تصدير
مقدمة تاريخية
القسم الأول: العمارة وزخرفة المباني
تمهيد
1 - الفن الطولوني وسامرا
2 - العمارة الدينية
3 - العمارة الحربية والمدنية
4 - زخرفة المباني
القسم الثاني: الفنون الفرعية
تمهيد
1 - المنسوجات1
2 - الحفر على الخشب
3 - الخزف
4 - التصوير
خاتمة
المراجع
اللوحات
تصدير
مقدمة تاريخية
القسم الأول: العمارة وزخرفة المباني
تمهيد
1 - الفن الطولوني وسامرا
2 - العمارة الدينية
3 - العمارة الحربية والمدنية
4 - زخرفة المباني
القسم الثاني: الفنون الفرعية
تمهيد
1 - المنسوجات1
2 - الحفر على الخشب
3 - الخزف
4 - التصوير
خاتمة
المراجع
اللوحات
الفن الإسلامي في مصر
الفن الإسلامي في مصر
من الفتح العربي إلى نهاية العصر الطولوني
تأليف
زكي محمد حسن
تصدير
ليس موضوع كتابنا هذا دراسة الفن الإسلامي عامة؛ وإنما نريد أن نتتبع فيه تطور هذا الفن في مصر دون غيرها من الأقطار التي شملتها الإمبراطورية العربية.
على أن لتاريخ الفن الإسلامي في مصر حلقات وعصورا، ولكل من هذه صفات تميزها، ومن ثم آثرنا أن نقسم دراسة الفنون في مصر الإسلامية إلى ثلاث مراحل؛ الأولى: تبدأ بالفتح العربي وتنتهي بسقوط الدولة الطولونية، والثانية: تشمل عصر الفاطميين، وتحتوي الثالثة على عصر المماليك، وإن بقيت في تاريخ مصر قبل العصور الحديثة أسرتان مالكتان لم يرد لهما ذكر في هذا التقسيم، وهما أسرتا: الإخشيديين، والأيوبيين؛ فليس ذلك إلا لأن الفن في عهديهما لم تكن تخصصه مميزات كثيرة ظاهرة، بل كان في أكثر الأحايين يتبع الفن الذي سبقه، ويمهد للفن الذي تلاه.
وقد رأينا تسهيلا للدرس أن نخص كل مرحلة من هذه المراحل بجزء من كتابنا، ويسرنا أن نقدم الآن للقراء ولزائري دار الآثار العربية الجزء الأول، نتتبع فيه تطور الفن الإسلامي في مصر حتى نهاية العصر الطولوني. وقد كان في استطاعتنا أن نجعل العصر الطولوني عنوانا لهذا الجزء من الكتاب، فسيرى القراء أنه لم يبق من الأبنية الإسلامية ما يمكن إرجاعه بتمامه إلى ما قبل زمن الطولونيين، كما أن معلوماتنا عن تاريخ الفنون الفرعية قبل بني طولون ضئيلة غير وافية.
زكي محمد حسن
مقدمة تاريخية
فتح العرب مصر عام 641 ميلادية، ولكنهم لم يغيروا كثيرا في النظام الإداري الذي خلفه فيها العصر البيزنطي، فظل وادي النيل زهاء قرنين من الزمن يحكمه ولاة يعينهم أولياء الأمر في بلاد العرب. على أن عرب مصر في صدر الإسلام كان اتصالهم وثيقا بالحوادث في شبه جزيرتهم، وبما نشب بين المسلمين فيها من خلافات وحروب، بل قد سار منهم وفد لعب دورا كبيرا في الحوادث التي انتهت بقتل الخليفة عثمان.
ثم كان في وادي النيل بعد ذلك شيعة لعلي، وأنصار لمعاوية، وأرسل الأول من قبله إلى مصر ثلاثة ولاة آخرهم محمد بن أبي بكر، الذي ارتكب خطأ سياسيا كبيرا بتسييره أنصار معاوية إلى الشام، فلم يلبث ابن أبي سفيان بعد أن تقوى ساعده بالمدد الجديد أن بعث إلى وادي النيل بجيش على رأسه عمرو بن العاص. وانتصر جيش الشام؛ فاستقر الأمر في مصر لبني أمية، وعاد إلى حكمها عمرو سنة 658 من قبل معاوية الذي كافأه على إخلاصه ودهائه، بأن جعل البلد طعمة له بعد عطاء جندها ونفقة إدارتها.
ثم قتل علي، واستتب الحكم للأمويين؛ فولي مصر من قبلهم بعد وفاة عمرو واحد وعشرون واليا: ولي اثنان منهم الأمر مرتين، وواحد ثلاث مرات، وحكم واحد منهم البلد نحو تسعة أشهر نائبا عن ابن الزبير إلى أن سار إلى مصر مروان بن الحكم؛ فطرده منها.
ولما كانت الدولة الأموية عربية بحتة، فقد كان ولاة مصر في عهدها كلهم عربا، كغيرهم من كبار عمال الدولة وموظفيها.
وفي سنة 749 قويت الدعوة لبني هاشم، وانتهت بسقوط بني أمية سنة 750، واستقام عود الخلافة لبني العباس؛ ففر إلى مصر مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وتبعه جيش عباسي على رأسه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، فقتل مروان، وتقلد زمام الحكم صالح بن علي من قبل أبي العباس السفاح، وتوالى على مصر حتى سنة 868 أربعة وستون حاكما: ولي أحدهم الأمر ثلاث مرات، وولي تسعة آخرون الحكم مرتين.
وولاة مصر في العصر العباسي لم يكونوا كلهم عربا، فقد طغت على مصر الصبغة الفارسية التي طغت على بقية أجزاء الدولة العربية؛ إذ قامت الدولة العباسية على أكتاف الموالي، فاستعملهم خلفاؤها وقدموهم على العرب.
ولكن نفوذ الجند من الأتراك في خدمة البلاط العباسي ما لبث أن ظهر وأخذ في الزيادة؛ حتى أصبح بيدهم مقاليد الأمر، وعزل الخلفاء وتوليتهم، واستولوا على أكبر وظائف الدولة، فأصبح منهم الولاة والعمال، وقدم إلى مصر أول وال تركي الأصل سنة 846.
على أن الإمبراطورية العربية كانت من السعة بحيث استطاعت عوامل الضعف أن تتطرق إليها؛ فاستقلت بلاد الأندلس، وتبعتها بلاد المغرب؛ حيث نشأت عدة دويلات مستقلة، ولم يبق من بلاد شمال أفريقيا تابعا للخلافة العربية إلا بلاد إفريقية، التي تعرف اليوم ببلاد تونس. وما لبث هارون الرشيد أن رأى عجزه عن حكم هذه البلاد؛ لكثرة ثوراتها والفتن فيها؛ فأقطعها دولة الأغالبة التي ظلت تحكم الإقليم معترفة بسلطان اسمي لخليفة بغداد، وتدفع له جزية كانت في أكثر الأوقات اسمية.
1
أما مصر فقد جاء دورها نحو سنة 827، حين بدأ الخلفاء سنة إقطاعها أولياء عهدهم، ثم قواد الجند من الترك، ولكن هؤلاء القواد الذين كانوا يمنحون مصر طعمة سائغة، لم يكونوا يرغبون في البعد عن حاضرة الدولة وبلاط الخليفة وما فيهما من دسائس ومكائد، ولم يكن الخليفة نفسه يتوق إلى ابتعادهم عنه، خشية أن يعملوا على الاستقلال وشق عصا الطاعة؛ ولذا ترى أن هؤلاء الولاة لم يحكموا مصر بأنفسهم، وإنما كانوا يبعثون إليها بعمال من قبلهم، وكان هؤلاء يرسلون إليهم ما يتبقى من الخراج والجزية بعد دفع نفقات الدولة والإدارة، وكان أصحاب الإقطاع يدفعون إلى بيت مال الخليفة مما يتلقونه من مصر مبالغ كانت تتفاوت قيمتها.
وفي سنة 868 تقلد حكم مصر القائد التركي باكباك، فاستخلف عليها أحمد بن طولون الذي أسس فيها أسرة لعبت في التاريخ الفني لوادي النيل دورا كبيرا.
وقد كان طولون (والد أحمد) مملوكا تركيا من بلاد منغوليا، أرسله حاكم بخارى إلى بلاط بغداد، فظل يرتقي حتى صار قائدا لحرس الخليفة.
وولد أحمد بن طولون ببغداد في سبتمبر سنة 835، ثم هجر الخليفة المعتصم مدينة المنصور، وانتقلت الحكومة إلى سامرا (العاصمة الجديدة)؛ حيث تلقى ابن طولون علومه العسكرية، وأخذ - فضلا عن ذلك - بقسط وافر من العلوم الدينية، ثم وفد ابن طولون إلى مصر من قبل باكباك الذي كان قد تزوج أرملة طولون بعد وفاة زوجها.
ولما توفي باكباك ولى الخليفة على مصر قائدا تركيا آخر، كان ابن طولون قد تزوج ابنته؛ فثبتت بذلك قدم ابن طولون وزاد نفوذه، وأصبحت الإسكندرية تابعة له بعد أن كان لها حاكم مستقل عنه.
ثم كانت وفاة هذا الوالي الجديد إيذانا بفساد الأمر بين ابن طولون وبلاط بغداد؛ فأرسل أولو الأمر في العراق جيشا لإخضاع ابن طولون، وكان فشل هذا الجيش وعجزه عن التقدم إلى مصر مشجعا لأحمد بن طولون على المغالاة في مطامعه؛ فشق عصا الطاعة، وسير لإخضاع سورية حملتين، ومد سلطانه على جزء من آسيا الصغرى، فأصبح خطرا يتهدد الخلافة، وأحس بذلك الموفق أخو الخليفة وصاحب الأمر في الدولة، وكان قد انتهى من إخضاع ثورة الزنج، ورأى أنه بالرغم من ذلك لا قوة له على مواجهة ابن طولون؛ فعمل على مصالحته، غير أن مرضا أصاب ابن طولون أرغمه على ترك سورية والرجوع سريعا إلى مصر حيث توفي سنة 884.
وظن بلاط الخليفة أن موت ابن طولون إيذان بانقراض دولته، ولكن سلسلة من الانتصارات أحرزها ابنه وخليفته خمارويه على جيوش العراق أرغمت الخليفة العباسي على مسالمته، وعقد معاهدة اعترف فيها بخمارويه، وبورثته - مدة ثلاثين سنة من بعده - ولاة على مصر وسورية وبعض أقاليم آسيا الصغرى وأرمينيا.
وتوفي الخليفة المعتمد بعد ذلك ببضع سنوات، وتزوج خلفه المعتضد بقطر الندى ابنة خمارويه، وزعم كثير من المؤرخين أن الخليفة قصد بذلك إفقار بني طولون؛ فقد كان خمارويه مسرفا جد الإسراف، تواقا إلى الأبهة والعظمة، فجهز ابنته بما لم تجهز به عروس من قبل، واستنزف ذلك وغيره خزائن الدولة؛ حتى تركها خاوية حين قتله خدمه سنة 896.
وتطرق الاضمحلال إلى دولة بني طولون بعد وفاة خمارويه، وولي البلاد بعده ابنه جيش، فتنكر لقواد أبيه ولكبار رجال الدولة، وانغمس في اللهو والشراب؛ فخلع وقتل. وخلفه أخوه هارون بن خمارويه، ولكن الداء كان قد تمكن في إدارة البلاد، وظهرت روح الثورة في الجند، وانقسموا فرقا يؤيد كل منها قائدا من قواد الجيش، وزاد الطين بلة أن ظهر القرامطة في الشام وهددوا مصر؛ فسار إليهم جيش منها عاد بالهزيمة.
وكان الخليفة المعتضد قد توفي وخلفه المكتفي؛ فأرسل هذا لإخضاع القرامطة جيشا على رأسه محمد بن سليمان، أوقع بهم هزيمة كبرى. ثم واصل السير إلى مصر، ولم يلق فيها مقاومة تذكر، وحاول المصريون إنقاذ الموقف بقتل هارون وتولية عمه شيبان بن أحمد بن طولون، ولكن ولاية هذا لم تزد عن بضعة أيام، واستطاع محمد بن سليمان وجنوده القضاء على الدولة الطولونية، وأصبحت مصر ثانية إقليما تابعا للخلافة العباسية، ترسل إليه الولاة من قبلها.
2
القسم الأول
العمارة وزخرفة المباني
تمهيد
أخذ الفن الإسلامي كثيرا من أصوله عن الفنون المسيحية الشرقية، كما تأثر كثيرا بفنون إيران وبغيرها من الفنون التي ازدهرت في البلاد التي فتحها العرب وكونوا منها إمبراطوريتهم العظيمة. ولا غرو؛ فقد كان العرب في شبه جزيرتهم بدوا لا حضارة لهم، ولم تكن بداوتهم هذه مرتعا خصبا لفن يترعرع بينهم، وينطبع بطابعهم؛ وإنما جاءت الفتوحات العربية، وامتدت الدولة الإسلامية واتسع نطاقها، واختلط العرب بأمم عريقة في المجد والمدنية؛ فأثروا في هذه الأمم وأثرت فيهم.
أما أثر العرب فواضح جلي؛ إذ إنهم فتحوا مصر، وفرضوا عليها ديانتهم ولغتهم، ونشروا الإسلام في بلاد إيران، وجعلوا العربية لغة العلم والأدب والدين، وانتهى الأمر بهم إلى التأثير في اللغة الفارسية تأثيرا كبيرا، نتبينه إذا علمنا أن هذه اللغة هندية أوروبية، كانت تشبه السنسكريتية القديمة، وكان الفرق بينها وبين اللغات السامية شاسعا، بيد أنها أصبحت بعد الفتح الإسلامي خليطا، فصارت تكتب بالحروف العربية، وأخذت عن اللغة العربية آلاف المفردات والتراكيب.
على أن هذه الأمم التي غلبت على أمرها أثرت بدورها في العرب، وكانت أكبر عون لهم على خلق فن إسلامي، طبعه العرب بطابع دينهم، وظهرت فيه شخصيتهم البارزة ، ولكن أساسه مدنيات فارس وبيزنطة وآشور وكلديا ومصر. ولذا كان خطأ كبيرا أن يطلق على هذا الفن اسم الفن العربي كما فعل المستشرقون ومؤرخو الفن حتى أوائل القرن الحاضر، وكإطلاق اسم «دار الآثار العربية» على متحفنا الإسلامي في مصر.
ولعل أكثر ما اقتبس العرب في الفنون من الأمم المجاورة كان في العمارة، ولكنا لا نريد أن نعرض هنا للأبنية الإسلامية الأولى في المدينة ومكة والبصرة والكوفة والشام؛ فإن ذلك يكون خروجا عن موضوعنا الآن.
1
وأول مسجد أسسه العرب في مصر هو جامع عمرو، أو الجامع العتيق، بناه عمرو بن العاص سنة 642؛ فهو إذن من أقدم المساجد في الإسلام، ولكنا لا نظن أن قيمته كبيرة في دراسة تاريخ العمارة الإسلامية في مصر، نظرا للزيادات العديدة التي غيرت معالمه الأولى، وجعلته مزيجا من طرز مختلفة، ومن ثم آثرنا ألا نعرض لدراسته هنا، مكتفين بأن نحيل من يهتم بدراسته من القراء إلى البحث الذي نشره عنه كوربت بك سنة 1891 في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية، وإلى الأبحاث المختلفة التي كتبها عنه فان برشم
VAN BERCHEM ، وهوتكير
HAUTECOEUR ، وفييت
WIET ، وكريزول
CRESWELL ، وبريجز
BRIGGS ، والأستاذ محمود أحمد، ويوسف أفندي أحمد وغيرهم.
