Fannin Kimiyya
فن الكيمياء: ما بين الخرافات والعلاجات والمواد
Nau'ikan
شكر وتقدير
تمهيد
1 - الجذور الروحانية والميثولوجية
2 - المقطرات، وبوتقات فصل المعادن، والأسلحة
3 - الأدوية والمطهرات والمراهم
4 - علم وليد
5 - الثورتان الفرنسيتان
6 - دولة ناشئة ونظرية ناشئة
7 - التخصص والتنظيم
8 - بعض المرح
Shafi da ba'a sani ba
الخاتمة
شكر وتقدير
تمهيد
1 - الجذور الروحانية والميثولوجية
2 - المقطرات، وبوتقات فصل المعادن، والأسلحة
3 - الأدوية والمطهرات والمراهم
4 - علم وليد
5 - الثورتان الفرنسيتان
6 - دولة ناشئة ونظرية ناشئة
7 - التخصص والتنظيم
Shafi da ba'a sani ba
8 - بعض المرح
الخاتمة
فن الكيمياء
فن الكيمياء
ما بين الخرافات والعلاجات
والمواد
تأليف
آرثر جرينبرج
ترجمة
سارة عادل
Shafi da ba'a sani ba
زينب عاطف
مراجعة
شيماء طه الريدي
بادئ ذي بدء، أهدي هذا الكتاب إلى زوجتي سوزان وابنينا ديفيد وراشيل، الذين قابلوا جوانب ضعفي البشري العديدة بالحب والدعم والتفهم.
كذلك أهدي هذا الكتاب إلى والدي موراي وبيلا وإخوتي الثلاثة دي دي (إلين)، وكيني، وروبرتا، الذين شملوني بحبهم ودعمهم أيضا.
شكر وتقدير
هذا الكتاب تتمة لكتاب «جولة عبر تاريخ الكيمياء» الذي نشرته دار جون وايلي آند سانز في عام 2000. ولا أزال حتى اليوم أشعر بالامتنان للأستاذ رولد هوفمان، الذي أمدني بدعمه في الكتاب السابق، ود. باربارا جولدمان، التي وافقت على المشروع وشجعته، ود. دارلا هندرسون، والسيدة آمي روماني، التي ساعدت في إنجاز هذا الكتاب ونشره في وايلي. إنني محظوظ، في الواقع، لاستمرار دعم د. هوفمان والسيدة آمي روماني لي، واستمرار روح المرح التي يتسم بها العمل معهما خلال المشروع التالي.
إن من دواعي سروري البالغ أن أقام قراء هذه المخطوطة بإدراج اسم أبي البيولوجي السيد موراي جرينبرج، وأبي «في الكيمياء» الأستاذ بيبر لاسلو، وأقرب أصدقائي في الكيمياء إلي، الأستاذ جويل إف ليبمان، وزوجتي السيدة سوزان جيه جرينبرج، وصديقي في جنون الكتب، الدكتور روي جي نيفل، وهم جميعا حاصلون على درجات علمية في الكيمياء. وكالعادة، قدم جويل عدة مقترحات وألف مقالا واحدا على الأقل. لقد أتاحت لي تلك الفرصة السعيدة التي واتتني لقراءة مسودات مسرحية «أكسجين» للأساتذة كارل جيراسيورولد هوفمان، رؤية مستنيرة ودافعا لإعادة التفكر في الثورة الكيميائية. كما أمدني الأستاذ دودلي هيرشباك ببعض المعلومات والرؤى الرائعة التي كانت بمثابة البذرة لمقالي عن بنجامين فرانكلين . قبل عقد تقريبا، أخبرني الأستاذ روبرت فراينهوك بالاستنتاجات المختلفة عن علم التصنيف التي ينتهى إليها عادة عند مقارنة تقنيات علم المورفولوجيا وعلم الكيمياء (الجينوم)، وقد أمدني بالصور، وأمتعني بمناقشات مفيدة كثيرا في أحد مقالاتي. كذلك أشكر المساعدة التي قدمها لي د. أرنولد ثاكري والسيدة إليزابيث سوان بمؤسسة التراث الكيميائي بفيلادلفيا. ومن دواعي سروري أيضا أن أعبر عن خالص تقديري للمناقشات المحفزة التي خضتها مع د. روي جي نيفل. وقد قدمت مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء في كاليفورنيا نسخا من الأشكال والصور النادرة للغاية من مجموعتها الضخمة. ثمة كثيرون آخرون ساهموا في هذا الكتاب، وأعبر لهم عن خالص شكري وعرفاني كلما كان ذلك مناسبا. أود كذلك التعبير عن خالص امتناني للسيدة أليس جرينليف (وكذلك للسيدة نان كولينز)، بجامعة نيوهامبشير؛ لدقتهما الشديدة في مسح وتحرير الأشكال العديدة من مجموعة كتبي الخاصة، والتي استعنت بها في هذا الكتاب. وقد استعنت بهذه الأشكال كذلك في عدد من الفصول والمحاضرات التي دعيت إلى إلقائها خلال فترة تأليف هذا الكتاب.
تمهيد
كتب الفيزيائي والمؤلف أوليفر ساكس يقول: «ربما كان تاريخ الكيمياء هو الأكثر تعقيدا وروعة، بل والأكثر رومانسية - بما لا يدع مجالا للشك - من بين كل العلوم.»
