14
مغلقة لأنها غير مغمورة في إيقاع التصميم، وليست الأساطير الشارحة التي اعتاد رسامو الصور التوضيحية أن يضعوها على أفواه شخصياتهم بأدخل على الفن البصري من الأشكال الرمزية التي أفسد بها كثير من الرسامين القديرين تصاميمهم. لقد تمكن دورر
Dürer
في لوحته الشهيرة «ميلانكوليا» وتمكن إلى حد ما في نقوش أخرى قليلة مثل «القديس يوستيس» و«العذراء والطفل» (المتحف البريطاني
B. 34. ) من أن يحول كتلة من التفاصيل إلى شكل مقبول الدلالة، غير أننا في الشطر الأكبر من أعماله (مثل «الفارس» و«القديس جيروم») نجد أن التصور الجميل قد أفسدته كتلة من الرموز غير المهضومة وأتت عليه.
من هنا يتوجب أن يكون كل شكل في العمل الفني ذا دلالة إستطيقية، وأن يكون أيضا جزءا من كل ذي دلالة؛ لأن قيمة الأجزاء المتضامنة في كل، كما يحدث دائما، هي أكبر بكثير من قيمة المجموع الجبري للأجزاء، يطلق على هذا التنظيم الذي يسلك الأشكال في كل ذي دلالة اسم «التصميم»
Design . إن الإلحاح على التصميم، ولعل البعض يقول الإلحاح المفرط، هو السمة الرابعة للحركة المعاصرة. لا شك أن هذا الإصرار، وهذا الإيمان الراسخ بأن العمل يجب أن يكون جيدا لا «على الكل» بل «ككل» هو إلى حد ما رد فعل تجاه المنقبة السهلة التي كان يتحلى بها بعض الفنانين الانطباعيين، أولئك الذين كانوا قانعين بأن يفعموا قماش لوحاتهم بأشكال وألوان أخاذة، دون أن يشغلهم كثيرا هل هي متناسقة أو كيف. كانت هذه بالقطع نقطة ضعف في الانطباعية - وإن لم تشمل بحال جميع الأساتذة الانطباعيين - لأن من المؤكد أيضا أن الفنان لا يسعه أن يعبر عن نفسه على نحو تام إلا في هذه التضافرات المنظمة.
يبدو أن الفنان يخلق تصميما جيدا عندما يتسنى له، بعد أن يستحوذ عليه تصور انفعالي حقيقي، أن يقبض على هذا التصور ويترجمه، وأحسب أننا نتفق جميعا على أن الفنان ما لم تواته لحظة الرؤية الانفعالية فلن يتسنى له أن يأتي بعمل فني ذي شأن، بل سيظل غير متيقن إن كانت لديه القدرة على الإمساك بالرؤية التي رآها وأحسها، أو إن كانت لديه المهارة الكفيلة بترجمتها. وبطبيعة الحال يعود فشل التصميم في الغالبية العظمى من اللوحات إلى أنها لا تطابق أي رؤية انفعالية، ولكن حالات الفشل المثيرة للاهتمام هي تلك الحالات التي سنحت فيها الرؤية للفنان غير أنه لم يقبض عليها كما يجب ولم يحققها تحقيقا كاملا. إن الفنانين الذين فشلوا في تسجيل ما أحسوه واستوعبوه بسبب افتقارهم للمهارة التكنيكية يمكن أن يحصوا على أصابع اليد الواحدة - إن كان هناك من أحد حقا لكي يحصى، ولكن أينما توجهنا نجد لوحات شائقة تبدو بها الثغرات في تصور الفنان واضحة جلية، لقد واتته الرؤية ذات مرة، تامة مكتملة، غير أنه عاجز عن استردادها؛ فالوجد لن يعود، والقوة الإبداعية العليا مفقودة. إن هناك ثغرات وعليه أن يسدها بالمعجون، المعجون نعرفه جميعا عندما تقع عليه أعيننا - عندما نحسه، فهو مادة ميتة - نسخ حرفي من الطبيعة، آلية فكرية، أشكال لا يناظرها شيء تم إدراكه انفعاليا، أشكال لم يوقدها الإيقاع الذي تراعش خلال الرؤية الأولى ل «كل ذي دلالة».
يتحلى كل تصميم جيد بضرورة مطلقة، تنبع من تصوري من حقيقة أن طبيعة كل شكل وعلاقته بجميع الأشكال الأخرى هي أمر تحدده حاجة الفنان إلى التعبير بدقة عما أحسه ، ومن الجائز بالطبع ألا يتحقق التطابق التام بين التعبير والتصور في المحاولة الأولى أو الثانية، ولكن إذا كان العمل مقدرا له أن يكون عملا ناجحا فسوف تأتي لحظة يتمكن فيها الفنان من الإمساك التام بساعة إلهامه أو دقيقته، والتعبير الكامل عنها، وإذا لم تأت هذه اللحظة فسوف يفتقر التصميم إلى الضرورة؛ فرغم أن الحس الإستطيقي للفنان يمكنه، كما سنرى، من أن يقول ما إذا كان تصميم ما صحيحا أم خاطئا، فليس غير هذه القدرة البارعة على الإمساك برؤيته والقبض عليها ما يمكنه من أن يصنع تصميمه على النحو الصحيح. إن التصميم الرديء يفتقر إلى الترابط، والتصميم الجيد يتحلى به، وإذا كنت أحدس بأن سر الترابط هو التحقيق الكامل لتلك الهزة التي تغشى الفنان عندما يدرك عمله بوصفه كلا، فسوف لا أنسى أن ذلك حدس، ولكن ليس حدسا أن أقول إننا عندما نصف تصميما ما بالجودة فإننا نعني أنه، بوصفه كلا، يثير انفعالا إستطيقيا، وأن التصميم الرديء هو كومة من خطوط وألوان قد تكون مرضية إذا أخذت على حدة، ولكنها لا تحرك مشاعرنا بوصفها كلا.
ذلك أنه ليس بإمكان المشاهد في النهاية أن يحدد إن كان تصميم ما جيدا أم رديئا إلا باكتشاف ما إذا كان التصميم يحرك مشاعره أم لا، وإن بوسع المشاهد بعد أن يقوم بهذا الكشف أن يمضي قدما لينقد العمل بالتفصيل، غير أن نقطة البداية لكل حكم إستطيقي ولكل نقد هي الأفعال، فبعد أن يتركني العمل باردا خليا من الانفعال، هنالك أبدأ في ملاحظة ذلك التنظيم القاصر للأشكال الذي أسميه تصميما رديئا، وهنا، في أحكامي حول تصميمات معينة، لا أزال واقفا على أرضية ثابتة، ولا أشرع في الدخول إلى عالم الحدس والتخمين إلا عندما أحاول أن أعلل للقوة المحركة للمشاعر التي تتحلى بها تجمعات معينة، ورغم ذلك فإنني أعتقد أن حدوسي عن الحقيقة ليست بعيدة، وأن بإمكاننا استنادا إلى الفرضية نفسها أن نفسر الفرق بين الرسم الجيد والرسم الرديء.
Shafi da ba'a sani ba