الفصل الأول
الفن الطولوني وسامرا
الفن الإسلامي فن ملكي بطبيعته، ونقصد بذلك أنه مدين بكل شيء للسلطان؛ فالمثالون، والمصورون، والمهندسون، وغيرهم من رجال الفن إنما كانوا يشتغلون إجابة لطلبه، وتحقيقا لرغبته، وإشباعا لشهواته. ونحن إذ استثنينا السلطان فلن نجد للفنون الجميلة رعاة إلا من بلاطه وحاشيته، أو في الأسر القليلة التي تسكن العاصمة وتعتمد في معيشتها على السلطان وبيت ماله، ولسنا نقصد أن هذا الأمر مقصور على الفن الإسلامي؛ ولكنا نقول إنه أصبح فيه ظاهرة كبيرة يصح معها أن تنسب المراحل المختلفة في التاريخ الإسلامي إلى الأسرات الحاكمة، فيقال: فن أموي، وفن عباسي، وفن طولوني، وفن فاطمي ... إلخ.
وإذن فليس غريبا أن تظل مصر قبل الطولونيين تابعة للخلافة الإسلامية في الفن، كما كانت تتبعها في السياسة، وليس غريبا أن تكون نشأة الفن الإسلامي في مصر وحياته فيها قبل العصر الطولوني يحيط بهما شيء من الغموض.
والفن الطولوني أول مرحلة واضحة جلية في تاريخ الفن الإسلامي بأرض الفراعنة، وسيرى القراء أنه لم يكن مستقلا كل الاستقلال عن فن الخلافة العباسية في ذلك العهد، ولكنه - على تبعيته له واشتقاقه منه - كان منافسا له، ولا غرو؛ فقد استطاع بنو طولون أن يتخذوا لأنفسهم بلاطا كبلاط الخليفة في سامرا وبغداد، إن لم يفقه أبهة وعظمة، وأصبح البذخ والترف في مصر يربو على ما في العراق وبلاد العرب؛ حيث كانت ثورة الزنج والفتن الداخلية قد استنزفت أموال الحكومة وجهودها.
والمصادر التاريخية والأدبية حافلة بذكر عظمة الطولونيين وتعضيدهم الفنون، يؤيد ذلك ما وصل إلينا من الأبنية والطرف الأثرية.
ومما يلاحظه علماء الآثار الإسلامية أن الفن الطولوني مستقل في التاريخ الفني لمصر، له صفاته ومميزاته، فإن كان الفن الفاطمي مشبعا بالتأثيرات الفارسية، والعوامل السورية والطولونية، مع اقتباسات قليلة عن فنون البربر في شمال أفريقيا؛ وإن كان فن المماليك قد احتفظ بذكريات فاطمية وسلجوقية ومغولية، مع بعض تأثيرات مغربية وأوروبية؛ فإن الفن الطولوني يكاد يكون قد أخذ كل أصوله عن الفن العراقي الذي ترعرع في سامرا عاصمة الخلافة العباسية.
وقد كان الفن الطولوني وعلاقته بسامرا موضع جدل ودرس طويلين، وكتب فيه كثيرون من علماء الآثار والمستشرقين، نذكر منهم: كوربت
CORBETT ، وفان برشم
VAN BERCHEM ، وسلمون
SALMON ، وهرتز باشا
HERZ PACHA ، وسلادان
SALADIN ، وزره
SARRE ، وهرتزفلد
HERZFELD ، وشتريجوفسكي
STRZYGOWSKI ، وفلوري
FLURY ، وكريزول
CRESWELL ، وعكوش، وهوتكير
HAUTECOEUR ، وفييت
WIET . •••
ويعزو الأستاذ فون لوكوك
VON LE COQ
التقدم الذي وصلت إليه الفنون في مصر في عهد ابن طولون وبيبرس إلى أن «هذين التركيين لم يكونا من الهمج المتوحشين، بل كانا من القبائل الهندية الأوروبية (الآرية) التي غلبت عليها الصبغة التركية، وورثا الفن السيتي الذي ازدهر في أواسط آسيا.»
1
وهذا زعم غير صحيح؛ فنحن نسلم بتأثير هذه القبائل التركية وفنونها على ما نسميه الطراز الأول من زخارف سامرا التي سندرسها قريبا، ولكننا نظن أنه من غير المحتمل أن يدعي مثل ابن طولون وبيبرس وغيرهم من الأتراك والمماليك أنهم ورثوا عن بلادهم الصحراوية القاحلة فنونا زاهرة حضرية، كفنون مصر في عهد الطولونيين والمماليك، وفضلا عن ذلك فقد عرف الفن الإسلامي في مصر في عهد الفاطميين (وهم ليسوا من الجنس الهندي الأوروبي الذي غلبت عليه الصبغة التركية على حد قول فون لوكوك) تقدما وازدهارا لا نظير لهما، بدليل ما وصل إلينا من الأبنية والتحف الأثرية، وما كتبه المقريزي عن كنوز الخليفة المستنصر بالله.
ومهما يكن من شيء فإن نظرة إلى مسجد أحمد بن طولون، وإلى المصادر التاريخية العربية تكفي لأن تقنعنا بأن الفن الطولوني مأخوذ عما كان من فن في بلاد الجزيرة، وخاصة في سامرا التي كانت عاصمة الإمبراطورية الإسلامية حين ظهر أحمد بن طولون على المسرح السياسي.
قضى أحمد بن طولون شبابه في سامرا التي كشفت فيها حفائر الأستاذين زره
SARRE ، وهرتزفلد
HERZFELD
عن أنواع مدهشة من الأبنية والزخارف الفنية والتحف الأثرية، وظلت ذكرى هذه العاصمة العباسية باقية في ذهن ابن طولون الذي كان يحرص كل الحرص على أن يرتقي ببلاطه وبعاصمته في مصر؛ حتى يكون منافسا لعاصمة الخلافة وما فيها.
وإذ إننا سنضطر في كثير من الأحوال إلى الالتجاء إلى هذه العاصمة؛ لنتفهم أصول الزخارف الطولونية؛ فإنه يجدر بنا أن نبدأ بدراسة مفصلة لتاريخها ولما ازدهر فيها من فنون.
سامرا
أسست على يد «أشناس»، أحد قواد الأتراك، بأمر الخليفة المعتصم سنة 836، وظلت حينا من الدهر عاصمة الإمبراطورية الإسلامية، فسكنها ثمانية خلفاء، هم: المعتصم؛ ثم ابناه: هارون الواثق، وجعفر المتوكل؛ ثم محمد المنتصر بن المتوكل، وبعده المستعين أحمد بن المعتصم، والمعتز أبو عبد الله بن المتوكل، والمهتدي محمد بن الواثق، والمعتمد أحمد بن المتوكل.
والسبب في بنائها: أن الخليفة المعتصم كان قد أكثر من شراء الجند الأتراك، وكان من الصعب التوفيق بينهم وبين سكان بغداد، فكان هؤلاء الأتراك العجم - كما يقول اليعقوبي
2 - إذا ركبوا الدواب ركضوا، فيصدمون الناس يمينا وشمالا، فيثب عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا، ويضربون بعضا، وتذهب دماؤهم هدرا، فثقل ذلك على المعتصم، وعزم على الخروج من بغداد.
ولعل الأستاذ الفرنسي فيوليه
VIOLLET
كان قد أخطأ قليلا في فهم عبارة اليعقوبي؛ فكتب في مقالته عن سامرا بدائرة المعارف الإسلامية (جزء 4 صحيفة 136): أن الخليفة كان مهددا في بغداد بفتن جنوده المرتزقة من الترك والبربر؛ فعمل على أن يتخذ لنفسه عاصمة يكون فيها أكثر أمنا، وأقل عرضة لهذا التهديد.
ولعل اسم سامرا مشتق من اللغة الإيرانية القديمة، بمعنى: المكان الذي تدفع فيه الجزية، ومهما يكن من شيء فإن العرب يسمونها: «سر من رأى»، ويزعمون أن موضعها كان مدينة سام بن نوح.
وتقع مدينة سامرا على الضفة اليمنى لنهر دجلة، على بعد مائة كيلومتر شمالي بغداد، وترجع شهرتها إلى الأبنية العظيمة التي شيدها فيها المعتصم وخلفاؤه. وقد حفظ لنا اليعقوبي وغيره من مؤرخي العرب أسماء عدد من هذه القصور الشاهقة، كالجوسق: للخليفة المعتصم، والهاروني: للواثق؛ ثم عروس، وبلكوار، ومختار، ووحيد: للخليفة المتوكل الذي عزم قبل وفاته بنحو سنتين أن يبتني مدينة يتخذها عاصمة له وتنسب إليه؛ فشيد حاضرة جديدة شمالي سامرا، سميت: الجعفرية،
3
وأقام في قصوره بها تسعة أشهر إلى أن قتل، وخلفه المنتصر الذي انتقل إلى سامرا؛ فخربت الجعفرية وقصورها. على أن سامرا نفسها لم تعد إليها عظمتها الأولى، وبالرغم من أن الخليفة المعتمد شيد في جانبها الشرقي قصر المعشوق، فقد تركها، وأرجع البلاط والحكومة إلى بغداد سنة 883؛ فما لبثت أبنية سامرا أن سقطت الواحد بعد الآخر، اللهم إلا المسجد الجامع، وأما الآن فليست مدينة المعتصم إلا قرية صغيرة في منتصف الطريق بين بغداد وتكريت، وبجانبها آثار حفائر كانت تقوم بها البعثات الأوروبية قبيل نشوب الحرب العظمى.
وقد ظلت سامرا منذ ألف سنة مزار الشيعة ومحل تعظيمهم؛ فهم يزعمون أن بجوار مسجدها الجامع قبر إمامهم الحادي عشر أبو محمد حسن العسكري الذي توفي في سامرا سنة 874، والذي ينسب إلى أحد أحيائها المعروف باسم: عسكر سامرا؛ حيث كان الخليفة قد نقله ليأمن جانبه، وليكون تحت مراقبته. ويعتقد الشيعة أيضا أن في سامرا السرداب الذي اختفى فيه إمامهم أبو القاسم محمد المهدي سنة 878 وهم يزورون هذا السرداب معتقدين أن المهدي المذكور سيظهر منه في نهاية الأيام .
ولا يخفى ما للكشف عن أنقاض سامرا من أهمية في دراسة الفن الإسلامي؛ فإن المصادر التاريخية (ولا سيما ما كتبه اليعقوبي) ذكرت لنا كيف أحضر المعتصم أشهر الفنانين من أنحاء الإمبراطورية الإسلامية؛ ليجعل من عاصمته الجديدة أكبر منافس لبغداد، مدينة جده المنصور، وواحدة من أكثر المدن ازدهارا في التاريخ الإسلامي بأجمعه، وكيف أنه كتب في إرسال البنائين والفعلة وأهل المهن من الحدادين والنجارين وسائر الصناعات، وفي حمل خشب الساج وغيره من أنواع الخشب وجذوع الأشجار من البصرة وبغداد وأنطاكية وسواحل الشام. واليعقوبي يخبرنا صراحة أن المعتصم استقدم من كل بلد من يعمل عملا من الأعمال، أو يعالج مهنة من مهن العمارة، والزرع، والنخيل، والغروس، وهندسة الماء ووزنه واستنباطه، والعلم بمواضعه من الأرض، وحمل من مصر من يعمل القراطيس وغيرها، وحمل من البصرة من يعمل الزجاج والخزف والحصر، وحمل من الكوفة من يعمل الخرق ومن يعمل الأدهان، ومن سائر البلدان من أهل كل مهنة وصناعة.
4
وليس بغريب أن اهتمت الهيئات العلمية الأوروبية بالكشف عن آثار تلك العاصمة، وتوالت للبحث فيها البعثات الأثرية، فبدأ بذلك الفرنسيان: الجنرال بيلييه
DU BEYLIÉ ، والمسيو فيوليه
VIOLLET ، ثم المس بل
BELL
الإنجليزية. ولكن الفضل كل الفضل يرجع إلى البعثة الألمانية، وعلى رأسها الأستاذان: الدكتور زره
SARRE ، والدكتور هرتزفلد
HERZFELD
اللذان استطاعا دراسة الأنقاض الباقية، والوقوف على أهم الموضوعات الزخرفية والطرز المعمارية فيها، كما يتبين ذلك من تقاريرهما عن العمل، وفي المؤلفات التي كتبت بعنوان: «حفائر سامرا»
Die Ausgrabungen von Samarra .
ولما كان ما وصل إلينا من الأبنية الطولونية في حالة جيدة من الحفظ إنما هو المسجد الجامع الذي شيده أحمد بن طولون؛ فإنه يهمنا على الأخص من آثار سامرا: المسجد الجامع الذي شيده الخليفة المتوكل بين عامي 846 و852،
5
وهو مسجد ذو أروقة،
6
يشبه جامع ابن طولون من عدة وجوه، فعمارتهما غير متأثرة بالأبنية المسيحية السورية، كما تأثرت قبة الصخرة والمسجد الأموي بدمشق، بل هي تشبه كثيرا رسم الحرم النبوي في المدينة، سواء في ذلك كان هذا الحرم في عهد النبي مسجدا، أو كان بيتا خاصا له كما يرى المستشرق كيتاني
CAETANI ، والأستاذ كريزول
CRESWELL .
7
ومسجد سامرا مكون من مستطيل كبير ذي جدران مرتفعة من الآجر، تتخللها أبراج مستديرة،
8
وسوف نعرض للكلام عن أجزائه المختلفة حين ندرس المسجد الطولوني.
على أن عمارة الأبنية في سامرا تختلف كل الاختلاف عن عمارة الأبنية الأموية؛ فالحجر لا يكاد يظهر في سامرا، بل الآجر هو المستعمل في كل شيء حتى في الدعائم أو الأرجل
وفي الزخارف الخارجية.
وقد كشفت حفريات البعثة الألمانية أنقاض بعض القصور الملكية، وكثير من دور الخاصة، وكلها تسود فيها الأوضاع والتقاليد المعمارية الإيرانية، ولا غرو فقد كان سقوط الدولة الأموية وانتقال العاصمة إلى بغداد إيذانا بضعف التأثيرات البيزنطية والسورية في العمارة العربية، بل في الفن الإسلامي بأكمله، وغلبت بعد ذلك التأثيرات الفارسية والأساليب المعمارية العراقية والساسانية.
وكانت الزخارف تلعب دورا كبيرا في قاعات الأبنية وردهاتها بسامرا، ولا سيما في الأجزاء السفلية من الجدران؛ فقد كانت هذه مغطاة بطبقة من الجص عليها رسوم بارزة وأخرى محفورة بعناية كبيرة، ودقة متناهية، ولكن زخارفها هندسية أو نباتية؛ فالزخارف الخطية تكاد لا تظهر في سامرا، وكثيرا ما كانت السقوف والطبقة الجصية تغطيها صور ملونة.
9
ولهذه الزخارف الجصية التي وجدت في قصور سامرا وبيوتها أهمية كبرى في تاريخ الزخارف الإسلامية. أما موضوعاتها فتتراوح بين رسوم بسيطة خالية من الفروع النباتية العربية
Arabesques
إلى موضوعات نباتية تقليدية جدا أغنى زينة وأكثر عمقا في الجص، وقد تختلط الموضوعات الهندسية بالموضوعات النباتية، فنرى زهرة تقليدية تتوسط أشكالا هندسية متصلا بعضها ببعض بأشرطة أو بحبات تتقاطع أو تنثني، فتتخذ أشكالا هندسية أخرى، أو تكون فروعا نباتية عربية تحيط برسوم دقيقة لأغصان وعناقيد من العنب.