Shafi da ba'a sani ba
1
كيف تنقل مشاعر الدهشة والسعادة، والإثارة التي صاحبت الاكتشافات خلال بدايات علم الكيمياء إلى الطالب الجامعي أو طالب المدرسة العليا، وكذا إلى المعلم؟ علاوة على وجود جمهور متفتح من العامة يتمنون في الواقع معرفة المزيد عن العلوم. فلم نثقل كاهلهم بذكر بعض النظريات التي عفا عليها الزمن إلى جانب تلك النظريات الجارية؟ والإجابة هي: إنه لمن الضروري مساعدة غير العلماء في فهم الآلية التي يعمل بها العلم. بداية، إن ممارسة العلم مسعى بشري جاد. وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص (غير المنتمين إلى حركة «العصر الجديد») يعاملون الخيمياء اليوم على أنها ممارسة «للسذاجة» إن لم تكن احتيالا صرفا؛ فقد كانت الخيمياء في الأساس مسعى بشريا لفهم وحدة الطبيعة ومحاولة التعبير عنها مجازيا. وتحول هذه الخرافات والأساطير والتطبيقات على الفنون والطب إلى العلم الحديث الذي نراه اليوم هو القوة المحركة لهذا الكتاب. لكن الفكرة المتكررة هنا هي حاجة البشر إلى تخيل الطبيعة الجوهرية للمادة ومحاولة فهمها. ثمة هدف آخر من أهداف هذا الكتاب يتمثل في فهم الكيمياء التجريبية المبكرة في وقت كانت فيه أجزاء الأدوات المستخدمة ظاهرة تماما، على عكس تلك «الصناديق السوداء» المستخدمة اليوم على نطاق واسع. (في الواقع، باتت فكرة ما إذا كان هؤلاء الأشخاص الذين يجرون عملية تحديد تسلسل الحمض النووي بالاستعانة بتلك الصناديق السوداء الآلية - التي ترسل تسلسلات النيوكليوتيدات في ترتيب أبجدي - قد نسوا أنهم في الواقع يمارسون الكيمياء، فكرة محل جدل.)
إن هذا الكتاب قريب الشبه في أسلوبه بكتابي السابق «جولة عبر تاريخ الكيمياء» والمنشور عام 2000. يقوم هذا الكتاب على مجموعة الرسوم الفنية الرائعة التي وظفت على مدار السنين لتوضيح الأدوات الكيميائية، إلى جانب رموزنا المختلفة المستخدمة للإشارة إلى طبيعة المادة وتركيبها. ويهدف الكتاب إلى الإمتاع إلى جانب الإمداد بالمعلومات. ويضم الكتاب 188 شكلا موظفة لشرح 72 مقالا. وقد حاولت أن أجعل هذه المقالات يسيرة الفهم لجمهور عريض من الكيميائيين، ومعلمي الكيمياء، والعلماء والمدرسين في مجالات أخرى، والمهندسين، والفيزيائيين، بالإضافة إلى غير العلماء المهتمين بالعلوم والذين يستمتعون بالأعمال الفنية. لا يمثل هذا الكتاب استعراضا منهجيا لتاريخ الكيمياء، وإنما هو رحلة أخرى من نوع خاص تتضمن كثيرا من الموضوعات التي لم نتطرق لها في رحلتنا الأولى، علاوة على التطرق مرة أخرى إلى موضوعات سبق أن تطرقنا لها للكشف عن رؤى جديدة لها. تنتظم المقالات في ثمانية أجزاء مرتبة ترتيبا زمنيا تقريبيا. يركز الجزء الأول على صور الجذور الروحانية والميثولوجية للكيمياء؛ الآلهة، والتنانين المجنحة، والساحرات، بالطبع (هل كان الأيقونة السينمائية اليابانية «رودان» طائر عنقاء؟) والطيور الجارحة الغاضبة، والباسيليسك المخيف (أهو أفعى كوبرا تنفث سمها أم وحش جودزيلا؟) والأوروبروس؛ تلك الصورة المجازية لبقاء المادة، وربما كانت أيضا الملهم الحقيقي الذي استوحى منه كيكوله بنية البنزين الكيميائية. ويتناول الجزءان الثاني والثالث من الكتاب الجوانب التكنولوجية لبدايات علم الكيمياء. بالإضافة إلى الصور الملونة الجميلة لأدوات التقطير والأدوات الكيميائية الأخرى التي كانت تستخدم في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ثمة صورة بيانية تفصيلية لقوة الأنتيمون (الإثمد) بوصفه ملينا؛ دواء باعثا على القيء ومسببا للإسهال في الوقت ذاته. أما الجزء الرابع، فيركز على الفترة ما بين منتصف القرن السابع عشر ومنتصف القرن الثامن عشر، حين بدأت الكيمياء تبرز إلى الوجود كعلم. بالإضافة إلى بويل وهوك ومايو، الذين حلوا لغز الاحتراق والتنفس، نتناول أيضا الحيل والمكائد التجارية التي أحاطت باكتشاف الفوسفور، والتي قامت على أساس السيطرة على السوق أولا، ثم اكتشاف ما قد يفيد فيه العنصر الجديد. إننا نعتبر بيشر مؤسس أول نظرية حقيقية للكيمياء، وهي نظرية الفلوجستون. ومع ذلك، كان بيشر على الأرجح أهم رواد حركة التجارية في عصره، علاوة على كونه المستشار الاقتصادي لليبوبولد الأول، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة. أما الجزء الأكبر من هذا الكتاب، فهو مخصص للثورة الكيميائية التي قامت خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. لا يعرف كثيرون أن لافوازييه، الذي كان أبا الكيمياء الحديثة بلا شك، كان كذلك أحد أكثر علماء الاقتصاد تأثيرا في القرن الثامن عشر. وفي نفس هذا الجزء نتطرق بإيجاز إلى إسهامات بنجامين فرانكلين المبكرة في للكيمياء. وفي الجزء السادس، نتعرف على نظرية دالتون الذرية بوصفها ذروة الثورة الكيميائية. ويضم هذا الجزء خمسة مقالات ترصد الكيمياء في أمريكا في بداية القرن التاسع عشر. لعل أحد الأشكال المفضلة لدي في هذا الكتاب هو شكل لجهاز معملي أمريكي قديم (من حوالي عام 1790) كان يستخدم في تركيب حمض الكبريتيك، كان يجمع بين عناصر من المزارع (الأواني الفخارية) ودكان الحداد (الكير). أما الأفكار الرئيسة في الجزء السابع، فتشمل تطور تخصصات الكيمياء، مثل الكيمياء العضوية، والتأصيل الذي قدمه القانون الدوري. وعلى غرار كتاب «جولة عبر تاريخ الكيمياء»، تخف التغطية خلال أواخر القرن التاسع عشر، لتصبح نادرة للغاية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين؛ فالنمو المطرد والضخم للأدبيات الكيميائية كان من شأنه أن يجعل التغطية المتوازنة والمقيمة على نحو ملائم أمرا مستحيلا ، علاوة على أننا غارقون وسط بحر من الكتب الدراسية والدراسات الأحادية الموضوع التي تتناول هذه المادة العلمية الحديثة؛ لذلك فإن الجزء الأخير (الجزء الثامن) يتناول بعض الموضوعات الحديثة بأسلوب خفيف جدا، لكنه يحاول أن يمد القارئ برؤية للمستقبل؛ تكنولوجيا النانو والتنظيم الذاتي، وكلاهما يعد انتصارا لقدرتنا على فهم البنية الكيميائية للمادة في أبسط مستوياتها.
