ما تموت.
نحن نجد الروح حية في نهاية القرن الثاني عشر في النحت الرومانسكي وفي الزجاج الملون: بوسعنا أن نراها في كاتدرائية شارتر وفي كاتدرائية بورج،
24
في كاتدرائية بورج ثمة إشارة إلى الطريقة التي تسير بها الأمور في حقيقة أننا في مبنى تافه نجد زجاجا وبعض كسر من النحت جديرة بشارتر وبأي عصر أو مكان. إن شيمابو
Shafi da ba'a sani ba