وقد درس الأستاذان: الدكتور زره
SARRE ، والدكتور هرتزفلد
HERZFELD
الزخارف المذكورة دراسة وافية، وقسماها إلى ثلاثة طرز بحسب خواصها، والمصدر الذي يظنان أنها ترجع إليه، على أن أكثر مؤرخي الفن الإسلامي يرون أن العالمين الألمانيين المذكورين قد بالغا بتقسيمهما هذا في الفروق بين الطرز المختلفة، واتبعا طريقة تنقصها المرونة.
10
ومهما يكن من شيء فإن أقدم هذه الزخارف الجصية طراز فيه رسوم لعناقيد عنب وأوراقها، وهي ليست بعيدة جدا عن العناقيد والأوراق الطبيعية، بالرغم من أن فيها شيئا من التنسيق والتهذيب
Stylisation . وتذكرنا هذه الزخارف بتلك التي نراها في قصر المشتى
MSHATTA
11
بشرق الأردن لما بينها من الشبه في الصناعة، ويعتبر هذا النوع من زخارف سامرا الطراز الثالث في تقسيم الدكتور هرتزفلد، ويظهر أن مصدره إيران وبلاد المسيحية الشرقية، على أننا نجد في قصر الطوبة الذي يرجع تاريخه إلى أواخر العصر الأموي زخارف بينها وبين زخارف هذا الطراز الثالث شبه كبير.
12
وأما في الطراز الثاني فإن الزخارف التي شرحناها في الطراز الثالث تبعد عن الحقيقة الطبيعية، ويزداد فيها التهذيب والتنسيق حتى تصبح في الطراز الأول - وهو أحدثها جميعا - زخارف قطوعها خطية، وليس بينها وبين الحقيقة الطبيعية صلة تذكر. وزخارف الطراز الأول مصبوبة في قالب، وليست محفورة في الجدران نفسها، كما هي الحال في زخارف الطرازين الثاني والثالث.
ومن المعلوم أن تغطية الجدران بطبقة من الجص محفور فيها رسوم مختلفة؛ صناعة زخرفية قديمة وجدت عند البارثيين والساسانيين؛ ففي القسم الإسلامي من متاحف برلين، وفي متحف المتروبوليتان بنيويورك نقوش بارزة من الجص بها موضوعات هندسية ومراوح نخيلية
يمكن اعتبارها أصل الزخارف الجصية في سامرا، أو خطوة أولى في سبيل تكوينها
13 (اللوحة رقم
1 ).
وصفوة القول أننا نرى في زخارف هذه العاصمة العباسية تطورا طبيعيا إلى الموضوعات الزخرفية والمعنوية البعيدة عن الطبيعة، والتي يسودها التهذيب والتنسيق اللذان يمتاز بهما الفن الإسلامي.
ولسنا ننكر أن هذا التطور قد أدى إلى صناعة وموضوعات زخرفية نجد مثلها في أواسط آسيا قبل تشييد سامرا، ونجد مثلها أيضا في الهند والصين قبل هذا التاريخ، ولكنا لا نرى في ذلك ثورة زخرفية، أو نشأة زخارف عباسية متأثرة بأساليب أواسط آسيا كما يعتقد الأستاذ الدكتور كونل
KÜHNEL
الذي يقول بأن آخر تطور لزخارف سامرا؛ إنما هو أكبر ظاهرة في حياتها كلها، فقد بلغ من الأهمية أن خلق ثورة زخرفية كاملة، وأسس طرازا زخرفيا عباسيا فيه تأثير تركي كبير؛ لأن الروح التي تسود هذا الطراز الجديد هي تلك التي ورثتها القبائل الطورانية عن فنون قبائل السيت
SCYTHES
وأساليبها.
14
فالواقع أننا لا نرى في زخارف سامرا هذا المقدار من أساليب الفن السيتي، ولسنا نميل إلى أن نبالغ في أهمية الجند الترك الذين أخذ الخلفاء العباسيون يستخدمونهم قبل تأسيس سامرا بنحو عشرين سنة؛ فقد كان الدور الذي لعبوه كبيرا في السياسة والإدارة، أما الناحية الفنية فلم تكن لهم ولم يكونوا لها، وكان الفرس بماضيهم الفني المجيد أكثر استعدادا منهم للتأثير في الفنون الإسلامية.
ومما نستطيع أن نسوقه للدلالة على صحة نظريتنا هذه: ما نلاحظه من عدم وجود طرف أثرية معدنية من القرن التاسع الهجري، يتبين منها مثلا أسلوب قبائل السيت في تصوير الحيوانات، متداخلا بعضها في بعض بطريقة اختصوا بها، وصارت من أهم مميزات فنونهم، ويوضحها ما كشف من آثارهم في أواسط آسيا وجنوبي روسيا.
15
وعلى كل حال فقد يكون سهلا أن يذهب المرء مذهب الأستاذ شتريجوفسكي
STRZYGOWSKI ، فيقرر أن العرب أخذوا عن الآريين وسكان الطاي
ALTAI
فنونهم البدوية،
16
ولكن ليس من اليسير تأييد مثل هذه النظريات بأدلة علمية قاطعة.
17
هذا وقد عثر رجال البعثة الألمانية في أنقاض بعض البيوت في سامرا على بقايا صور حائطية لم تكن - لسوء الحظ - باقية في أمكنتها الأصلية إلا فيما ندر، وكان أغلبها في حالة سيئة من التلف. ومما يلفت النظر أن أكثر هذه الصور لا يكون مواضيع متصلا بعضها ببعض كما في قصير عمرا؛ وإنما يشمل صورا زخرفية لحيوانات وأشخاص في الصيد، أو لنساء يرقصن.
ومن المعلوم أن الحيوانات في صور قصير عمرا متأثرة بالأساليب الفارسية،
18
بينما تتجلى التأثيرات البيزنطية في تقاطيع الوجوه وأوضاع الأشخاص. أما في سامرا فإن الأساليب الفارسية تتغلب على غيرها، ويتبين ذلك في التناسب
La symétrie
الذي نراه في تصوير الأشخاص والزخارف، وفي الطريقة التي ترسم بها ثنايا الملابس، هذا فضلا عن أن المنسوجات التي تظهر صورها في سامرا كلها من منسوجات خوزستان، ومع ذلك كله فلسنا نذهب إلى نفي كل تأثير بيزنطي في صناعة تصاوير سامرا؛ فإن ياقوت الحموي يحدثنا أنه كان في قصر المختار الذي بناه المتوكل في سامرا صور عجيبة، من جملتها صورة بيعة فيها رهبان.
19
وقد وجد الأستاذ هرتزفلد في أنقاض سامرا بعض إمضاءات إغريقية،
20
فيحتمل أن يكون بين الفنانين الذين رسموا هذه الصور بعض النقاشين الإغريق.
على أن الفنانين من مسيحي الطوائف الشرقية كان لهم بعض التأثير في صناعة الصور المذكورة، كما كان لهم الفضل الأكبر في النهضة بصناعة الصور المصغرة في المخطوطات، ومما تجدر ملاحظته أننا لا نرى في تصاوير سامرا أي أثر يذكر لأساليب التصوير في أواسط آسيا.
وقد أثرت صناعة التصوير في سامرا بدورها على التصوير عند الفاطميين في مصر، كما يتبين ذلك من النقوش التي عثرت عليها دار الآثار العربية في شتاء سنة 1933، بجهة أبي السعود في جنوبي القاهرة، والتي يرجع عهدها إلى الفاطميين، وتتكون من صور كانت على الجدران،
21
وفي صناعتها تأثير ساساني واضح، يشهد بمبالغة الدكتور هرتزفلد حين يزعم أن تصاوير سامرا آخر ما يعطينا أي فكرة عما كانت عليه تلك الصناعة في عهد الساسانيين.
22
ولن يفوتنا قبل أن نختم هذا الفصل عن مدينة المعتصم أن نشير إلى ما كشف في أنقاضها من خزف يشبه ما وجده المنقبون في الري ببلاد إيران، وفي الفسطاط وغيرها،
23
وسوف نعود إلى الكلام عليه حين نتحدث عن الفنون الفرعية.
الفصل الثاني
العمارة الدينية
ليست دراسة العمارة الدينية في عهد الطولونيين أمرا من الصعوبة بمكان يذكر، والفضل في ذلك يرجع إلى جامع أحمد بن طولون الذي لم تغير العصور الطويلة كثيرا من معالمه، فبقي حتى العصر الحاضر دليلا على ما بلغته العمارة من تقدم في صدر الإسلام. ولا غرو؛ فقد كانت العمارة أجل الفنون عند المسلمين، فبلغوا فيها شأوا بعيدا، ولم يكن للفنون الفرعية لديهم قوام إلا بالعمارة، فأخذوا عن الأمم التي اختلطوا بها ما أخذوا، وابتدعوا أساليب جديدة غاية في العظمة والجمال.
ونحن إذا لاحظنا أن جامع عمرو بن العاص لم يبق على حاله كما كان في عصر بنائه، وأنه أدخل عليه من الإصلاحات الكثيرة ، وأضيف إليه من الأبنية المستحدثة ما غير معالمه الأولى؛ رأينا أن جامع ابن طولون أهم الآثار العربية في مصر، وأقدم شاهد على المدنية الإسلامية فيها.
على أن هذا المسجد الجامع ليس المسجد الوحيد الذي ينسب إلى أحمد بن طولون؛ فهناك مسجد آخر يسمونه: مسجد التنور، بناه ابن طولون في أعلى جبل المقطم بعد أن ضاق جامع العسكر بالمصلين من جند الأمير وعامة الشعب.
وقال المقريزي وغيره من أصحاب كتب الخطط: إن مسجد التنور هو موضع تنور فرعون، كان يوقد له عليه، فإذا رأوا النار علموا بركوبه فاتخذوا له ما يريد، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس. ويقال: إن تنور فرعون لم يزل في هذا الموضع بحاله إلى أن خرج إليه قائد من قواد أحمد ابن طولون يقال له وصيف قاطرميز، فهدمه وحفر تحته، وقدر أن تحته مالا، فلم يجد فيه شيئا. ويذكر الشاعر الطولوني سعيد القاص مسجد التنور في الأبيات الآتية من قصيدته المشهورة التي يعدد فيها مناقب الدولة الطولونية:
1
وتنور فرعون الذي فوق قلة
على جبل عال على شاهق وعر
بنى مسجدا فيه يروق بناؤه
ويهدي به في الليل إن ضل من يسري
تخال سنا قنديله وضياءه
سهيلا إذا ما لاح في الليل للسفر
ولكن الظاهر أن مسجد التنور لم تقم فيه الجمعة قط،
2
ونحن نعلم أن الخليفة عمر بن الخطاب لما مصر الأمصار، كتب إلى عماله فيها أن يتخذ كل منهم مسجدا للجماعة، وتتخذ القبائل مساجد أخرى تتركها يوم الجمعة للانضمام إلى مسجد الجماعة، ولما قدم ابن طولون ديار مصر كانت الجمعة تقام بجامع عمرو بن العاص وبجامع العسكر، إلى أن بنى الأمير مسجده الجامع على جبل يشكر.
والرواة مختلفون في سبب تسمية هذا الجبل، فابن دقماق يروي أن: يشكر الذي ينسبونه إليه كان رجلا صالحا،
3
والقضاعي ينسبه إلى: يشكر بن جزيلة من قبيلة لخم التي اتخذت خطتها في هذا الجبل بعد أن تم للعرب فتح مصر.
4
ومهما يكن من شيء فإن ابن طولون أراد أن يكون له مسجد كبير يتضاءل جانبه جامع عمرو وجامع العسكر، ويدل على عظمة الأمير، ورخاء البلاد في عصره.
موقع الجامع الطولوني وتاريخ إنشائه
اختلف المؤرخون في تاريخ إنشاء الجامع، فقال المقريزي:
5
إن بنيانه ابتدأ سنة 263 هجرية (876-877 ميلادية). وخالفه ابن دقماق وأبو المحاسن بن تغري بردي، فذهبا إلى أن الشروع في تشييده كان سنة 259ه (873-874م).
6
ويذكر الكندي أن ابن طولون ابتدأ في تشييد مسجده سنة 264ه (877-878م)، وأتمه في سنة 266ه (879-880م)،
7
ولكن الصواب ما ذكره المقريزي من أن الفراغ من بناء الجامع كان في سنة 265ه (878-879م)، وهو التاريخ الوارد في الكتابة التاريخية التي وجدت بالجامع منقوشة بالخط الكوفي على لوح من الرخام،
8
والتي يجد القارئ نصها في كتاب الأستاذ محمود عكوش عن الجامع الطولوني (ص21 وما بعدها).
ولا يزال جامع ابن طولون قائما بين القاهرة والفسطاط في حي السيدة زينب الآن، ولسنا نجهل أن المباني قد امتدت منذ قرون طويلة بين الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة حتى اتصلت عواصم مصر كلها، وأصبحت بلدا واحدا، هو العاصمة الحالية.
وقد كان جبل يشكر الذي أقيم عليه الجامع موضعا مباركا، يعتقد الناس بفضائله، وبأن الدعاء يستجاب فيه، ويزعمون أن الله عز وجل كلم موسى عليه.
9
مهندس الجامع
عهد ابن طولون ببناء مسجده الجامع، والعين التي أرادها بظاهر المعافر - والتي سيأتي الكلام عليها - إلى مهندس مسيحي، يصفه المقريزي بأنه كان رجلا نصرانيا حسن الهندسة حاذقا بها، وأكبر الظن أن هذا المهندس لو كان بيزنطي الأصل؛ لقال المقريزي إنه رومي، ولسنا نستطيع أيضا القول بأنه كان مسيحيا من مصر؛ لأن المقريزي لم يكن ليغفل عن إيضاح ذلك والنص بأن المهندس كان قبطيا.
فنحن نرجح إذن أن المهندس المذكور كان عراقي الأصل، ولا يبعد أن يكون قد قدم إلى مصر في ركاب ابن طولون، أو أن يكون هذا قد أرسل في استدعائه عندما عقد العزم على تشييد المسجد الجامع وغيره من الأبنية.
ومهما يكن من شيء فإن طراز العمارة الطولونية ينبئ عن صناعة عراقية، فضلا عن أن ما بها من زخارف جصية يجعلنا نحكم بأن المهندس الطولوني أتى من سامرا، أو كان على الأقل خبيرا بما ازدهر فيها من فنون.
رسم الجامع ووصفه
يتكون الجامع من صحن مربع مكشوف، مساحته 92,30 × 91,95 مترا؛ أي نحو 8487 مترا مربعا، وتحيط به أروقة من جوانبه الأربعة، وأكبر هذه الأروقة فيه القبلة. ويشمل خمس بلاطات
travées ، بينما يشمل كل من الأروقة الثلاثة الأخرى بلاطتين. وبين جدران الجامع وسوره الخارجي ثلاثة أروقة خارجية حول بلاطات المؤخر والجانبين؛ أي من الجهات الشمالية الشرقية والغربية. وهذه الأروقة الخارجية (أو الزيادات كما يسميها ابن دقماق) مضافة إلى مساحة الجامع نفسه تكون مربعا ضلعاه 161,73 مترا × 162,50 مترا.
10
ويعلل ابن دقماق بناء هذه الأروقة بأن الجامع ضاق عن المصلين، فقالوا لابن طولون: نريد أن تزيد لنا فيه زيادة؛ فزاد فيه هذه الزيادة بظاهره.
11
ولكنا نعلم الآن بأن مثل هذه الزيادات كان موجودا في المسجد الجامع بسامرا (847م) وفي مسجد أبي دلف.
12
ولسنا نؤيد ما يذهب إليه بعض العلماء من أن أصل هذه الزيادات راجع إلى أن المساجد الأولى في سامرا كانت مساجد حربية، وأنها لم تكن معدة للجيوش المنصورة فحسب، بل كانت تتخذ شكل المعسكرات.