وقد اختتمت هذا الكتاب بخاتمة قوامها مقالان شخصيان وجيزان؛ أحدهما عن صديق من سنوات المراهقة، وهو روبرت سيلبرجليد، جامع الفراشات العبقري الغريب الأطوار المشاغب، والذي أصبح فيما بعد أستاذا في علم الحشرات في جامعة هارفارد ملأت شهرته الآفاق حتى وفاته في سن مبكرة إثر حادث تحطم طائرة. أما الثاني فهو مقال وجيز، يتطرق بشكل عابر إلى أصولي الكيميائية. وعلى الرغم من أن هذين المقالين قد يبدوان تدليلا مفرطا وتفخيما للذات، فإن الغرض منهما ليس كذلك على الإطلاق؛ إن الغرض منهما هو إمداد القارئ بلمحة عن ثقافتنا العلمية؛ العلامات الأولى التي تلفت أنظار أي «عالم طبيعة»، والاهتمام بجذورنا العلمية الشخصية، والرغبة في الاتصال بالماضي.
لكن إلى جانب هذه الصور الفنية، حاولت أن أضمن مقتطفات من مسرحيات وروايات، بل وأتجول في عوالم غامضة؛ ومن ثم سنستمتع بإحدى حكايات كانتربري لتشوسر. لقد قام كل من ديمتري مندلييف والملحن العظيم ألكسندر بورودين - وكانا عالمي كيمياء في أواسط العشرينيات من عمريهما - برحلة ترفيهية لحضور أول مؤتمر للكيمياء يعقد على مستوى العالم في كارلسروه في عام 1860، متوقفين أكثر من مرة ليمتعا حواسهما الموسيقية؛ يا لها من فكرة مثيرة لفيلم! إن كثيرا من القراء على علم بكتاب بريمو ليفي الذي يعرض فيه لسيرته الذاتية، «الجدول الدوري»، لكن كم عدد من يعرفون كتاب إدوين هربرت لويس «البرق الأبيض» (1923)، وهي رواية تأتي أحداثها في 354 صفحة مقسمة إلى 92 فصلا بأسماء العناصر الكيميائية مرتبة وفقا للعدد الذري لكل عنصر؟ أما الرؤية الثقافية الأشمل للكيمياء، فقد عبرت عنها جيدا مسرحية «أكسجين»، من تأليف عالمي الكيمياء المتميزين كارل جيراسي ورولد هوفمان. بالإضافة إلى إدراج مقتطف موجز للغاية من هذه المسرحية، أدرجت كذلك مقتطفا موجزا من مسرحية بيتر فايس «مارا صاد» التي ألفها عام 1966. بل إن ثمة قصة قصيرة محاكية لقصص لثوربر مستوحاة من رسوم عبثية لطالب في المدرسة العليا على صفحة العنوان لأحد كتبها الدراسية الذي يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر. وفي حين احتفظت ببعض الفظاظة الفكاهية التي تميز بها عصر النهضة، وأضفت شيئا من السخرية، فإن الغرض النهائي من هذا الكتاب غرض جاد؛ وهو إتاحة العلم والمتعة.
هوامش
الجزء الأول
الجذور الروحانية والميثولوجية
(1) رموز باطنية من الشرق والغرب
كيف نفهم حيواتنا القصيرة للغاية، ومجالنا الدنيوي، والكون المحيط بنا؟ نحن البشر لدينا نزعة فطرية إلى الرمزية، تحثنا على تمثيل الأمور الملموسة وغير الملموسة بالأفكار والكلمات والصور والموسيقى؛ فالرسومات على جدران الكهوف تسبق عصرنا الحالي بعشرات الآلاف من السنين. وكان ابني ديفيد يطلق على الآيس كريم، ولم يكن قد جاوز عمره العامين، لفظة «أم-يام»، وكانت كلمة رمزية مناسبة من طفل حديث المشي لا يزال يجهل أن هذا الشيء كريمة مثلجة لكنه بالتأكيد يميز الأشياء ذات المذاق الطيب. وكذلك خلقنا بغرائز جنسية لازمة لبقاء نوعنا، وندرك بالفطرة ازدواجية المتضادات، ونصدر ردود أفعال إزاء الرمزية الجنسية.
Shafi da ba'a sani ba
1 ،
2
وقد أدت هذه الغرائز إلى ظهور مجازات واستعارات لفهم الطبيعة وتحولات المادة قبل 2500 عام على الأقل في آسيا الوسطى، وشرقي آسيا، والأراضي التوراتية في الشرق الأوسط، وفي بلاد الإغريق.
