36

Fannin Zamani: Gabatarwa Ta Gajeruwa

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

Nau'ikan

يكتب آرثر دانتو للمجلة الليبرالية اليسارية «ذا نيشن»، وهو فيلسوف ومنظر ذائع الصيت عن الفن المعاصر، لا سيما ما يعتبره وقفة في الإنتاج الفني بدأه آندي ورهول. وعلى حد زعمه، إذا كانت عبوات سلك الجلي ماركة بريللو التي صممها آندي ورهول لا يمكن تمييزها من الناحية المرئية عن عبوات بريللو الحقيقية، فهذا يترتب عليه أن الفن لا يمكن أن يعرف من منظور التمييز المرئي، ولا بد عوضا عن ذلك أن يعرف من الناحية الفلسفية. أما مكافيلي فهو محاضر متميز في تاريخ الفن بجامعة رايس، وحاصل على الدكتوراه في الفيلولوجيا الكلاسيكية، كما أنه محرر مشارك في مجلة آرت فورم، وقدم الكثير في سبيل تعزيز فهم الفن المعاصر غير الغربي، كما أنه حاز اهتماما واسعا بنقده المنهجي والمتشدد للفرضيات التي انطوى عليها معرض متحف نيويورك للفن الحديث لعام 1984 «البدائية في فن القرن العشرين»، والذي أدى إلى جدال مطول وغاضب مع مشرفي المعرض. أما ديف هيكي، فهو أستاذ نظرية الفن والنقد الفني بجامعة نيفادا بلاس فيجاس، وهو كاتب ذائع الصيت للغاية يملك أسلوبا نثريا مشوقا، وقد حصل على «جائزة النبوغ» من مؤسسة ماك آرثر. جلب كل من هؤلاء النقاد الثلاثة مجموعة من الاهتمامات المحددة والغريبة إلى النقد الفني، مثلما فعل الكثير من أفضل كتاب الفن؛ بالنسبة لدانتو، فقد جلب الفلسفة، وبالنسبة لمكافيلي الأنثروبولوجيا والكلاسيكية، ولهيكي الأدب والموسيقى الشعبية.

يزعم دانتو في كتاب «بعد نهاية الفن» أن طابع الفن قد تغير بصورة جذرية منذ السبعينيات ومنذ أن لفظ الفن الطليعي أنفاسه الأخيرة، وهو الآن ما بعد تاريخي على الأرجح. إن وجهات النظر الحداثية والطليعية ارتبطت بفكرة التقدم التاريخي ربما نحو التجريد الرسمي، أو امتزاج الفن والحياة. من وجهة نظر دانتو، على النقيض، «تبدأ الحياة فعليا عندما تصل القصة إلى نهاية.» وهؤلاء الذين يتوقعون الآن أن يتقدم الفن أغفلوا المغزى الرئيسي، ألا وهو أن التوليف النهائي قد أدرك بالفعل. وفي حين أن دانتو لم يذكره، فإن هذا الموقف يقترب من موقف الآراء السياسية لفرانسيس فوكوياما في كتاب «نهاية التاريخ وخاتم البشر»، وهو مستمد من الادعاء الهيجلي نفسه بأن التاريخ قد بلغ النهاية، فيما تستمر الأحداث في الوقوع بالطبع، وبأننا اكتفينا للأبد بنسخة من النظام الذي يدعمنا الآن. على نحو مماثل من وجهة نظر دانتو، ما إن اجتاز التاريخ الليل الأسود للسبعينيات (والتي يقارنها، في ظل أعمالها المريعة المعنية بالسياسة، بعصور الظلام)، حتى دخل في الجنان المشرقة للتسامح العالمي، ولن يغادرها أبدا. وفي تلك الجنان، أي مزج بين الأنماط أو وصل بين القصص مقبول من حيث المبدأ كأي شيء آخر.

شاهدنا أن هذا، من منظور واحد، وصف جيد ومعقول للفن المعاصر، وكان له صدى هائل في عالم الفنون، حتى إن الشخصيات التي على خلاف كبير مع دانتو في نواح أخرى تردده. على سبيل المثال، في كتابه «التصميم والجريمة»، يصف هال فوستر - وهو واحد من بين أعمق الكتاب الأكاديميين عن الفن المعاصر أثرا ونفوذا - «انعدام الوزن الرمزي» للفن في الوقت الراهن، وانفصاله عن التاريخ:

زيادة في الإيضاح: لم يعد الفن المعاصر يبدو «معاصرا»، بمعنى أنه لم يعد له تأثير متميز على الحاضر، أو حتى «عرضيا»، على الأقل بقدر يزيد عن أية ظواهر ثقافية أخرى.