13
والواقع أنه لم يكن في سامرا جيوش منصورة ولا معسكرات في المساجد لتلك الجيوش. وقد كتب الأستاذ الدكتور كونل
DR. KÜHNEL
عند كلامه عن الأبراج في جدران المسجد الجامع بسامرا: «إن الجدران الخارجية التي تقويها الأبراج تذكر بمساجد المعسكرات»
Die mit Rundtürmen verstärkte Umfassungsmauer erinnert noch an die Lagermoscheen .
14
ولكن مساجد المعسكرات نفسها لم توجد في سامرا.
وقد زعمت الآنسة آلنشتيل أنجل
AHLENSTIEL-ENGEL
في كتابها عن الفن العربي
15
أن الجامع الطولوني كان من مساجد المعسكرات.
وقالت أيضا: إن مسجدا آخر من مساجد المعسكرات بني قبل عصر ابن طولون، وأطلق عليه اسم: العسكر. وفاتها أن هذا الاسم أطلق في الإسلام على المدن التي أنشأها قواد الجيوش الإسلامية محل معسكراتهم، وأنه أصبح في مصر علما على الضاحية التي اتخذها ولاة بني العباس حاضرة للبلاد شمالي الفسطاط، وسمي جامع العسكر بهذا الاسم نسبة إلى تلك الضاحية التي أقيم فيها.
وذكر الأستاذ عكوش ما ذهب إليه باسكال كوست من أن الغرض من إحاطة المسجد بالأروقة: أن يكون بعيدا عن أن تصل إليه الضوضاء من الخارج.
16
هذا ومن المعروف أن القاضي المصري الحارث بن مسكين (سنة 852) أمر ببناء زيادة غربي جامع عمرو.
17
وأكبر الظن أن مثل هذه الأروقة الزائدة اتخذت في غير المسجد الطولوني، وفي غير مسجدي سامرا وأبي دلف، وفي رأينا أن الباعث إليها ما ذكره ابن دقماق، وهو الرغبة في تكبير الجامع وزيادته.
وكانت الأروقة الثلاثة الخارجية في الجامع الطولوني تحيط بها أسوار توازي جدران المسجد وتقل عنها في الارتفاع، وعليها شرفات مخرمة غريبة الشكل، وبها أبواب تقابل أبواب المسجد، كانت كلها بسيطة لا تضارع في الفخامة ما اتخذ من الأبواب في المساجد المتأخرة.
مواد البناء
وجامع ابن طولون مشيد بآجر أحمر غامق، مقياسه في المتوسط 0,18 × 0,08 × 0,04، ومداميكه واحد يرص بطول الطوبة على امتداد الجدار، يليه آخر يرص بعرض الطوبة عموديا على طول الجدار، وهكذا على النحو الذي يسميه البناءون - كما يقول الأستاذ عكوش - مداميك أدية وشناوي،
18
ولحام الآجر بعضه ببعض سميك، وفيه شيء من الانتظام، وهناك طبقة سميكة من الجص تغطي أبنية الجامع كلها، كالعادة التي اتبعت في العمارة بسامرا.
ومع أن استعمال اللبن والآجر دون غيرهما من مواد البناء كان خاصة من خواص العمارة في العراق؛ حيث تتطلبه طبيعة الأرض وقلة الأحجار؛ فإننا لا نظن أن بناء الجامع الطولوني بالآجر كان سببه أن المهندس عراقي الوطن كما ظن الأستاذ سلادان
H. SALADIN .
19
والواقع أن أقدم الأبنية الإسلامية في مصر وهو مقياس النيل في الروضة مشيد بالحجر، ولكننا نعلم بالرغم من ذلك أن البنائين في مصر استعملوا اللبن والآجر حتى أوائل العصر الفاطمي (آخر القرن العاشر)، حين نرى الحجر مستعملا لأول مرة في باب مسجد الحاكم ومنارتيه.
20
هذا ولسنا نجهل أن الآجر واللبن كانا معروفين في العمارة عند قدماء المصريين.
21
ومهما يكن من شيء فقد زعموا أن ابن طولون لما عقد العزم على تشييد الجامع قال: أريد أن أبني بناء إن احترقت مصر بقي، وإن غرقت بقي، فقيل له: يبنى بالجير والرماد والآجر الأحمر القوي النار إلى السقف، ولا يجعل فيه أساطين رخام؛ فإنه لا صبر لها على النار. فبناه هذا البناء.
22
الدعائم
ومما يلفت نظر علماء الآثار في جامع ابن طولون: أن أقواس الأروقة أو طاراتها مرفوعة على دعائم ضخمة من الآجر المجلل بطبقة سميكة من الجص، فتلك أول مرة لا نلاحظ فيها استعمال العمد التي كان المسلمون يأخذونها من الكنائس والمعاهد القديمة، كما فعل قبلهم القبط والقوط
VISIGOTHES
حين كانوا يهدمون الأبنية الأثرية؛ لاستخدام موادها في أبنية جديدة.
23
ومن السهل أن نتصور أنه في عصر ابن طولون كانت المباني التي توجد فيها الأعمدة التي يمكن نقلها إلى الأبنية الجديدة قد نفدت محتوياتها أو كادت، فضلا عن أنه لو تيسر الحصول عليها؛ فإن التوحيد بين أشكالها وأحجامها والتوفيق بين تيجانها وقواعدها كان يتطلب نفقات باهظة، ووقتا غير قصير.
وقد يكون الأمير أراد ألا يستخدم في مسجده أعمدة الرخام، ظانا - كما قيل له - أنه لا صبر لها على النار، ومعتقدا أن اتخاذ الدعائم من الآجر يزيد بنيان الجامع ثباتا، ولعله لم يكن مخطئا في هذا الظن الذي لا يقلل من قيمته ما نراه من العطب الذي حل ببعض المساجد الأخرى كجامع بيبرس، بالرغم من أن الدعائم اتخذت فيها بدل العمد، فالواقع أن ما حل بتلك المساجد يرجع إلى عبث الجند بها وبنائها على أرض غير ثابتة.
ومهما يكن من شيء؛ فإن الأقاصيص تريد أن تجعل لتورع ابن طولون دخلا في تفضيله دعائم الآجر على عمد الرخام؛ فتزعم أنه عندما أراد بناء الجامع قدر له 300 عمود من الرخام، فقيل له: إنه لا سبيل إلى الحصول عليها إلا إذا خرب الكنائس في الأرياف، فلم يقبل ذلك، وبلغ الخبر المهندس النصراني الذي كان قد تولى بناء العيون التي سنعود إلى الكلام عليها - وكان قد ألقى به في غياهب السجن - فكتب إلى ابن طولون يقول: «أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودي القبلة، فأحضره ابن طولون، وقد طال شعره حتى نزل على وجهه، فقال له : ويحك ما تقول في بناء الجامع؟ فقال: أنا أصوره للأمير؛ حتى يراه عيانا بلا عمد إلا عمودي القبلة؛ فأمر بأن تحضر له الجلود فأحضرت، وصوره له، فأعجبه واستحسنه وأطلقه، ومنحه مائة ألف دينار، فقال له: أنفق، وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك. فوضع النصراني يده في البناء في الموضع الذي هو فيه، وهو جبل يشكر، فكان ينشر منه ويعمل الجير ويبني، إلى أن فرغ من جميعه وبيضه.
24
على أن لهذه الدعائم المستعملة في الجامع الطولوني ميزة معمارية، فإن لكل منها في الزوايا الأربع عمودا من الآجر مندمجا فيها، ولا غرض من هذه العمد إلا الزينة؛ نظرا لأن الثقل الحقيقي واقع على الدعائم نفسها، وهناك أمثلة عديدة في تاريخ العمارة القديمة والعمارة الإسلامية لأعمدة اتخذت في أركان الدعائم المربعة أو المستطيلة: من ذلك ما وجده العالمان الفرنسيان دي مرجان
DE MORGAN ، ودي سرزك
DE SARZEK
في تلو وسوزا
TELLO & SUSE ،
25
وما وجد في سورية والرقة وأخيضر وديار بكر.
26
هذا وقد كانت للمسجد الجامع في سامرا قوائم من الآجر، في أركانها أعمدة من الرخام وليست من الآجر أو اللبن كما زعم المسيو هنري تراس
H. TERRASSE .
27
وقد لخص الأستاذ الدكتور كونل
DR. KÜHNEL
ما طرأ على العمارة الإسلامية من تغيير منذ استولت الدولة العباسية على مقاليد الحكم، وأصبحت سيادة الإمبراطورية الإسلامية للعراق دون الشام، فقال:
28
In der Folge bedingte der Primat Mesopotamiens eine wesentliche Änderung insofern. als man jetzt ganz zum Backsteinban iiberging und nicht mehr monolithe Säulen verwendete, sondern gemaurete
Spitz-oder Kielbogen ruhten.
وملخص هذا أن انتقال السيادة إلى العراق أدى إلى تغيير كبير في أساليب العمارة؛ فانتقل البناءون إلى استعمال الآجر بدلا من الحجر، وإلى بناء القوائم عوضا عن اتخاذ الأعمدة، وإن كانوا في أكثر الأحيان عملوا على تجميل تلك القوائم بأعمدة مندمجة في أركانها.
التيجان
وللأعمدة التي تظهر في أركان الدعائم بالجامع الطولوني تيجان
chapiteaux
بسيطة على شكل نواقيس، على أسلوب التيجان الكورنثية ذات الورق المسمى «شوك اليهود»، ولكنها لا تساويها جمالا وإتقانا، والورق في هذه التيجان الطولونية محفور وليس بارزا.
العقود
Les ares
والأقواس أو القناطر التي تقوم فوق دعائم الجامع الطولوني من الطراز الستيني، أو هي عقود منكسرة تجاوزت قليلا حدود المراكز
légèrement outrepassés . وقد وجدت العقود المنكسرة في طاق كسرى بإيران، وفي العمارة القبطية البيزنطية، وفي مقياس النيل. وقصارى القول أن منها أمثلة كثيرة في العصور التاريخية المختلفة، ولسنا نعتقد بأنها من خصائص العمارة العربية، وأنها انتقلت منها إلى العمارة القوطية كما زعم كثيرون من علماء الآثار.
29
هذا وإننا نرى فوق كل دعامة فيها بين القوسين
dans les écoinçons entre les arcades
طاقة صغيرة عقدها ستيني كالعقود الكبيرة، وقمتها ترتفع إلى مثل ارتفاعها، والغرض منها تحلية البناء، وتخفيف الثقل عن الدعائم، وهذا أسلوب عراقي نجده في مسجد أبي دلف بسامرا، وهو أقدم من الجامع الطولوني ببضع سنين.
المنارة
30
تقع منارة الجامع الطولوني في الرواق الخارجي الغربي، فتكاد لا تتصل بسائر بناء الجامع، هذا فضلا عن أن شكلها يستلفت الأنظار، ويسترعي الانتباه، فإنه لا نظير لها في الأقطار الإسلامية، اللهم إلا بالمسجد الجامع، وبمسجد أبي دلف بسامرا، ووجه الغرابة فيها أنها تتكون من قاعدة مربعة، تقوم عليها طبقة أسطوانية عليها أخرى مثمنة، وأن مراقيها من الخارج على شكل مدرج حلزوني.
وهذه المنارة مبنية بالحجر، وارتفاع قمتها عن أرض الجامع نحو 29 مترا، ولكنها ضخمة لا تناسب في أبعادها.
وعلماء الآثار مختلفون في تحديد العصر الذي ترجع إليه المنارة الحالية؛ فبعضهم لا يشك في نسبتها إلى أحمد بن طولون، ويميل آخرون إلى القول بأنها من العصر الفاطمي، ويعتقد فريق ثالث بأنها من بناء السلطان لاجين حين عمر المسجد. وليس هنا مجال مناقشة هذه الآراء؛ فقد فصلها الأستاذ كريزول
CRESWELL
في مؤلفاته العديدة، ولخصها الأستاذ عكوش في كتابه عن المسجد الطولوني.
31
ومهما يكن من شيء فإن علماء الآثار الذين لا يسلمون بأن المنارة الحالية ترجع إلى عصر ابن طولون، يعتقدون في الوقت نفسه أنها في جوهرها صورة من نموذج قديم بني في العصر المذكور؛ فقد روى المقريزي عن القضاعي قوله:
وبناه على بناء جامع سامرا، وكذلك المنارة.
32
وقد فطن مؤلفو العرب إلى غرابة هذه المنارة؛ فأخذوا يروون القصص عن سبب بنائها على هذا الشكل، وقالوا إن أحمد بن طولون كان ساكن المجلس، لا يعبث بيده أبدا، واتفق له ذات مرة أن أخذ درج ورق بيده وأخرجه ومده، واستيقظ لنفسه؛ فتعجب أهل المجلس من ذلك، ونظر بعضهم إلى بعض، ففطن ابن طولون، فقال: أنا فعلت ذلك لأني أردت أن أبني منارة الجامع على هذا المثال، وأمر فأتي بالمعمار، وطلب إليه تنفيذ ذلك.
33
فهذه المنارة منسوبة دائما لابن طولون، والواقع أنه لا صلة بينها وبين منائر العصور التالية، وأكبر الظن أنها لم تدخل في الرسم الذي وضعه المهندس للجامع الطولوني، وإنما أقيمت على هذا الشكل تحقيقا لرغبة ابن طولون نفسه، متأثرا بما رآه من المنائر في سامرا، ولا سيما أنه لم تكن في مصر إذ ذاك مآذن يمكن أن ينسج على منوالها؛ فلا شك في أن المآذن التي بناها الأمير مسلمة بن مخلد الأنصاري في جامع عمرو كانت أولية وبسيطة، لا تتفق والعظمة التي أرادها ابن طولون لمسجده الجامع.
هذا ولا تزال أطلال المنارة التي بناها المتوكل في سامرا موجودة، وتعرف باسم: المنارة الملوية، وليس الشبه تاما بينها وبين منارة الجامع الطولوني؛ فإن بناء الأولى حلزوني من أسفلها، يدور ست مرات صاعدا بانحدار قليل، يقوم مقام الدرج الذي نراه في المنارة الطولونية، التي تمتاز فوق ذلك بقاعدتها المربعة.
34
ومما يستحق الذكر أننا نجد عن الخليفة المتوكل والمنارة الملوية بسامرا نفس القصة التي تروى عن ابن طولون ودرج الورق الذي كان يلهو به ثم جعله نموذجا للمنارة.
على أن بعض علماء الآثار فطن إلى أوجه الشبه بين منارات المسجد الجامع بسامرا، ومسجد أبي دلف، والمسجد الطولوني، وبين المعابد القديمة التي اتخذها السومريون في بلاد الجزيرة، والتي تعرف باسم الزيجورات
Ziggourats ،
35
أو معابد النار التي كانت للساسانيين، والتي تعرف باسم: اتشكاه.
36
ولا يتطلب ذلك أن نستبعد أن يكون المهندس نصرانيا عراقيا، وأن نظنه من المجوس،
37
فإن الفنون الإسلامية فيها من الذكريات الساسانية ما يجعلنا لا نجزم بمجوسية المعمار أو الفنان كلما وجدنا في الأبنية أو التحف الأثرية بعض التأثير الإيراني القديم.
ولاحظ بعض العلماء أن هناك شبها بين منارة الجامع الطولوني وبين فنار الإسكندرية الذي ورد ذكره في كثير من المؤلفات العربية، والذي وصفه المقريزي بأنه: «ثلاثة أشكال: فقريب من النصف وأكثر من الثلث مربع الشكل، بناؤه بأحجار بيض، ثم بعد ذلك مثمن الشكل مبني بالحجر والجص، وأعلاه مدور».
38
وأشار الدكتور كونيل
DR. KÜHNEL
إلى الشبه الموجود بين المنارة الطولونية، وبين كثير من المباني الصينية التي يرجع عهدها إلى أسرة طانج
TANG
39 (618-907م).