3
شكل 1-1: ماندالا تبتية ملونة تعود إلى القرن الخامس عشر تمثل فيها الآلهة من الذكور والإناث الثنائيات التي نشأت منها العناصر الأربعة القديمة (المربع)، أما الدائرة، فتمثل الاكتمال (ودورة الحياة)، (بل) وبقاء المادة. انظر قائمة اللوحات الملونة (بإذن من معرض من روسي آند روسي، لندن، وموقع
Asianart.com ).
يظهر الشكل
1-1
رمزا من رموز الماندالا رسم في إقليم التبت الأوسط خلال القرن الخامس عشر.
4
Shafi da ba'a sani ba
تعود أصول الماندالات إلى الهندوسية التنترية والبوذية، وهي تمثيلات لتأمل الكون. والرهبان البوذيون هم من يشكلون الماندالات في الغالب من الرمال الملونة على مدار أيام، ثم يتأملونها، ليعيدوها إلى البحر بعد ذلك، في فعل رمزي يعبر عن إثراء حياة المرء الدنيوية بالفكر بدلا من مراكمة الثروات المادية الخادعة والزائلة. تتمثل إحدى العناصر المحورية للماندالا الشرقية في الدائرة التي تمثل الوحدة والاكتمال. كذلك تفصل الدوائر مجالات مثل السماء والأرض. ويمكن أيضا تشبيه صور الدائرة بالأفكار البالغة القدم عن بقاء المادة. وفي موضع لاحق من هذا الكتاب، سنقابل الأوروبوروس، وهي أفعى تشكل دائرة بجسدها من خلال التهام ذيلها، حتى وهي تعيد توليد نفسها. وفعل إلقاء الرمال التي تشكل منها الماندالات إلى البحر مرة أخرى يشير ضمنا إلى كل من بقاء المادة ودورة الحياة. وبطبيعة الحال، تحمل دائرة الماندالا بداخلها مربعا محاطا بأربع بوابات تمثل الاتجاهات الأصلية (الشمال - الذي يقع ناحية اليمين في هذه الصورة - والجنوب، والشرق، والغرب). وتقود هذه البوابات الأربع إلى دائرة داخلية تقطنها أربعة آلهة. على الجانب الخارجي لهذه الدائرة، توجد أربع إلهات منتظمة في مصفوفة رباعية متكاملة (شمال شرق، جنوب شرق، جنوب غرب، وشمال غرب). وهذه الازدواجية الذكورية الأنثوية ممثلة كذلك بجسدي ذكر وأنثى (أم وأب) خارج الدوائر الأكبر في أوضاع عناق جنسي. أما العناصر الأربعة، التي يرمز إليها شيوعا بمربع، فتمثل في الواقع أزواج الخواص المتضادة؛ السخونة في مقابل البرودة، والجفاف في مقابل الرطوبة. وعليه فإن النار ساخنة وجافة، والمياه باردة ورطبة. ويصور مركز هذه الماندالا البوداسف (أي «الكائن المستنير») فاجراباني ممسكا بالصاعقة في يد وقابضا على أفعى في اليد الأخرى.
4
ويمكن تشبيه مركز الماندالا بالعنصر الخامس القديم، وهو الأثير.
شكل 1-2: رسم بالقلم الرصاص، بأسلوب الماندالا، للفنانة السيدة ريتا إل شوميكر، يصور الثنائيات (تنانين متشابكة، وحمائم داكنة وفاتحة)، بالإضافة إلى العناصر الأربعة القديمة (الماء والهواء والنار التراب).
يملك آدم ماكلين رؤية مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالماندالات الخيميائية الغربية.
5
يحلل ماكلين 30 صورة من الخيمياء الباطنية في نصوص أوروبية تعود في الأغلب إلى القرن السابع عشر. ورغم أن كثيرا من هذه الرسومات تضم الأشكال الدائرية والمربعة كما في الشكل
1-1 ، فإن ثمة أشكالا أخرى لا تشبه الماندالات الشرقية إلا في الجوهر، ولكنها لا تشبهها في الشكل . على سبيل المثال، يعتبر ماكلين الشعار المدرج في كتاب ليبافيوس «الخيمياء» الذي يعود إلى عام 1606 (انظر الشكل
1-22
في مقال لاحق) ماندالا.
Shafi da ba'a sani ba
6
وبناء على ذلك، فإن الشكل
1-2 ، للفنانة ريتا إل شوميكر،
7
يحوي كذلك العناصر الجوهرية الأساسية المميزة للماندالا. فنجد التراب والماء والهواء مصورة بوضوح بمجالات دائرية بينما تخترق النار هذه المجالات. وأما الثنائيات، فمصورة بحمائم داكنة وفاتحة وتنانين أيضا. وتشير البذور النامية في الأرض إلى تكاثر المعادن. وفي المقال التالي، سنعرض لمزيد من الاستعارات الملموسة للعناصر الأربعة القديمة. (2) العناصر الأربعة القديمة
شكل 1-3: لوحة تعود إلى القرن الثامن عشر بريشة يوهان فينكلر، تبرز تأثيرات معتقدات أخوية الصليب الوردي، حيث يظهر في اللوحة أربعة رهبان يمثلون الماء والهواء والنار والتراب، في مربع منظم تنظيما صحيحا. وتجسد الصبغة الحمراء (انظر الصور الملونة) الموجودة بين يدي كل من الرهبان الأربعة حجر الفيلسوف؛ ذلك العامل الغامض الذي يسقط ويحول المعادن الرخيصة إلى ذهب.