يود دانتو أن يقول إن الفن المعاصر هو معاصر لكن هذا يعني ما هو أكثر من مجرد الأعمال الفنية التي تصنع الآن: «إن المعاصرة هي، من منظور واحد، فترة اضطراب معلومات، وحالة من الإنتروبيا الجمالية المثالية، لكنها بالمثل فترة من الحرية التامة إلى حد بعيد.» تلك الحرية أفرزتها نظرة إلى الفن طرحت أسئلة فلسفية عن شروط وجوده، ولم تعد مرتبطة بأسئلة عن الكيفية التي كان عليها. يستطيع الفنانون بعد أن تحرروا من عبء التاريخ ذاك صنع أعمال «بأية طريقة يرغبونها، أو لأي غرض يرغبونه، أو دون غرض على الإطلاق.» إن هذا إنجاز يوتوبي مكتمل يتردد دانتو قليلا في مقارنته برؤية ماركس وإنجلز عن الشيوعية التي يحقق فيها الناس رغباتهم في نشاطات من اختيارهم.

في كتاب «الفن والاختلاف» - رؤية مكافيلي عن عالم الفن المعاصر - قوض أشخاص آخرون عالميون حظوا بقدر متساو وكامل من التعبير، الحقائق اليقينية الحداثية وسمحوا للتنوع بعد الحداثي بالازدهار. أما الحداثة السيئة والعتيقة والعالمية الغائية (كما يصفها بقراءات مختلفة لكانط وجرينبرج) فقد هزمت على يد حركة ما بعد الحداثة التعددية والتطلعية، ومن خلالها يتسنى لنا أن نلمح مستقبلا يوتوبيا محتملا. إن وصف الحداثة المبين هنا (وهو وصف ربما يحظى بمصداقية أكبر في الولايات المتحدة، حيث لا يزال طيف جرينبرج يلوح في الأفق) يتسم بالسلاسة والوحدوية، وبراء من الكثير من الاختلافات والتناقضات والنزاعات التي كانت تشتمل عليها حركة الحداثة. على أي حال، في ضوء أحكامها العابرة على الجودة - التي اعتبرت في السابق أنها مطلقة - من الممكن تطبيق النسبية عليها، وفي فعل ذلك بمقدورنا الاعتماد على أدوات الأنثروبولوجيا. ومن وجهة نظر مكافيلي:

في أوقات الحراك الاجتماعي الشديد، يمكن للفن أن يسهم في عرقلة أو إخفاء أو تشويه أرجحية المجتمع للتغيير. واليوم، رغم كل الصعاب، يؤدي الفن الدور المعاكس، وفي تتبع المستقبل، يستشعر سبلا ربما تظهر بمحاذاتها ذات جديدة في ضوء تاريخ له معنى جديد.

في مثل أوقات الريبة هذه، ينتج الفنانون أعمالا قاتمة وتكهنية ومبهمة بالضرورة، وتكون انعكاسا صادقا للعصر. جزء من هذه الريبة سببه ظهور وجهات نظر غير غربية متعددة، وتطبيق مصاحب للنسبية على القيم الغربية، والتي رأى مكافيلي أنها انبثقت من الثمانينيات على وجه الخصوص. من وجهة نظر مكافيلي هذا لا يعني نهاية التاريخ، بل نهاية نظرة واحدة فردية ومحددة له؛ فقد أنتجت الكلية الأيديولوجية للحداثة تعددية عظيمة للمواقف، لكن هذا لا يعني أنه لن يظهر توليف جديد، بل إنه لم تظهر له بارقة بعد فحسب. وفي الوقت الراهن، لا بأس في ذلك تماما:

لماذا لا يتنسم العالم لبرهة دون نظريات ما وراء قصصية تحاصره داخل مساحة ضيقة يزعم أنها نهائية؟ لماذا لا نتركه يستشعر طريقه إلى المستقبل دون تلك الخرافات الجامعة والعولمية والتعميمية والتخليصية التي تتقاسم سمات مشتركة كثيرة مع النبوءات الدينية؟

هذه الرؤية، شأنها شأن رؤية دانتو، هي رؤية مبهجة عن تنوع مشهد الفن المعاصر، وهي تحظى بالمصداقية لأنه، في حين أن الحداثة لم تكن قط بمثل هذه البساطة أو الوحدوية حسب رؤية مكافيلي، كانت هناك زيادة محسومة وإيجابية في تنوع الأصوات المسموعة في العالم الفني. في كتاباته عن بيئة جمالية محددة في أفريقيا وآسيا، عزز مكافيلي ذلك التغيير وتبين أنه أكثر تأثرا بالمتناقضات والتعقيدات التي ينطوي عليها من المزاعم العامة التي يقدمها في كتاب «الفن والاختلاف».

Shafi da ba'a sani ba