ولسنا نريد أن نتحدث هنا عن التعديلات التي أدخلت على المنارة، ولا عن العقدين اللذين يصلانها بالمسجد؛ فذلك كله يرجع إلى زمن متأخر، ولا يتعلق بالعصر الذي ندرسه الآن.
القبة القائمة وسط الصحن
نرى الآن في وسط صحن الجامع الطولوني ميضأة مرفوعا عليها قبة، كان قد تهدم بعض أجزائها فأصلحته لجنة حفظ الآثار العربية فيما جددته في الجامع المذكور.
ومهما يكن من شيء فإن هذه القبة لا يرجع عهدها إلى العصر الطولوني، بل أمر بإنشائها السلطان لاجين حين عمر الجامع سنة 1296، وعلى ذلك فهي لا تدخل في الدراسة التي نحن بصددها الآن.
ولكن المعروف أن ابن طولون حين شيد الجامع جعل في وسطه بناء وصفه المقريزي بعبارة مضطربة، فقال: «قبة مشبكة من جميع جوانبها، وهي مذهبة على عشرة عمد رخام، وستة عشر عمود رخام في جوانبها، مفروشة كلها بالرخام، وتحت القبة قصعة رخام فسحتها أربعة أذرع، في وسطها فوارة تفور بالماء، وفي وسطها قبة مزوقة يؤذن فيها، وفي أخرى على سلمها، وفي السطح علامات الزوال، والسطح بدرابزين ساج»، ولعل المقصود بذلك كما كتب الأستاذ عكوش: أن هذا البناء كان على شكل مخمس، ترتكز كل زاوية من زواياه على عمودين، وحول ذلك مثمن محمول على عمد بالترتيب السابق، وتحت القبة قصعة من رخام، قطرها أربعة أذرع (أعني مترين وثلاثين سنتيمترا)، وفي وسطها فوارة. والظاهر بالرغم من اضطراب عبارة المقريزي وغموضها أن سطح المثمن كان محوطا بدرابزين ساج، ويستعمل للأذان، وقيل: بل كان المستعمل لذلك السلم، وكانت على القبة علامات الزوال.
40
وأكبر الظن أن تلك الفوارة لم تتخذ في الصحن إلا للزينة؛ فإنها لم تستعمل للوضوء، بدليل ما روي من أن ابن طولون لما فرغ من بناء الجامع، دس عيونا لسماع ما يقوله الناس من العيوب فيه، فسمعوا رجلا يقول إن المسجد تنقصه ميضأة، فقال له ابن طولون: أما الميضأة فإني نظرت ما يكون بها من النجاسات فطهرته منها وأنا أبنيها خلفه. ثم أمر ببنائها،
41
كما شيد أيضا خزانة شراب جمع فيها الأدوية والأشربة، وجعل على خدمتها طبيبا يجلس يوم الجمعة لإسعاف من يصاب بأي حادث من المصلين.
42
وقد احترقت الفوارة المذكورة سنة 896م/376ه وبنيت أخرى عوضا عنها في حكم العزيز بالله الفاطمي سنة 995م/385ه.
المحراب
لم تكن المحاريب - لتحديد اتجاه مكة - معروفة في أول الإسلام، وكان المقصود باللفظ قصرا، أو جزءا من قصر، أو مكان النساء في البيت، أو طاقة فيها تمثال، وهناك على هذه الاستعمالات شواهد عدة، بينها الأستاذ بدرسن
عند الكلام على المحاريب في المادة: «مسجد» بدائرة المعارف الإسلامية.
43
واستعمل اللفظ في القرآن الكريم للدلالة على بعض هذه المعاني، كما استعمل أيضا بمعنى: المعبد؛ كله أو الجزء المعد فيه لإقامة الصلاة، ومن ذلك قوله عز وجل:
فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ،
44
وقوله تعالى:
فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين .
45
وليس من شك في أن المسلمين أدخلوا في مساجدهم المحراب بالمعنى الذي نعرفه الآن؛ متأثرين بعمارة الكنائس عند المسيحيين، وبالحنية التي توجد في صدر الكنيسة، ويسمونها بالفرنسية:
abside .
46
ومما يستحق الذكر أن هذه الحنيات يكون اتجاهها في الكنائس غالبا إلى جهة الشرق، أي: جهة بيت المقدس. وقد فطن كثيرون من مؤلفي العرب إلى أن المحراب متخذ من حنية الكنيسة، وما لبثوا أن استخرجوا حديثا نسبوا فيه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «إن ظهور المحاريب التي تجعل المساجد تشبه الكنائس علامة من علامات الساعة».
47
وكتب بعض العلماء في ذلك ، فألف السيوطي مثلا رسالة سماها: «إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب».
48
وليس علماء الآثار متفقين في تحديد التاريخ الذي بدأ فيه استعمال المحاريب في المساجد، ولكن أكثرهم يعتقد أن ذلك كان في عصر الوليد بن عبد الملك (755-715) حين اتخذ عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة محرابا في مسجدها، ويروون أيضا أن قرة بن شريك، عامل الوليد على مصر من سنة 709 إلى سنة 715 هو الذي أدخل المحراب في مساجدها.
49
على أن هناك مساجد متأخرة لا محراب فيها، ومن ذلك: الجامع القديم الذي بني بضريح الشيخ صفي الدين بأردبيل، في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والذي لا شيء يحدد اتجاه القبلة فيه إلا مدخله، وأكبر الظن أيضا أن جامع أبي دلف بسامرا لم يكن له أي محراب.
50
ومهما يكن من شيء فإن في الجامع الطولوني ستة محاريب، لا يهمنا الآن إلا اثنان منها: الكبير، وهو الذي كان موجودا في عصر ابن طولون، وقد عملت فيه إصلاحات عديدة، ثم محراب قديم بقيت فيه زخارف طولونية متأخرة.
ويروي المقريزي أن مجلسا عقد في عصر الناصر محمد بن قلاون؛ للنظر في أمر المحراب الكبير، وأجمع أعضاؤه على أنه منحرف عن خط سمت القبلة إلى جهة الجنوب مغربا بقدر أربع عشرة درجة.
51
وذكر المقريزي في سبب هذا الانحراف: أن ابن طولون حين عزم على تشييد جامعه بعث إلى محراب جامع المدينة من أخذ سمته، فإذا هو مائل عن خط سمت القبلة المستخرج بالطرق الهندسية بنحو عشر درجات إلى جهة الجنوب؛ فوضع حينئذ محراب مسجده هذا مائلا عن خط سمت القبلة إلى جهة الجنوب نحو ذلك؛ اقتداء منه بمحراب مسجد الرسول، وقيل أيضا: إن ابن طولون رأى النبي
صلى الله عليه وسلم
في منامه يخط له المحراب، فلما أصبح رأى النمل قد طاف بالمكان الذي خطه له النبي، فبنى المحراب على خط النمل، وغلب عليه طويلا اسم: محراب النمل.
وقد وصل إلينا المحراب الطولوني بعد عمارة السلطان لاجين في حالة جيدة من الحفظ، فأجزاؤه القديمة وزخرفته تكاد تكون كلها موجودة، ويلاحظ أن عمق تجويفه في الجدران أكثر من عمق المحاريب الأخرى، ويكتنف هذا التجويف من كل من جانبيه عمودان متلاصقان ومرتد أحدهما عن الآخر، وتيجان هذه الأعمدة صناعتها بيزنطية، وبينها وبين الأبدان توافق وتناسب حسن، وأكبر الظن أنه لم يصنع من هذه الأعمدة خصيصا للمحراب إلا قواعدها، أما بقية أجزائها فقد جمعت من أبنية قديمة، والتيجان الأربعة من الرخام المفرغ، كل اثنين منها متشابهان، وصناعتها غاية في الدقة والإبداع، تتجلى في التزهير الموجود في اثنين منها، وفي عمل السلة والتوريق في التاجين الآخرين، مما يوهم الناظر أن ما يراه من الجص لا من الرخام.
وفي تجويف المحراب الكبير كسوة من ألواح من الرخام الملون، فوقها نطاق من الفسيفساء المذهبة، ولكن هذه الكسوة والفسيفساء يرجع عهدها إلى زمن السلطان لاجين الذي جدد الجامع في سنة 1295 م/696ه.
وإذا استثنينا زخرفة المحراب القديم التي سيأتي الكلام عليها، فإنه لم يبق في محاريب الجامع الطولوني ما يهمنا الآن الحديث عنه، ولسنا نريد أيضا الكلام عن الذي عمل بالمسجد من عمارات وتجديدات، وما حل به من صروف الدهر،
52
ويكفينا أن نكرر ما ذكرناه من أن الجامع الطولوني قد احتفظ تقريبا بكل تصميماته الأولى، وأصبح البناء الوحيد الذي توافرت فيه هذه الشروط في مصر وسورية قبل العهد الفاطمي. ويلخص الأستاذ بريجز
BRIGGS
أهميته لدى علماء الآثار في العبارة التي ختم بها حديثه عنه، ونصها:
53
This absence of Arab monuments in Egypt and Syria prior to Ibn Tulun’s mosque and for a century after its completion makes it all the more an architectural landmark, standing in splendid isolation.
الفصل الثالث
العمارة الحربية والمدنية
كانت العاصمة التي شيدها أحمد بن طولون قصيرة الأجل، وكانت انتصار الجند العراقية بقيادة محمد بن سليمان إيذانا بسقوطها بعد أن استباحوها، وألقوا النار فيها، فما لبثت أن تهدمت أبنيتها ولم يبق منها إلا المسجد الجامع.
ونذكر في هذه المناسبة ما يذهب إليه بعض العلماء من المبالغة في أهمية تغيير العواصم عند الشرقيين، مفسرين بعوامل سياسية وسحرية ما تشعر به الأسرات الملكية والأمراء من رغبة في هجر العواصم والقصور القديمة، وابتناء غيرها لإقامتهم.
1
والواقع أن تغيير العواصم هذا ليس كثير الوقوع جدا في الشرق ، وفضلا عن ذلك فإنه مشاهد أيضا في الغرب قبل القرن التاسع عشر.
على أن هناك بناء آخر من العصر الطولوني لا يزال جزء منه قائما حتى اليوم، يؤيد ما نقله إلينا مؤرخو العرب عن تقدم فن العمارة عند الطولونيين، ذلك البناء هو: قناطر ابن طولون التي إذا استثنيناها لا يبقى لدينا من وثائق لدراسة العمارة المدنية والحربية في عهد الأسرة الطولونية، إلا ما كتبه المؤرخون ومؤلفو الخطط، ولا سيما المقريزي الذي نقل ما تركه الذين سبقوه من مؤلفي كتب الخطط: كالكندي،
2
وابن زولاق، والقضاعي، وابن دقماق.
فنحن والحالة هذه مضطرون إلى الاكتفاء بدراسة تكاد كلها تكون نظرية لتخطيط مدينة القطائع، ثم لأهم المؤسسات العامة التي شيدها ابن طولون، وهي: البيمارستان، والقناطر.
مدينة القطائع
3
إن تأسيس هذه العاصمة وتطورها يذكران تماما بتأسيس سامرا وتاريخها، فإن كان الخليفة المعتصم قد شيد سامرا فرارا من الفوضى التي كان يسببها جنوده وحراسه في بغداد؛ فإن ابن طولون فطن إلى هذا الخطر وعمل على درئه بتشييد ضاحية جديدة بالفسطاط، اتخذها حاضرة لملكه، كما اتخذها خلفاؤه من بعده.
4
وأكبر الظن أن هناك أسبابا أخرى دعت ابن طولون إلى تشييد ضاحيته الجديدة، من ذلك غرامه بالعظمة والأبهة، ورغبته في منافسة بلاط الخليفة العباسي.
ومهما يكن من شيء فإن مدينة الفسطاط كانت مقر أمراء مصر منذ اختطها عمرو بن العاص إلى أن قدمت جيوش العباسيين في طلب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية حين فر إلى مصر سنة 750 م/132ه، فعسكرت هذه الجيوش في الصحراء بظاهر الفسطاط؛ إما لرغبة في نوع من التجديد، أو لاضطرار إليه بسبب حريق يقال إن مروان بن محمد أضرم نارها في الفسطاط.
5
وما لبثت المساكن أن تجمعت حول الجند أو حول دار الإمارة، وهي الدار التي بناها قائدهم صالح بن علي؛ لتكون مقر الحكومة. وفي سنة 785 م/196ه بنى الفضل بن صالح جامعا، وتم بذلك تخطيط الضاحية الجديدة التي عرفت: بالعسكر، والتي كانت تمتد في ذلك الوقت على شاطئ النيل قبل أن تنحسر مياهه عن المرتفع المشيد عليه جامع عمرو، وتبتعد عنه تدريجيا نحو خمسمائة متر.
6
ولم يكن القوم في ذلك الوقت يعدون العسكر جزءا من الفسطاط، بل كانوا يعتبرونها مدينة قائمة بذاتها، كما اعتبروا القطائع بعد ذلك.
7
وظل أمراء مصر من قبل الخلفاء العباسيين ينزلون دار الإمارة بالعسكر، حتى قدمها أحمد بن طولون؛ فأقام فيها مدة، غير أنه كان لا مفر له من التحول عنها، فإن كثرة أتباعه وحاشيته وعظم البلاط الملكي الذي كان ينوي أن يتخذه ليفاخر به الخليفة نفسه، كل ذلك دعاه إلى أن يبني حاضرة تليق به.
بحث الأمير إذن عن مقر جديد لملكه، ووقع اختياره على المكان الواقع في سفح جبل يشكر، فأمر بحرث ما فيه من قبور اليهود والنصارى، واختط موضعها عاصمته الجديدة إلى الشرق من العسكر، والشمال الشرقي من الفسطاط؛ حيث يوجد الآن: قرة ميدان، والمنشية، وميدان صلاح الدين.
وكانت العاصمة الجديدة مثل سامرا، فيها قطيعة لكل طائفة من طوائف السكان، أقطعهم الأمير إياها حين قسم الخطط بين جنده ورجاله ومن احتاجوا إليهم من صناع أو تجار، فصارت كل قطيعة منها تضم من السكان من تجمعهم رابطة الجنسية أو رابطة العمل، وأصبح اسم القطائع علما على مدينة ابن طولون، بيد أنه كان معروفا كل المعرفة في سامرا؛ حيث كان يطلق على أحياء العامة، أو بالأحرى على المدينة كلها، اللهم إلا القصور الملكية.
وكانت كل قطيعة تعرف باسم من سكنها، فكانت هناك قطيعة الروم، وقطيعة السودان، وقطيعة البزازين، وقطيعة الجزارين ... إلخ، وقد نقل إلينا بعض مؤرخي العرب - ولا سيما من كتب منهم في الخطط - أحاديث أخرى تؤيد الصلة بين عمارة مدينتي القطائع وسامرا.
وإن كانت القصور الطولونية قد خربت وعفت آثارها؛ فإن أكبر الظن أن مهندسيها نحوا في بنائها نحو قصور الخلفاء في سامرا، كما فعل أيضا المهندسون الذين بنوا في أفريقية مدينة العباسية عاصمة بني الأغلب.
8
وكان لقصر أحمد بن طولون عدة أبواب كبيرة، لكل باب منها اسم يدل أحيانا على الجهة التي يؤدي إليها ، أو على نوع الخدم الذين اختصوا به، وكان هذا كله متبعا في قصور سامرا.
أما أهم أبواب القصر الطولوني: فباب الميدان ؛ ومنه كان يمر الجند. وباب الخاصة؛ للمقربين من الأمير. وباب الصوالجة؛ يؤدي إلى الميدان الذي جعل لهذا الضرب من الرياضة. وباب الحرم؛ ولا يدخل منه إلا امرأة أو خادم خصي. وباب الصلاة؛ يوصل إلى جامع ابن طولون. وباب الجبل؛ تشرف عليه تلال المقطم. وباب الساج؛ نسبة إلى الخشب الذي اتخذ منه. وباب دعناج، وباب الدرمون؛ نسبة إلى حاجبين كانا يجلسان عندهما. وباب السباع؛ نسبة إلى سبعين كبيرين من الجبس كانا على جانبيه.