توظف لوحة مرسومة بالألوان الزيتية على الخشب عام 1747 موقعة باسم يوهان فينكلر
8 (الشكل
1-3 )، بحس مبهج، رموزا خيميائية وروحانية ودينية مميزة لعقائد جماعة الصليب الوردي. يتصدر اللوحة أربعة رؤساء لأديرة رهبان ترمز أنشطتهم إلى التراب والنار والهواء والماء. وهم منظمون بالترتيب المناسب للخواص المتضادة؛ البرودة مقابل السخونة، والرطوبة مقابل الجفاف؛ ومن ثم فالماء رطب وبارد، والنار جافة وساخنة، والهواء (مع اعتبار البخار) ساخن ورطب، والتراب بارد وجاف:
أما صورة كيوبيد (أو ميركوريوس)، فيقول عنها عالم النفس كارل يونج إنها تمثل «رامي السهام الذي يذيب الذهب كيميائيا، ويخترق الروح بسهم الحب معنويا.»
Shafi da ba'a sani ba
9
في كتاب «الاقتران الكيميائي»، يصور كريستيان روزنكروتس وقد أصابه سهم كيوبيد بعد تعثره في فينوس العارية.»
9
ويحوز كل من فينوس ورؤساء الأديرة الأربعة وعاء يحوي الصبغة الحمراء، التي تمثل عامل التحويل، أو حجر الفلاسفة،
10
أو مرحلة أولية من الحجر.
11
وربما لا تمثل القلاع شيئا سوى القلاع، أو ربما ترمز إلى فرن التنور أو فرن الفلاسفة الذي يحمل بيضة الفلاسفة المحكمة الغلق.
12
ويمثل زوج الحمائم «البياض» أو اللون الأبيض الذي يتبع مرحلة «السواد»، أو ذلك اللون الأسود الأولي الناتج من العمل العظيم؛ فبداية تسخن المعادن والمواد الأخرى لتكوين كتلة سوداء. وقد يؤدي الاستمرار في التسخين عقب ذلك إلى تكليس هذه الكتلة فتنتج كلسا أبيض. والآن، إذا كان ذلك الطائر الطويل الذيل المربوط بحبل في يد أحد رؤساء الأديرة طاوسا، فإننا نعتقد أنه يمثل المرحلة الثالثة من تغير لون العمل العظيم، ألوان قوس قزح. أما اللون الرابع والأخير، فهو اللون الأحمر الداكن للصبغة الحمراء، والذي تمثله في هذه اللوحة الأنابيق الأربعة الممتلئة، والتي يساوي حجمها ملء قدح. كذلك يرمز طائر العقاب إلى هذا اللون الأحمر الداكن الأخير من العمل العظيم، إلا أننا لا نرى طائر عقاب يرتفع (أو نافق) في هذه اللوحة. كذلك لا يوجد أثر لأي غربان، لذا دعونا نفترض أن الفحم أو الرماد المتصاعد من فرن التنور يرمز إلى «السواد».
Shafi da ba'a sani ba
يجمع أتباع أخوية الصليب الوردي بين المعتقدات الدينية والباطنية والخيميائية.
13
وعلى الرغم من أن تاريخ أولى كتاباتهم يعود إلى بدايات القرن السابع عشر، فإن أصول عقيدة أخوية الصليب الوردي تنسب عموما إلى كريستيان روزنكروتس (مشتق من كلمة «روزي كروس» أو الصليب الوردي)، الذي يزعم أنه ولد عام 1378، فيما يعتبر البعض الطبيب والخيميائي باراسيلسوس الذي عاش في أوائل القرن السادس عشر هو المؤسس الحقيقي لهذه الجماعة. ويبدو أن الخيميائي مايكل ماير كان أحد أعضاء أخوية الصليب الوردي.
14
وقد تترجم الإشارات الموجودة في أسفل يمين اللوحة السابقة كالتالي: (1)
إنني أبحث هنا في الماء. (2)
لا بد للهواء أن يمنحني. (3)
إنني أبحث في التراب. (4)
لا بد للنار أن تسخر لي. (5)
شيء ما هنا أيها الحمقى، هنا في الماء والهواء والتراب. ألا بحثتم في النار بهمة؟ (6)
Shafi da ba'a sani ba
فيظهر كل ما هو كامن بداخلها فجأة. (3) أعداد ذات دلالات باطنية ومقدسة
ثمة أرقام معينة بسيطة ظلت لقرون ينسب إليها دلالة
15
رمزية عظيمة في الخيمياء؛
16
فالرقم واحد يشير إلى الرب أو الله في الديانات التوحيدية، وكذا إلى المادة الأساسية - أصل كل المواد. وأما العدد اثنان، فيدل على جوهري الذكر والأنثى (الأضداد؛ الزئبق والكبريت) اللذين يدخلان في تكوين كل الأشياء. أما العدد ثلاثة، فيرمز إلى المواد الثلاث الأساسية (الزئبق، والكبريت، والملح؛ الروح، والنفس، والجسد)، والتي تمثل بدورها الجوهر الثالث الذي زاده باراسيلسوس (1493-1541) على جوهري الذكورة والأنوثة، ويمثل أيضا الثالوث المقدس (الأب، والابن، والروح القدس). وأما الرقم أربعة، فكما ذكرنا في المقالين السابقين، فيشير إلى عدد العناصر القديمة (التراب، والماء، والهواء، والنار)، والتي ينطوي كل منها على سمتين أو خاصتين متضادتين؛ السخونة والبرودة، والجفاف والرطوبة. كذلك يرمز إلى الفصول الأربعة والاتجاهات الأصلية الأربعة وقد أدخل أرسطو عنصرا «خامسا»، وهو الأثير، ويمثل السماوات أو الأثير السماوي. وتوجد المعادن السبعة التي عرفها القدماء (الفضة، والذهب، والحديد، والنحاس، والزئبق، والقصدير، والرصاص) يوافقها في العدد «الكواكب» المرئية (القمر، والشمس، والمريخ، والزهرة، وعطارد، والمشتري، وزحل)، وكذا أيام الأسبوع. وثمة الأبراج الفلكية الاثنا عشر توافقها عدة شهور السنة، والتي أقرن الخيميائي الإنجليزي جورج ريبلي، كاهن بريدلينجتون، كلا منها ب «البوابات» أو العمليات الاثنتي عشرة القائمة على الطريق نحو تكوين حجر الفلاسفة.
16
وقد كانت هذه المراحل كالتالي:
16 ،
17 (1) التكليس (تفاعل النار مع المعادن في الهواء).
Shafi da ba'a sani ba
برج الحمل. (2) التخثر (زيادة الكثافة بالتبريد).
برج الثور. (3) التثبيت (تحويل مادة طيارة إلى الحالة الصلبة أو السائلة).
برج الجوزاء. (4) الإذابة (تذويب المواد أو تفاعلها).
برج السرطان. (5) التهضيم (تعريض المادة لحرارة مستمرة؛ دون غليان).
برج الأسد. (6) التقطير (ارتقاء المادة السائلة وهبوطها).
برج العذراء. (7) التسامي (ارتقاء المادة الصلبة وهبوطها).
برج الميزان. (8) الفصل (عزل السوائل غير القابلة للذوبان).
برج العقرب. (9) التشميع (تحويل مادة صلبة إلى حالة لينة).
برج القوس. (10) التخمير (تنشيط مادة ما بالهواء).
برج الجدي. (11) المضاعفة (زيادة فاعلية حجر الفلاسفة).
Shafi da ba'a sani ba
برج الدلو. (12) الإسقاط (نشاط حجر الفلاسفة الغامض).
برج الحوت.
يضرب بازيل فالانتاين (بمعنى «الملك الشجاع»)، والذي يفترض أنه ولد في عام 1394، مثلا محيرا في التزييف الأدبي.
18
فيبدو أن ثمة اتفاقا عاما إلى حد ما على أن الشخص الذي «حرر» أعمال بازيل فالانتاين هو في الحقيقة شخص يعمل في مجال النشر وفي إنتاج الملح من غلي الماء المالح، ويدعى يوهان ثولده، عاش بين القرنين السادس عشر والسابع عشر.
18
وأيا من كان بازيل فالانتاين؛ فقد كان ضليعا في كيمياء عصره،
18
وقام بوصف اثني عشر مفتاحا أو عملية تحدد ملامح العمل العظيم. (انظر الشكلين
1-4
Shafi da ba'a sani ba
و
1-5 ) المأخوذين من كتاب «مكتبة علم الكيمياء المثيرة»
19
لماجنيت، الذي نشر عام 1702.
شكل 1-4: والعدد السحري هو 12! تلك هي المفاتيح الستة الأولى التي وضعها بازيل فالانتاين (الملك الشجاع)، تلك الشخصية المعروفة والخيالية على حد سواء. تمثل المفاتيح الاثنا عشر 12 عملية خيميائية تؤدي إلى تكوين حجر الفلاسفة (بالإضافة إلى الأبراج الاثني عشر وشهور السنة). (هذا الشكل مأخوذ من كتاب «مكتبة علم الكيمياء المثيرة» لماجنيت المنشور عام 1702 بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي.)
شكل 1-5: المفاتيح الستة الأخيرة لبازيل فالانتاين في كتاب ماجنيت «مكتبة علم الكيمياء المثيرة» (1702) (بإذن من مؤسسة التراث الكيميائي). انظر النص أعلاه للاطلاع على مناقشة للرمزية في المفاتيح الاثني عشر.
يشير المفتاح الأول إلى الاقتران الكيميائي؛ إذ يرمز إلى إنتاج المواد الأولية لإعداد حجر الفلاسفة.
20 ،
21 ،
22
Shafi da ba'a sani ba
يمثل الذئب كبريتيد الأنتيمون، وهو مركب يفيد في فصل الذهب عن المعادن الأخرى. [ثمة شكل متعلق بهذه العملية ورد في كتاب مايكل ماير المنشور عام 1618 «مقطوعات أتلانتا» (انظر الشكل
1-17 ) وسنتعرض له بالشرح لاحقا.] وأما الرجل العجوز، فربما يمثل كوكب زحل (معدن الرصاص)، والذي يساعد على فصل الكبريت. يمثل المفتاح الثاني الفصل المائي، فيما يصور المفتاح الثالث التنين بوصفه «المادة الأولية»، ويشير إلى دورة تبخير وتثبيت دائرية.
22
ويرمز المفتاح الرابع إلى الانحلال، وهو عملية تسخين بالنار، نعرفها الآن بأنها تحميص للمعادن الخام، ينتج عنه أكسدة مختلطة وفوضوية للكبريتيد الخام ليتحول إلى كتلة سوداء. ويعتبر المفتاح الخامس رمزا لعملية الإذابة (لكن هذا بطبيعة الحالة يمكن أن يدل على وجود تفاعلات كيميائية). ويمثل المفتاح السادس الارتباط؛ ذلك الاقتران الكيميائي بين الكبريت الفلسفي (الملك) والزئبق الفلسفي (الملكة). ويمثل المفتاح السابع نوعا من الماندالا الكيميائية،
23
وترمز إلى العناصر الأرضية الأربعة، والأثير، والمواد الجوهرية الثلاثة التي صنفها باراسيلسوس. وأما المفتاح الثامن فهو مشهد بعث يرمز إليه بغرس بذرة. وحسبما أشار جون ريد،
16
إذا كان الانحلال (المفتاح الرابع) يقترن بالأكسدة، فإن العملية العكسية لإعادة تخليق الفلزات أو بعثها تتطابق مع عملية الاسترجاع (الإعادة، أو الاسترداد) وعودة أرواحها. يشير المفتاح التاسع إلى المواد الجوهرية الثلاث، والعناصر الأربعة القديمة، والألوان الأربعة المتتالية في العمل العظيم بترتيب تصاعدي؛ الغراب (اللون الأسود، عملية الانحلال)، البجعة (الأبيض، عمليات التكليس)، الطاوس (الأصفر أو ألوان قوس قزح)، والعنقاء الحمراء (وترمز إلى الصبغة الحمراء أو حجر الفلاسفة). ويمثل المفتاح العاشر «المواد الثلاث الأساسية»، وقد تناولناها بالشرح فيما سبق.