9
وقلد ابن طولون سامرا فيما اتخذه لقصره من ميدان كبير للعب الصوالجة.
10
وجاء بعده ابنه: خمارويه، فأخذ عن تلك العاصمة العراقية حدائقها الغناء؛ إذ زرع أنواع الرياحين، وأصناف الشجر، وأحضر كل صنف من الشجر المطعم العجيب، وغرس فيه الزهور، ثم بنى برجا من خشب الساج المنقوش اتخذه ليقوم مقام الأقفاص، وبلط أرضه، وجعل فيه جداول يجري فيها الماء المدبر من السواقي، وسرح فيه أصناف الطيور ذات الأصوات الجميلة.
وشيد خمارويه في بستانه هذا بيتا سماه: بيت الذهب،
11
ويحدثنا المقريزي عن جدرانه أنها كانت مطلية بطبقة من الذهب، فيها نقوش اللازورد، كما بنى في قصره الكبير قبة سماها الدكة، وجعل لها الستر الذي يقي الحر والبرد، فيسدل ويرفع حسب الحاجة، وكان خمارويه يكثر من الجلوس في هذه القبة ليشرف منها على جميع ما في داره، وعلى البستان والصحراء والنيل والجبل وجميع المدينة.
ويذكر المقريزي أيضا أن خمارويه جعل بين يدي قصره الكبير حوضا (فسقية) ملأه زئبقا، ويذكرنا ذلك بالحوض الذي كان يزين قاعة الاستقبال في قصر الخليفة بمدينة الزهراء.
12
ويزعمون أن السبب الذي حدا بالأمير إلى عمل هذا الحوض أنه كان مصابا بالأرق، فأشاروا عليه بالتكبيس، ولكنه أنف من ذلك قائلا: لا أستسيغ أن يضع أحد يديه على بدني، فأمره الطبيب بأن يتخذ هذه البركة، وطولها خمسون ذراعا في مثلها عرضا، وملأها من الزئبق، وجعل في أركانها سككا من فضة في زنانير من حرير في حلق من فضة، وعمل فرشا من أدم يحشى بالريح حتى ينتفخ، فيحكم حينئذ شده ، ويلقى على تلك البركة الزئبق، ويشد بالزنانير الحرير التي في حلق الفضة، وينزل خمارويه فينام على هذا الفراش، فلا يزال الفراش يرتج ويتحرك بحركة الزئبق ما دام عليه، وكان يرى لهذه البركة في الليل المقمرة منظر عجيب؛ إذا تآلف نور القمر بنور الزئبق.
ولسنا نعرف تماما المصدر الذي أتى منه خمارويه بالزئبق لبركته هذه، ولكن أكبر الظن أنه أتى به من بلاد فارس التي أمدته أيضا بكثير من أنواع الشجر.
13
ومع أننا لا نشك في أن المقريزي قد بالغ في الوصف الذي نقله إلينا كل المبالغة، وأغرق فيه أيما إغراق؛ فإننا لا نستطيع أن نشك في صحته إطلاقا، لا سيما والمعروف أن العامة كانوا يعثرون في موضع البركة بعد خرابها على بقايا الزئبق الذي كان يملؤها.
14
ومهما يكن من شيء فإن ضاحية القطائع لم تبق طويلا مقر الأمير وحشمه ورجال حكومته فحسب، بل ما لبث أن اتسع نطاقها، وزادت عمارتها، وأصبحت مدينة كبيرة زاهرة، وأنشئت فيها المساجد الجميلة والحمامات، والأفران، والطواحين، والشوارع، والحوانيت، وغير ذلك مما يصفه لنا المؤرخون وأصحاب كتب الخطط.
أما العمارة المدنية الخاصة في العصر الطولوني، فإن آثارها تكاد تكون قد عفت كلها، ولم يبق لنا شيء للاستدلال به على بعض قواعدها وأصولها، اللهم إلا أطلال منزل طولوني عثر عليه أثناء أعمال الكشف والتنقيب التي قامت بها دار الآثار العربية في صيف سنة 1932 بالتلال المجاورة لأبي السعود.
15
وقد كشفت حفائر دار الآثار عن جدران جزء من دار كبيرة بالآجر، وعليها زخارف من الجص على النحو المتبع في سامرا، وفي الجامع الطولوني، وفي اعتقادنا أن هذه الزخارف كانت تغطي الأجزاء السفلية من الجدران، وليست الجدران كلها من أسفلها إلى آخر ارتفاعها كما زعم بعض الكتاب.
ومهما يكن من شيء فإن ما بين هذه الزخارف الجصية وبين زخارف سامرا من قرابة واضح جلي، ولسنا نذهب إلى أن زخارف البيت الطولوني مطابقة تماما لأي زخرفة من الزخارف التي وجدها الأستاذ هرتزفلد
HERZFELD
في سامرا، ودرسها في كتابه:
Der Wandschmuek der Bauten von Samarra und seine Ornamentik ، ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر أنها كلها من أسرة الزخارف التي اصطلح على تسميتها زخارف الطراز الأول من سامرا.
هذا وقد كان أول ما كشف من جدران هذه الدار الطولونية حائط تعلو زخارفه الجصية كتابة كوفية بارزة، نصها الشهادتان، مما يدل على أنه كان جدار محراب، وعلى كل حال فإن الشبه بينه وبين محراب في الجامع الطولوني لا يدع مجالا للشك في صحة هذا الاستنتاج، وفي نسبة الدار إلى العصر الطولوني، ويؤيد ذلك سائر الزخارف.
وقد وجدت في أنقاض هذا البيت الطولوني قطع من الجص عليها زخارف بارزة، تذكرنا بأخرى في الأجزاء العلوية من جدران دير السرياني بوادي النطرون، الذي ستأتي الإشارة إلى زخارفه.
16
أما رسم البيت الطولوني فتسود فيه أيضا التقاليد العراقية، أو بالأحرى: الساسانية التي اتخذها مهندسو العراق، ولا سيما في سامرا عاصمة الخلافة، وليست متنزه الخلفاء العباسيين كما كتب أحد الزملاء!
17
والتي أخذها عنهم كثير من الأقاليم الإسلامية الأخرى. ويتلخص هذا النظام في قاعة طولها أكبر من عرضها، ويكتنفها من جانبيها حجرتان، فيتخذ المجموع شكل
T
في اللغات الأوروبية.
18
ويزين الفناء المكشوف فسقية تغذيها مياه تجري في أنابيب من الفخار، على النحو المتبع في أكثر البيوت التي كشفها في أطلال مدينة الفسطاط المرحوم علي بك بهجت.
19
على أن هذا النظام قديم كما ذكرنا، عرفه الفرس في عهد الأسرة الساسانية، وظهر في قصر شيرين
20
آخر الأبنية العظيمة التي تمت في عهدها، والذي شيده في العراق العجمي كسرى برويز إمبراطور إيران بين سنتي 590 و628. ثم ظهر النظام نفسه في قصر الأخيضر
21
الذي بناه العباسيون في القرن الثامن، ثم في قصور سامرا، وانتقل منها إلى مصر، ومن هذه إلى شمال أفريقيا حيث اتخذه البربر الخوارج
Sedrata .
22
ويجدر بنا قبل أن نختم الكلام على البيت الطولوني أن نشير إلى أنه تبادر إلى الأذهان حين الاكتشاف أن هذه الأطلال ربما كانت أنقاض دار الإمارة، ولكن لا يستطيع أحد أن يجزم بصحة ذلك، نظرا إلى أن مساحة البيت صغيرة لا تليق بدار للحكم، وإن كان ما فيه من زخارف جصية يرجح أن يكون صاحبه من ذوي الجاه واليسار.
وأما العمارة الحربية في العصر الطولوني؛ فإنه لم يبق من آثارها ما نستطيع به دراسة النظم التي اتبعها أحمد بن طولون وابنه خمارويه في تحصين القطائع والفسطاط وغيرها من المدن التي كانت معرضة لأن تكون ميدانا للقتال، بيد أننا نعلم أن ابن طولون لم يرد أن يجعل القطائع مركزا لمقاومة الجند الذين قاموا من العراق لإخضاعه، بل اتخذ في جزيرة الروضة حصنا، رأى أن يجعله معقلا لماله وحرمه، إذا أفلح موسى بن بغا وجنوده في دخول مصر.
وقد أشار محمد بن داود
23
إلى ذلك في إحدى قصائده التي يهجو فيها ابن طولون، فقال:
بنى الجزيرة حصنا يستجن به
بالعسف والضرب والصناع في تعب
له مراكب فوق النيل راكدة
فما سوى القار للنظار والخشب
يرى عليها لباس الذل مذ بنيت
بالشط ممنوعة من عزة الطلب
فما بناها لغزو الروم محتسبا
لكن بناها غداة الروع للهرب
24
ولسنا نريد أن ننتقل إلى الكلام عن زخرفة الطولونيين قبل أن نتحدث قليلا عن الأبنية التي شيدوها للمنفعة العامة، فإن مثل هذا الحديث لازم إذا أردنا أن نحيط بمبلغ تقدم العمارة في عهد أي أسرة من الأسرات الملكية في الإسلام؛ وذلك لأن الاهتمام بتشييد هذه الأبنية لم يكن عاما بين الأمراء، فضلا عن أن من الأبنية المذكورة ما كان تحفة فنية تستحق الإعجاب.
25
قناطر ابن طولون
شيد ابن طولون في الجهة الجنوبية الشرقية من القطائع قناطر للمياه، لا تزال بعض عقودها قائمة، وكان الماء يسير في عيونها إلى القطائع. وقد جرى المؤرخون وكتاب الخطط على سنتهم في نسج الأساطير والنوادر، فزعم القضاعي والمقريزي وغيرهما أن السبب في بناء هذه القناطر: أن ابن طولون خرج ذات يوم ومعه بعض حشمه وعسكره، ثم تقدمهم، فمر وقد كده العطش بموضع فيه مسجد صغير اسمه: مسجد الأقدام، وكان في المسجد خياط، فقال: يا خياط، أعندك ماء؟ فقال: نعم، فأخرج له كوزا فيه ماء، وقال: اشرب ولا تمد (يعني: لا تشرب كثيرا )، فتبسم أحمد بن طولون، وشرب فمد فيه حتى شرب أكثره، ثم ناوله إياه وقال: يا فتى، سقيتنا وقلت: لا تمد؟ فقال: نعم، أعزك الله؛ موضعنا هذا منقطع، وإنما أخيط جمعتي حتى أجمع ثمن راوية، فقال له: والماء عندكم ههنا معوز؟ فقال: نعم. فمضى أحمد بن طولون، فلما وصل إلى داره قال: جيئوني بخياط في مسجد الأقدام. فسرعان ما جاءوا به، وقال له الأمير: سر مع المهندسين حتى يخطوا عندك موضع سقاية ويجروا الماء، وهذه ألف دينار خذها. وابتدأ في الإنفاق، وأجرى على الخياط في كل شهر عشرة دنانير، وقال له: بشرني ساعة يجري الماء فيها، فجدوا في العمل، فلما جرى الماء أتاه مبشرا؛ فخلع عليه، واشترى له دارا يسكنها. وكان قد أشير على الأمير بأن يجري الماء من عين أبي خليد، فقال: هذه العين لا تعرف أبدا إلا باسم أبي خليد، وإني أريد أن استنبط بئرا؛ فعدل عن العين إلى الشرق، فاستنبط بئره وبنى عليها القناطر، وأجرى الماء إلى الحوض الذي بقرب درب سالم.
26
والظاهر أن بناء هذه القناطر تطلب مجهودا كبيرا، وأنها كانت من المتانة والإبداع بمكان كبير، ولا غرابة أن أشار إليها سعيد القاص في عدة أبيات من قصيدته التي رثى بها الدولة الطولونية، ومن هذه الأبيات قوله:
بناء لو ان الجن جاءت بمثله
لقيل لقد جاءت بمستفظع نكر
27
وروى المقريزي أيضا أن أسرة المادرائيين الشهيرة عملت على إنشاء مثل هذه القناطر، وأنفق أفرادها الأموال الكثيرة في سبيل ذلك دون أن يصلوا إلى تحقيقه.
وقناطر ابن طولون مبنية بآجر يماثل في الشكل والحجم آجر الجامع الطولوني، وأما عقودها فستينية أيضا كما يظهر، بالرغم مما عمل فيها من إصلاحات متأخرة.
والمعروف أن الذي تولى لابن طولون بناء هذه العيون هو المهندس النصراني الذي شيد له بعد ذلك المسجد الجامع، ويروي المقريزي أن هذا المهندس كان قد رأى في اليوم السابق لافتتاح هذه العيون موضعا يحتاج إلى قصرية جير وأربع طوبات، فبادر إلى عمل ذلك، وفي اليوم التالي أقبل أحمد بن طولون يفتتح القناطر، فأعجبه كل شيء، ثم أقبل إلى الموضع الذي فيه قصرية الجير، وحدث أن غاصت يد الفرس في الجير لرطوبته، فكبا بابن طولون، وظن هذا أن المهندس دبر له مكروها؛ فأمر به فشق عنه ما عليه من الثياب، وضربه خمسمائة سوط، وأمر به إلى المطبق حيث بقي إلى أن بلغه حديث الجامع، وعرض على الأمير أن يبنيه له بلا عمد إلا عمودي القبلة.
وهذه القناطر التي شيدها ابن طولون تذكرنا بما عمله في أفريقية أمراء بني الأغلب من عيون ومجار تحضر الماء إلى مدينة القيروان من المرتفعات المحيطة بها.
28
البيمارستان
أما المستشفى الذي شيده ابن طولون؛ فلم يصل إلينا منه شيء، كما أن من تكلموا عنه من المؤلفين لم يتعرضوا لرسمه أو تخطيطه، فهم يكتفون أما القطعة الأخرى بإخبارنا أن أول من أسس دور المرضى في الإسلام هو الخليفة الوليد بن عبد الملك، وأن ابن طولون شيد مارستانا في العسكر، (وليس المقصود هنا بالمارستان أن يكون وقفا على المصابين بالأمراض العقلية) وأنه شرط ألا يعالج فيه جندي ولا مملوك، وأنه عمل حمامين للمارستان، أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وشرط أنه إذا جيء بالعليل تنزع ثيابه ونفقته، وتحفظ عند أمين المارستان، ثم يلبس ثياب المستشفى، ويبدأ في علاجه حتى يبرأ، فإذا أكل فروجا ورغيفا أمر بالانصراف وأعطي ماله وثيابه.
وكان ابن طولون نفسه يركب في كل يوم جمعة، ويتفقد خزائن المارستان وما فيها، والأطباء والمرضى، فقال له مجنون مرة إنه يشتهي رمانة، فأمر له بها، ولكن المجنون غافله ورمى بها في صدره؛ فأمرهم ابن طولون أن يحتفظوا به، وأقلع عن زيارة المارستان.
29
هذا وقد روى المؤرخون أن ابن طولون حبس على مسجده الجامع وقناطره ومارستانه دخل بعض الأبنية، ولعل ذلك بدء نظام الوقف
30
الذي نعرف أهميته في الحياة الاجتماعية للإسلام، وفي ازدهار فنونه أو انحطاطها حسب ما يتوفر من المال للإنفاق عليها.
الفصل الرابع
زخرفة المباني
إن تأثير الصناعة العراقية والفن الذي ازدهر في سامرا على الفن الطولوني أظهر ما يكون في هذه الناحية؛ أي في الزخارف التي وصلت إلينا في المسجد الجامع، أو في المنزل الطولوني الذي سبق الكلام عليه.