20-22
وقد تمثل الكتابة العبرية آية في سفر المزامير، لكن ربما مع إحلال بعض حروف الكابالا محل الحروف الأصلية.
Shafi da ba'a sani ba
24
ويرمز المفتاح الحادي عشر إلى عملية المضاعفة، وأما المفتاح الثاني عشر والأخير، فيشير إلى عمليات التكليس، من خلال النيران الغامضة في برميل الخمر، فيما يرمز إلى عملية تثبيت المواد الطيارة بأسد (الكبريت) يلتهم ثعبانا (الزئبق).
20-22 (4) السحر الطبيعي: تحولات المستذئبين والفلزات
في دراسة إثنوجرافية أيرلندية تعود إلى القرن الثاني عشر من تأليف جيرالد الويلزي، نجد وصفا لمحادثة دارت بين كاهن وذئب متكلم في البرية، يتوسل للكاهن أن يمنح المناولة المقدسة لزوجته المحتضرة.
25
فيستجيب الكاهن لتوسلات المستذئب، ويعتمد النقاش حول ما إذا كان هذا الفعل تدنيسيا من عدمه على طبيعة الكائن - هل هو هجين بحق (مثل كائن الجريفين)، أم إنسان في هيئة ذئب، أم أنه متحول الهوية تماما؟ كيف لبشر أن يتحول ليصبح ذئبا؟ ما مقدار الإنسانية المتبقية لديه؟ هل كان الرجل «مذءوبا» قبل أن يتعرض لأي تغيير؟
26
تتناول المؤرخة كارولين ووكر باينوم مفهومي «الهوية» و«التغير»، وتفترض أنه في العقود الأخيرة من القرن الثاني عشر، سيطر على الثقافة الأوروبية تصور مفاهيمي مفاده أن التحول الشكلي يحدث تدريجيا وليس فجائيا.
25
على سبيل المثال، تقارن باينوم بين رواية العهد الجديد عن تحول شاول المفاجئ من مضطهد للمسيحيين إلى القديس بولس الرسول - حواري المسيح - بتلك الرواية التي تعود إلى القرن الثاني عشر والتي تصور تحوله التطوري البطيء والمبرر وهو في طريقه إلى دمشق.
Shafi da ba'a sani ba
25
ويمثل التحول الشكلي عملية أكثر ديناميكية وتعقيدا من ذلك التغير الإعجازي المفاجئ، أو مجرد اتخاذ مظهر هجين ثابت. كذلك اتخذت قصص التحول القديمة، بما فيها القصص الفلكلورية عن المستذئبين، معاني جديدة نحو نهاية القرن الثاني عشر.
25
فكانت حالات التحول الشكلي توجد في كل مكان في الطبيعة من حولنا؛ فالمادة الغذائية في البذرة تصبح شجرة، والطعام «يتحول» إلى دم وعصارة. ومن الثقافات الشرق أوسطية أتت عمليات معقدة، ذات طابع روحاني في الغالب، من أجل تغيير تدريجي للمادة، صارت فيما بعد تشكل مجمل الخيمياء.
كان التلاقح الفكري ناتجا ثانويا محمودا لسلسلة من الحروب الصليبية المروعة بدأها البابا أوربان الثاني في عام 1095 ميلاديا لتخليص كنيسة القبر المقدس في القدس من قبضة المسلمين.
27
وسقطت القدس في أيدي الصليبيين في عام 1099، الذين هموا بذبح سكانها من المسلمين واليهود. استمرت سيطرة الصليبيين على الأراضي المقدسة تتزايد حتى مجيء حاكم مسلم قوي، وهو عماد الدين بن زنكي، الذي استعاد مدينة إديسا (في مقدونيا). وانهزم الصليبيون في حملتهم الثانية في عام 1154 على يد نور الدين خليفة عماد الدين بن زنكي. ومع حلول عام 1187 وقعت القدس في قبضة صلاح الدين الأيوبي ابن أخي نور الدين، وسقطت معها كل معاقل المسيحيين في الأرض المقدسة تقريبا. وشنت حملة صليبية ثالثة في العام 1189، وحققت نجاحات عسكرية كبيرة. وعلى الرغم من أن الملك ريتشارد الأول (ريتشارد قلب الأسد) فشل في بلوغ القدس، فقد وقع معاهدة سلام في عام 1192 مع صلاح الدين الأيوبي. غير أن هذه الاتفاقية سرعان ما انهارت وشن المزيد من الحملات الصليبية، بما فيها حملة الأطفال الصليبية المحزنة التي شنت في العام 1212، واستمرت هذه الحملات حتى حوالي عام 1270 مع خسارة لويس ملك فرنسا للحملة الثامنة والأخيرة.
شكل 1-6: صورة للطبيب والخيميائي جابر بن حيان الذي عاش في القرن الثامن عشر (جابر)، وولد في الجزيرة العربية وتلقى تعليمه في العراق. الرسم من كتاب توفيه «حياة المشاهير» (1584). نسب كثير من كتابات القرنين السادس عشر والسابع عشر في الكيمياء والطب خطأ إلى «جابر». وللحد من الالتباس، نسب المؤرخون المعاصرون هذه الأعمال إلى «جابر الزائف».
شكل 1-7: لوحة من مخطوطة تعود إلى القرن الخامس عشر تصور الطبيب الفارسي ابن سينا (أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا 980-1037)، الذي عاش في القرن الحادي عشر، في صيدلية. انظر الصور الملونة ( © Archivo iconografico, S. A./CORPIS ).
ومن آثار العمل الإنساني التي جلبتها الحملات الصليبية إلى أوروبا الممارسات الطبية لجابر بن حيان، والرازي، وابن سينا، وتصديق الدوائر الثقافية في ظاهرة التحول الشكلي - أو تحول الفلزات - الخيميائية. و«جابر» هو اسم يعود إلى القرن الرابع عشر، ونسب إليه عدد من الأعمال، يمكن نسب أجزاء منها إلى عالم الفيزياء والخيميائي جابر بن حيان الذي عاش في القرن الثامن الميلادي (721-815 تقريبا)، والذي ولد في الجزيرة وتلقى تعليمه في العراق كما نعرفها اليوم. وينسب البعض مبدأ أن الفلزات كافة تتكون من مزيج من الزئبق والكبريت إلى جابر بن حيان.
Shafi da ba'a sani ba
28
ويقال إن كتاب «نهاية الإتقان»، الذي كان من الأعمال المؤثرة في القرن الثالث عشر، والذي ينسب إلى «جابر» (أو من يشير إليه مؤرخو علم الكيمياء ب «جابر الزائف» تجنبا للالتباس) قد وصف إجراءات لتمييز الفلزات وتنقيتها.
29
الشكل
1-6
مأخوذ من أوائل الكتب المطبوعة التي استعانت بالأشكال المصنوعة من الصفائح النحاسية ويزعم أنه صورة جابر (جابر الزائف أم جابر بن حيان؟) في المعمل.
30
أما ابن سينا (أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، 980-1037)، فكان طبيبا فارسيا عرف بسعة المعرفة والتبحر في العلم. وقد نسب إليه أيضا أعمال تعود إلى أوائل عصر النهضة، ويشير مؤرخو الكيمياء إلى مؤلف هذه الأعمال بابن سينا الزائف.
29
الشكل
Shafi da ba'a sani ba
1-7
مأخوذ من مخطوطة تعود إلى القرن الحادي عشر، ويزعم أنه يظهر ابن سينا وهو في خضم تحضيراته الطبية.
ينطوي التحول - بحسب الأستاذة باينوم - على التغير من شكل إلى آخر، مع الإبقاء على سمة أو جانب مشتركين.
25
على سبيل المثال، تروي باينوم
26
رواية الشاعر أوفيد عن عقاب الإله زيوس للملك لايكون، الذي كان يمارس الاستبداد والظلم على رعاياه، وحاول أيضا قتل زيوس. وعلى الرغم أن لايكون قد تحول إلى ذئب شكلا وموضوعا
26 ،
31 (الكلمة اليونانية «لايكوس» تعني «ذئب»):
إنه يتحول إلى ذئب، ولكنه يحتفظ ببعض من آثار شكله السابق، فله نفس الشعر الرمادي، ونفس الوجه الحاد الملامح، ونفس العينين المتلألئتين، ونفس المظهر البربري المتوحش.
Shafi da ba'a sani ba
تذكر باينوم أن «التعطش للدماء والتلذذ بالقتل»
26 - ما يمكن القول بأنهما «جوهر شخصية الذئاب» - كانتا سمتين مشتركتين بين الملك لايكون والذئب.
إن فكرة أن الفلزات يمكن أن تتحول فيأخذ بعضها أشكال بعض فكرة غريبة علينا تماما في عصرنا هذا. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أنه منذ مئات السنين، لم يكن يوجد مفهوم حقيقي للعناصر، وكانت الفلزات توجد بوجه عام في حالات مختلفة من النقاء. فكانت السبائك، كالبرونز (الذي يتكون من النحاس والقصدير)، ومركب البيوتر (الذي يتكون في إحدى تركيباته من الرصاص والقصدير) تحتفظ على نحو سلس بالخواص الفلزية؛ فيما يعد شكلا من التحول أو التغير بإيقاف الحركة. وقد دللت الطبيعة الجوهرية للفلزات - اللمعان، وقابلية الطرق، والقدرة على التوصيل الحراري - على وجود جانب مشترك (أو مادة مشتركة)؛ ألا وهو «ماهية الفلزية». وعليه، فلدينا يوهان يواكيم بيشر - الذي عاش في القرن السابع عشر - الذي كان يعتقد أن كل الفلزات تحتوي على الزئبق،
32
فيما ذكر كيميائي آخر مهم من نفس الحقبة، وهو يوهان كونكل، أنه قد استخلص الزئبق من كل الفلزات.
33
ويا لسحر ذلك الزئبق، بجوهره الفلزي المتطاير الخارق لأي معدن؛ فالزئبق يذيب الذهب وفلزات أخرى، بحيث تتغير طبيعتها ومظهرها تماما عند التملغم. ويعمل تسخين الملغمة على تقطير الزئبق وإعادة الفلز إلى حالته السليمة، إن لم يكن أكثر نقاء. ولك أن تتخيل أن كثيرا من عينات الفلزات «النقية» تحتوي على بعض من شوائب الزئبق نتيجة لتاريخها؛ ومن ثم يكون استخراج بقايا زئبق من عينة مختلطة غير نقية من الذهب أمرا معقولا إلى حد ما.
شكل 1-8: صفحة العنوان من الطبعة الإنجليزية الأولى (الصادرة عام 1658) من رائعة جيامباتيستا ديلا بورتا «السحر الطبيعي» (الذي نشر بداية في 4 مجلدات في عام 1558 ثم زادت إلى 20 مجلدا في عام 1589). كان بورتا واسع المعرفة بالعمليات الكيميائية في القرن السادس عشر ، وغالبا ما كان ينسب إليه الفضل في اختراع الكاميرا المظلمة، علاوة على كونه كاتبا مسرحيا معروفا. تحوي الصورة إيحاء بأن بورتا هو التجسيد الحقيقي للنظام والمنطق، المقابلين للفوضى (بإذن من مكتبة روي جي نيفل لتاريخ الكيمياء).
يبين الشكل
1-8
Shafi da ba'a sani ba