والواقع أنه من الصعب أن نسلم بصحة الرأي الذي ذهب إليه الأستاذ هرتزفلد
HERZFELD
منذ خمسة وعشرين عاما في مقاله عن قصر المشتى
1
Genesis der islamischen Kunst und das Mschatta
؛ فإنه بعد أن درس عدة زخارف طولونية وحللها تحليلا دقيقا، رأى أن موطن هذه الزخارف ومكان نشأتها إنما هو القطر المصري نفسه، فهذه الزخارف في رأيه جزء لا يتجزأ من مجموعة لها خصائصها، والأصل في صناعتها راجع إلى صناعة الحفر على الخشب. واستشهد الأستاذ هرتزفلد على صحة نظريته هذه بالأخشاب المحفورة التي كانت محفوظة في ذلك الوقت بالقسم القبطي بالمتحف المصري، وبالأخشاب الموجودة بدار الآثار العربية، وبعدة كنائس قبطية، وكان الدكتور هرتزفلد كبير الإيمان بهذه النظرية، مما تدل عليه عبارته الآتية:
2
Es ist kein Zweifel, die Ornamentik der Ibn Tulun-Moschee und ihr ganzer Formenkreis ist in Aegypten bodenständig. Sie ist die entwickelte aber noch spezifisch aegyptische Arabeske.
ولسنا ننكر أننا نستطيع أن نكشف عن أصول قبطية في العنصر الهندسي من الزخارف الطولونية، ولكننا نقول بأن مصدر العناصر الأخرى من هذه الزخارف هو الفن العراقي في سامرا، ولعل أكبر دليل على صحة قولنا هذا أن الدكتور هرتزفلد نفسه لم يفته أن يلاحظ الشبه والعلاقة بين الزخارف الطولونية وبين الزخارف التي كان له ولزميله الدكتور زره
DR. SARRE
فخر كشفها في سامرا بعد كتابة مقاله المذكور.
3
على أن هناك عالما آخر من علماء الآثار الإسلامية، هو الدكتور فلوري
DR. S. FLURY
درس زخارف الجامع الطولوني وعلاقتها بزخارف سامرا دراسة دقيقة، والنتيجة التي وصل إليها هي عكس ما وصل إليه الدكتور هرتزفلد، أو قل تخالفها كل المخالفة، فإن سامرا لم تكن قد كشفت بعد حين كتب هرتزفلد مقاله السابق.
والأستاذ فلوري يذهب إلى أن الزخارف الطولونية مأخوذة عن الزخارف العراقية في سامرا، وهو شديد التعلق بهذه النظرية، كبير الإيمان بأن كل ما في الجامع الطولوني من زخارف مصدره مدينة المعتصم:
4
In ornamentaler Hinsicht ist die Moschee Ibn Tulun durchaus von Samarra abhängig.
وبالرغم من أن أكثر علماء الآثار الإسلامية يطمئنون إلى نظرية فلوري
Flury ، ويصدقون بما وصلت إليه أبحاثه، فإن علينا ألا نعتقد بأن كل ما عرفه الطولونيون من زخارف إنما نقلوه عن العراق، فإن في زخارفهم عناصر لا يستطيع الشك أن يعرض لنسبتها إلى الفنون الهللينيستية والقبطية، فضلا عن أن هناك عناصر أخرى تكاد تكون من خصائص العصر الطولوني، بالرغم من وجود علاقة كبيرة أو صغيرة تربطها بالفنون المذكورة، أو بالطرز الثلاثة التي قسم إليها ما وجد في سامرا من زخارف جصية أو خشبية.
5
وجدير بنا أن نذكر في هذه المناسبة أن تقسيم زخارف سامرا إلى الأقسام الثلاثة المعروفة (الأول، والثاني، والثالث) لم يكن يوافق النظام المنطقي، أو الترتيب التاريخي، فكان الطراز الثالث مثلا هو أقدمها عهدا، ومن ثم أصبح الدكتور كونل
DR. KÜHNEL
ومساعدوه في القسم الإسلامي من متاحف برلين يميلون إلى عمل تقسيم آخر على قاعدة التقسيم القديم، مع مراعاة الترتيب التاريخي، وإضافة طراز رابع، وأصبحت الزخارف بعده تنقسم إلى طرز أربعة:
طراز
A (الطراز الثالث قديما): وفيه زخارف نباتية عميقة الحفر.
طراز
B (الطراز الثاني قديما): وهو طرز الانتقال.
طراز
C (الطراز الأول قديما): وفيه زخارف هندسية بسيطة أو نباتية تقليدية جدا، وحفرها بميل مع انحناء.
طراز
D (الطراز الأول قديما): وفيه زخارف هندسية أكثر غنى وتعقيدا، وحفرها بميل مع انحناء.
6
ومهما يكن من شيء فإننا إذا استثنينا الألواح والحشوات الخشبية المنقوشة التي كانت تدخل في تركيب الأبواب أو الأسقف أو النوافذ؛ وجدنا أن جل ما نعرفه من الزخارف الطولونية محفور في الجص، ولا غرو فإن صناعة الحفر على الجص قديمة، برع فيها الفرس،
7
وورثها المسلمون فبلغوا فيها شأوا بعيدا، على أن وجودها في عهد الساسانيين يؤيده ما هو محفوظ في متحف برلين وفي متحف المتروبوليتان بنيويورك من نقوش بارزة في الجص، تمثل رسوما هندسية ونباتية يمكننا اعتبارها المثال الذي أخذت عنه وبدأت منه الزخارف العراقية في سامرا (انظر اللوحة رقم
1 ).
والمعروف أن استعمال الجص في زخرفة الأبنية الدينية والمدنية في سامرا بلغ من الشيوع درجة أصبحت بسببها الزخارف الجصية خاصة من خواص هذه العاصمة العباسية، وليس غريبا أيضا أن يظهر تأثيرها على الطولونيين في اختيارهم الجص لتزيين أبنيتهم وزخرفتها.
والزخارف الطولونية كبقية الزخارف الإسلامية ، تستمد أكثر عناصرها من الأشكال الهندسية، ومن الرسوم النباتية التقليدية حينا، أو التي تقرب من الطبيعة حينا آخر،
8
أما تصوير المخلوقات الحية فقليل الظهور.
وقد وصف لنا المقريزي التماثيل التي اتخذها خمارويه لنفسه ولحظاياه، ولم يصل إلينا شيء منها.
أما الكتابة فلا تلعب في الزخرفة الطولونية دورا يستحق الذكر، ومع ذلك فسنعرض لها عند الكلام عن الأخشاب المنقوشة.
ولعل في المسجد الطولوني من الزخارف أنواعا تمثل أكثر ما عرف في هذا العصر من زخارف جصية.
فواجهات البوائك التي تحيط بالصحن من جوانبه الأربعة تزينها سرر
rosaces
من الجص، لكل منها إطار مثمن، وأغلبها محفور حفرا عميقا، وهي على نوعين ليس بينهما كبير اختلاف.
والطاقات الصغيرة التي تعلو الأرجل أو الدعائم تحف بكل منها سرتان كبيرتان: واحدة على اليمين، والأخرى على اليسار، وتحيط بأكثر هذه السرر إطارات مستديرة، واثنتان منها مرسومتان داخل مربعين، وليست هذه السرر من نوع واحد، وإنما نرى فيها تنوعا كبيرا على الرغم من بساطتها. وأوراقها تارة تكون مدببة، وتارة مستديرة الأطراف،
9
وعلى كل حال فإنها إن لم تكن ترجع إلى العصر الطولوني نفسه، فهي منقولة بأمانة وإتقان عن أصل يرجع إلى هذا العصر.
ولسنا نجهل أن رسم مثل هذه السرر كان شائعا في الفنون الهللنستية والعراقية والساسانية،
10
وهو يذكر بالسرر الكبيرة البارزة على جدران قصر المشتى التي يرجع عهدها أيضا إلى أوائل العصر الإسلامي، والمحفوظة الآن بالقسم الإسلامي في متاحف برلين.
11
وهناك صف من طاقات أخرى تدور حول جدران المسجد الأربعة، عقودها ستينية مرفوعة على عمد قصيرة متخذة في البناء نفسه، ومركب على هذه الطاقات شبابيك من الجص مخرمة على أشكال هندسية، وأكبر الظن أن أغلب هذه الشبابيك الجصية يرجع إلى بعد العمارة التي قام بها في الجامع الطولوني السلطان المملوكي حسام الدين لاجين، في القرن الثالث عشر. وقد لفت هرتز باشا
HERZ PACHA
النظر إلى ما يؤيد هذا من شبه بين زخرفة هذه الشبابيك، وزخرفة مدفن قلاوون.
والظاهر أن الأستاذ كريزول
CRESWELL
وفق إلى كشف أربع طاقات زخرفة شبابيكها الجصية القديمة دوائر متشابكة، نرى مثلها في زخرفة بواطن العقود، ومن ثم اعتقد الأستاذ أنها ترجع إلى العصر الطولوني.
12
وفي واجهات الأقواس زخارف تحيط بفتحاتها، ويتصل بعضها ببعض فوق تيجان العمد التي تحف بأركان الدعائم، فتكون طرازا قوامه فرع نباتي يحيط بزخارف نباتية مارا فوقها تارة وتحتها تارة أخرى، وبين الفرع الصاعد والفرع النازل ورقة شجر يخرج من أسفلها خطان لولبيان، ينتهيان بورقة عنب من أعلى، وعنقود عنب من أسفل. والملاحظ أن ورقة الشجر يكون منشؤها من الجهة السفلى دائما، فهي لا تبدأ إذن عند ملتقى الفرعين النباتيين إلا حين يكون التقاؤهما في الجهة السفلى.
13
ومهما يكن من شيء فإن الصناعة الزخرفية في هذا الطراز
fries
تذكرنا بما نعرفه من الزخارف في سامرا؛ فعنقود العنب وورقه، والخطوط اللولبية على شكل حرف
S ، والثقوب المستديرة في زوايا أوراق الشجر، كل هذا معروف لنا في الزخارف العراقية بسامرا.
والطراز الذي يدور تحت السقف قوامه شبه وريقات شجر
folioles
مرسومة بخطين، وتربطها من أسفل دوائر غير كاملة، وأقطار هذه الوريقات مبنية بحزوز عمودية، وفي مركز كل من هذه الدوائر غير الكاملة نقطة محزوزة حزا عميقا في الجص، كما يوجد نقطتان محزوزتان في الحافة العليا بين قمتي كل وريقتين. وفي دار الآثار العربية قطعة محفوظة من هذا الطراز الذي نجده أيضا في زخارف البيوت العراقية في سامرا.
ويؤكد الدكتور هرتزفلد أن زخرفة هذا الطراز موجودة في مصر منذ العصور القديمة، وأنها لم تبرحها قط، ولسنا نرى أن ذلك مانعا من الاطمئنان إلى القول بأن الطولونيين أخذوها فيما نقلوه عن فنون العراق.
والواقع أن الدكتور هرتزفلد كان يلح في القول بأن الفن الطولوني مأخوذ عما ازدهر في مصر من الفنون في العصرين القبطي والفرعوني، وكان إلحاحه هذا في مقاله الذي أشرنا إليه، والذي كتبه قبل أن يتاح له أن يكشف أطلال سامرا. ومهما يكن من شيء فإنه ليس من الغريب أن ترى في الزخرفة الطولونية عناصر قديمة أو قبطية؛ إذ لا شك في أن الفنون القديمة والبيزنطية هي المصدر الذي نقل عنه القبط كثيرا من أصول زخرفتهم: كورق الكرم، والخطوط اللولبية، والخطوط الهندسية المشبكة
entrelacs ، وغير ذلك،
14
بينما تسربت هذه الفنون إلى الزخارف الإسلامية؛ حيث نجد آثارها واضحة في زخارف المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، وقصر المشتى، وقصر عمرا، ثم في أبنية سامرا.
15
أما الطراز الذي يحيط بطاقات المسجد فقوامه زخرفة قديمة عرفها وادي النيل منذ العصر الفرعوني، وظلت معروفة فيه في عصر الفاطميين والمماليك، وهي مكونة أيضا من شبه وريقات شجر مدببة من أعلاها، ولها قسمان مستديران من أسفلها، وفي وسطها حز عمودي. وقد كانت هذه الزخرفة معروفة في اليونان؛ حيث تظهر على الأواني الخزفية المتأثرة بالشرق في صناعتها، وظهرت بعد ذلك في الفن البيزنطي، ثم في سامرا حيث كانت فيها أقرب إلى الطبيعة منها في الزخارف الطولونية.
16
ومهما يكن من شيء فقد استنتج الأستاذ فلوري من تحليله الزخارف الطولونية والعراقية: أن مصر رأت في العصر الطولوني ازدهار جميع الطرز الزخرفية التي ظهرت في سامرا، والتي اجتمعت كلها في بناء واحد هو الجامع الطولوني.
على أن هذه الزخارف النباتية التي ظهرت في سامرا معروفة لدينا في أماكن أخرى، فنحن نجد مثلا زخارف الطراز الثالث (طراز
A
في التقسيم الجديد) في جامع نايين بالقرب من مدينة يزد في شرقي بلاد إيران،
17
ثم نجدها أيضا في الدير القبطي المعروف بدير السرياني في وادي النطرون. ولعل خير وسيلة لرؤية ما بين هذه المراكز الثلاثة من قرابة كبيرة هي الإمعان في الصورة التي جمع فيها الأستاذ فلوري أهم عناصر زخرفتها.
18
وليس في الاستطاعة أن نعرف تماما إلى أي عصر يرجع جامع نايين، ولكن أكبر الظن أنه يرجع إلى أوائل القرن العاشر الميلادي، أما الزخارف الجصية في دير السرياني؛ فلا شك أنها متأخرة عن عصر ابن طولون.
وليس بعيد الاحتمال أن يكون عمال وطنيون قد قاموا بزخرفة هذا الدير بعد أن بلغت صناعة الجص شأوا بعيدا في العصر الطولوني،
19
ولكننا نعرف أيضا أن عمالا من نصيبين قد اشتغلوا في الدير المذكور بعد وفاة ابن طولون بخمس سنين.
20
أما تيجان الأعمدة التي وصلت إلينا من العصر الطولوني فقد سبقت الإشارة إليها حين تحدثنا عن تيجان المسجد الجامع، وذكرنا أنها مشتقة من التيجان الكورنثية، ترى في زخرفها ورقة النبات المسمى: شوك اليهود.
وليس خفيا أن المسلمين حين بدأوا في بناء المساجد، واتخاذ الأبنية العامة لم يكن لديهم طراز خاص في التيجان؛ فكانوا يستمدون من الكنائس والمعابد القديمة ما يحتاجون إليه من الأعمدة ذات التيجان القديمة.
وعلى كل حال فإن تيجان الجامع الطولوني فيها شيء من التنوع، وتلك التي تقوم عليها العقود الصغيرة فيها شبه كبير بتيجان وجدت في سامرا.
21
بقي أن نذكر أن في الزخارف الطولونية جانبا له طابع خاص لا يظهر فيه أثر الفن العراقي ظهوره في سائر فروع الفن الطولوني: تلك هي زخارف بواطن الأقواس؛ فقد كانت هذه البواطن مغطاة كلها بطبقة من الجص عليها زخارف جميلة أصاب أكثرها التلف، وبقي بعضها تحجبه عن الأعين طبقات من البياض، وقد كان جزء منها ظاهرا حين كتب بعض المؤلفين كتبهم في أواخر القرن الماضي، كما نرى من اللوحات الموجودة في كتابي كوست
COSTES
22
وبريس دافن
.
23
والصناعة الزخرفية في هذه النقوش قديمة، وموضوعاتها - من خطوط متداخلة (إنترلاك) وخطوط لولبية، ولآلئ وأشرطة، وخطوط منكسرة - كلها معروفة في الفن البيزنطي، ومنه تسربت إلى الفن القبطي وفنون العراق.
24
وقد حلل الأستاذ هوتكير
HAUTECOEUR ، والأستاذ فييت
WIET
هذه الزخارف تحليلا دقيقا لا نستطيع معه إلا أن نحيل القارئ إلى ما كتباه عنها.
وهذه النقوش تختلف في كل طاقة عن الأخرى، ولكنها في كل واحدة تتكون من موضوع زخرفي واحد متكرر تكرارا لا حد له، فهناك الدوائر المتماسة، والخطوط المتشابكة، ومتساويات الأضلاع المتداخل بعضها في بعض، وأكثر هذه الموضوعات الزخرفية معروفة في الفن العراقي بسامرا، ولكنها تبدأ في الفن الطولوني تزداد تعقيدا، تاركة بينها أقل ما يمكن من الفراغ. ومهما يكن من شيء فإننا نرى في الزخارف الطولونية طريقتين ظلتا عزيزتين على الفنانين المسلمين، أولاهما: جعل الموضوعات الزخرفية المتماثلة تتداخل بعضها ببعض، وثانيهما: وضع الموضوعات الزخرفية المختلفة جنبا لجنب.
25
وقد أشار الأستاذ هرتزفلد في مقاله
26
عن الأرابسك بدائرة المعارف الإسلامية إلى الزخارف الطولونية، ولاحظ أننا نشاهد في النقوش النباتية أن ورقة الشجر تكفي وحدها لتكوين الزخرفة، وأن السيقان تكاد تختفي تماما فتظهر كل وريقة كأنها تنشأ من وريقة أخرى، وأن السطح الذي عليه الزخارف يكون مغطى كله، فلا يكاد يظهر من الأرضية شيء، وهذا ما يمتاز به الفن الإسلامي من كراهية الفراغ في الزخرفة
horror vacui .
La feuille y suffit Presque à elle seule à la décoration. La tige disparaît à peu près complètement, de sorte que chaque feuille naît d’une autre feuille. La surface à orner se trouve totalement recouverte et on ne peut plus rien apercevoir du fond. C’est “I’horror vacui” dans la décoration. Il s’ensuit que le dession des ornaments positives ne peut être discerné que par quelques lignes négatifs, de préférence spiralées, qui séparent les éléments de chaque feuille. Ce que I’ouvrier dessine, taille, peint, c’est plutôt le fond que I’ornement lui-même.
وإلى هنا انتهينا من الكلام عن الزخارف الجصية، إلا أن هناك زخارف طولونية محفورة على الخشب، سوف يأتي الكلام عليها، وسوف يتاح لنا أيضا أن نتحدث عن الدور الصغير الذي لعبته الكتابة في الزخارف الطولونية.
القسم الثاني
الفنون الفرعية
تمهيد
قال كريستي
A. H. CHRISTER : إن الفن الإسلامي أخذ مسحته الروحية من بلاد العرب، بينما أنسجته المادية تكونت في بلاد أخرى؛ حيث كان الفن قوة حيوية عظيمة.
1
Islamic art derived ito spiritual complexion from Arabia, but its material texture was fashioned elsewhere, in lands where art was a vital force.
وليس ممكنا أن نلخص في أحسن من هذه العبارة خصائص هذا الفن الذي يكاد يكون دوليا بعد أن ورث الفنون الساسانية والبيزنطية.
والواقع أن عرب الجاهلية وصدر الإسلام كانوا قبائل من البدو، ولم تكن لهم تقاليد فنية تستحق الذكر، وإن تكن قد ازدهرت باليمن في الجنوب، وبالحيرة في الشمال الشرقي، وبإقليم الغساسنة في الشمال الغربي؛ مراكز للعلم والأدب كان عندها بعض التقاليد الفنية، فإن ما نعرفه عنها، وما وصل إلينا من هذه التقاليد الفنية من القلة بحيث لا نستطيع أن نكون عن الفن في مراكز الحضارة المذكورة فكرة صحيحة.
2
ولكن جدير بنا ألا نبالغ في الاعتقاد بأن العرب لم تكن لهم أي تقاليد فنية؛ فالحقيقة كما يقول الأستاذان جلوك
GLÜEK ، وديتز
DIEZ
أن العرب لم يأتوا فارغي الأيدي.
3
Und doch waren die Araber micht ganz mit leeren Händen gekommen.
وبالرغم من ذلك فإن بلادا عديدة اشتركت في خلق الفن الإسلامي وفي تطوره، وأول منتجات هذا الفن له علاقات بالمنتجات الفنية في البلاد التي فتحها العرب؛ فإن هؤلاء في القرون الأولى بعد الهجرة اعتمدوا كل الاعتماد على الصناع والفنانين والوطنيين في البلاد التي خضعت لهم. والغريب أن التعاون بين الحكام والمحكومين الذي أدى قبل ذلك إلى انحطاط الفن الهللنستي واضمحلاله؛ مهد الطريق هذه المرة لنشأة فن ذي مستقبل باهر وحياة طويلة.
أما في مصر حين فتحها العرب فقد كان الفن القبطي مزدهرا بما فيه من تقاليد بيزنطية وفرعونية وآشورية وفارسية،
4
فنما الفن الإسلامي وتطور في وادي النيل على هذه الأرض من التقاليد القديمة، وباشتراك العمال الوطنيين، واستمر هذا التعاون بين الفاتحين والمحكومين نحو ثلاثة قرون، ولم يقلل من أهميته قدوم ابن طولون ومعه فريق من الصناع والفنانين العراقيين، فإن أثر هؤلاء لم يظهر جليا إلا في نواح خاصة كالعمارة وزخرفة المباني، بينما بقي النسج الميدان الذي أظهر فيه الأقباط مهارتهم الفنية.
وخلاصة القول أن العرب في مصر لم يستطيعوا الاستغناء عن معونة الأقباط إلا حوالي القرن الرابع الهجري، حين عم الإسلام مصر، وبعد أن تتلمذ العرب مدة طويلة في مدرسة الصناع الوطنيين، تلقوا عنهم فيها أسرار الصناعة وأصول المهنة.
الفصل الأول
المنسوجات1
كانت صناعة النسج زاهرة بمصر في عهد الفراعنة،
2
ثم تقدمت في العصر القبطي تقدما كبيرا متأثرة في الوقت نفسه بتيارين من المؤثرات البيزنطية والساسانية.
3
أما في العصر الإسلامي فإننا نلاحظ في صناعة المنسوجات وزخرفتها تطورا منتظما غير فجائي، فبدئ في الاستغناء شيئا فشيئا عن الرسوم الآدمية والحيوانية التي كانت في الفن القبطي، وقوي الميل إلى الزخارف الهندسية، وبدأت الكتابة تلعب دورا هاما في صناعة المنسوجات.
والمعروف أنه كان للنسج في مصر صناعة أهلية عليها رقابة حكومية، وسوف يأتي الكلام على هذه الصناعة، ولكن كانت هناك فوق ذلك مصانع حكومية تسمى: طراز، ووجودها منذ العصر العباسي تؤيده القطع التي وصلت إلينا من مصنوعاتها، والظاهر أنه كان هناك نوعان من هذه المصانع الحكومية؛ الأول: طراز الخاصة، وكان لا يشتغل إلا للخليفة ورجال بلاطه وخاصته. والثاني: طراز العامة، وكان يتبع أيضا بيت مال الحكومة، ولكنه كان يشتغل لحساب بلاط الخليفة وأفراد الشعب .
ولفظ طراز مشتق من الفارسية: «ترازيدن» و«تراز»: بمعنى التطريز وعمل المدبج
broderie ، ثم أصبح يدل على ملابس الخليفة، أو الأمير، أو السلطان ورجال الحاشية، لا سيما إذا كان فيها شيء من التطريز، وعليها أشرطة من الكتابة، واتسع مدلول هذا اللفظ حتى انتهى في العربية والفارسية بالدلالة على المصنع والمكان الذي تصنع فيه مثل هذه المنسوجات، كما استعمل في أشياء أخرى ليس هنا مجال شرحها.
ولسنا نعرف تماما أين نشأ احتكار الحكومات صناعة النسج، ولا أين بدأ نظام الطراز على النحو الذي نعرفه في الفنون الإسلامية، فبعض العلماء يظنه إيراني الأصل، ويظنه الآخرون بابليا آشوريا، ويجزم فريق ثالث بأنه نشأ في بيزنطة.
4
ومهما يكن من شيء فقد عرفت مصر الفرعونية إلى حد ما هذا الاحتكار لصناعة النسج؛ إذ كان هناك مصنع ملحق بكل معبد، وقد كانت منتجات هذه المصانع مشهورة في الشرق الأدنى كله، وكانت تدر على المعابد أرباحا وافرة، كان الفراعنة يستولون على جزء منها، ويحتفظ الكهنة بما يتبقى.
5
وعلى كل حال فإن نظام الطراز لم يبق وقفا على مصر؛ إذ إننا نكاد نجده في كل الأقاليم الإسلامية: كسورية، والعراق، وإيران، وآسيا الصغرى، وإسبانيا، وجزيرة صقلية.
وكان طراز الخاصة يشتغل بعمل المنسوجات للخليفة وكبار رجال الدولة، ولسنا نجهل العادة الشرقية القديمة التي كان يتخذها الملوك في الخلع على رجال حاشيتهم وغيرهم من أفراد الرعية، وقد نمت هذه العادة في الدول الإسلامية، فكان الخلفاء والأمراء يظهرون رضاهم عن أفراد الرعية بما يخلعونه عليهم من حلل الشرف.
وفضلا عن ذلك فقد كان الخلفاء والأمراء يتبارون في إرسال الكسوة السنوية إلى الكعبة من المنسوجات النفيسة التي كانت تصنع عادة في طراز الخاصة بمصر.
فليس غريبا إذن أن عني الخلفاء والأمراء بكتابة أسمائهم على هذه الأقمشة النفيسة، وقد كانت الكتابة على النسيج بلحمة من الذهب أو الفضة أو الخطوط المتعددة الألوان، وكان الغرض من هذه الكتابات على الأقمشة الملكية بيان الأمير الذي عملت باسمه، أو الشخص الذي خلعت عليه؛ إظهارا لرضاء الأمير، أو علامة على تولي إحدى الوظائف الكبرى في الدولة.
وقد كانت الكتابات على الطراز تشمل اسم الخليفة، وألقابه، وبعض عبارات الأدعية، وكثيرا ما كان يذكر فيها اسم المدينة التي فيها الطراز، واسم الوزير، وصاحب الخراج، وناظر الطراز.
وفي مجموعة الأقمشة النفيسة بدار الآثار العربية قطعة من النسيج وجدت في الفسطاط باسم: الخليفة الأمين، وعليها الكتابة الآتية:
بسم الله، بركة من الله، لعبد الله الأمين محمد أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه، مما أمر بصنعته في طراز العامة بمصر، على يد الفضل بن الربيع، مولى أمير المؤمنين (انظر اللوحة رقم
22 ).
وتظهر الكتابة على المنسوجات في القرن الثامن، ففي دار الآثار العربية قطعة من الكتان الأبيض (انظر اللوحة رقم
21 ) تشبه كثيرا الأقمشة القبطية، وعليها شريط من زخارف به جامات فيها طيور تقليدية، ومنسوج على هذه القطعة بالخط الكوفي البسيط سطر بالحرير الأحمر نصه: «هذه العمامة لسمويل بن موسى، عملت في شهر رجب من الشهور المحمدية، من سنة ثمان وثمانين». كما أن في متحف فيكتوريا وألبرت قطعة عليها: «مرون أمير المو...» وفي اعتقادنا أن المقصود هنا: مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية.
6
وتشمل مجموعة دار الآثار العربية عددا من قطع النسيج بأسماء الخلفاء العباسيين والأمراء الطولونيين، والمعروف أن الجزية التي كانت ترسلها مصر إلى بلاط الخليفة العباسي، ثم الهدايا التي أرسلها أحمد بن طولون إلى الخليفة المعتمد، والتي أرسلها خمارويه من بعده إلى الخليفة المعتضد كان فيها شيء كثير من الأقمشة الثمينة والمنسوجات النفيسة.
7
ومن هذه القطع واحدة باسم الخليفة المعتمد، تاريخها سنة 287ه/891م، وتشبه كل الشبه قطعة أخرى باسم المعتمد أيضا، وجدتها البعثة الألمانية في سامرا، وهي محفوظة الآن بالقسم الإسلامي من متاحف برلين.
8
وقد أحصى الأستاذ فييت ما نعرفه في المتاحف والمجموعات الأثرية من قطع المنسوجات التي عليها أسماء الخلفاء العباسيين، فوجد أن هناك واحدة باسم هارون الرشيد، وواحدة باسم الأمين، واثنتين باسم المأمون، وواحدة باسم الواثق، واثنتين باسم المتوكل، واثنتين باسم المستعين، وواحدة باسم المهتدي، وتسع عشرة قطعة باسم المعتمد، وإحدى وعشرين للمعتضد، وخمس عشرة للمكتفي ... إلخ.
9
وفي دار الآثار العربية قطعة باسم الخليفة المكتفي بالله، والأمير الطولوني هارون بن خمارويه، تاريخها سنة 291ه/904م، وهي السنة السابقة لسقوط الدولة الطولونية، وهناك قطعتان من السنة عينها: الأولى في مجموعة تانو
TANO ،
10
والثانية في مجموعة تريفون كلمكريان
TRIFON KALAMKRIYAN .
11
أما الصناعة الأهلية فكانت تسير جنبا إلى جنب مع الطراز الحكومي، وكانت عليها رقابة شديدة، وضرائب فادحة، وكانت الأقمشة تختم بالخاتم الرسمي، والتجار تعينهم الحكومة، وكان عليهم تقييد ما يبيعونه في سجلات رسمية.
وكان حزم الأقمشة وربطها وشحنها يقوم به عمال حكوميون، ويتناول كل منهم ضريبة معينة.
12
وقد لوحظ أن المراكز الرئيسية لصناعة النسج في مصر كانت في أكثر الأحيان الجهات التي يكثر فيها السكان الأقباط.
على أن النساجين القبط احتفظوا في العصر الإسلامي بكثير من الموضوعات الزخرفية الساسانية التي وصلت إليهم عن طريق بيزنطة، مثل الدوائر المتماسة، والحيوانات المتقابلة، أو التي يولي كل منها ظهره للآخر، وبينهما شجرة الحياة الإيرانية المقدسة.
وكانت في صناعة النسج بمصر مرحلة انتقال بين العصر القبطي البحت والعصر الإسلامي البحت، ترى فيها زخارف من طيور متقابلة، وجامات بيضية الشكل فيها حيوانات صغيرة أو طيور.
13
وفي العصر الطولوني كانت التقاليد الزخرفية القديمة والقبطية لا تزال تسود صناعة النسج، على أن هناك بعض قطع من النسيج عليها زخارف طولونية أو عراقية ظاهرة، على النحو الذي درسناه في الكلام عن زخرفة المباني، أو الذي سندرسه عند دراسة الحفر على الخشب، وفي دار الآثار العربية قطع عديدة أغلبها سميك ومنسوج فيه رسوم طولونية المسحة.
14
وقد كتب الدكتور كونل
KÜHNEL
عن قطعتين طولونيتين محفوظتين بالقسم الإسلامي من متاحف برلين، في الأولى زخرفة من نوع الطراز الأول من زخارف سامرا (طراز
C, D )، وتذكرنا بالزخارف الجصية في المنزل الطولوني الذي كشف في حفريات دار الآثار العربية،
15
وليست هذه القطعة في حالة جيدة من الحفظ؛ فإن زخرفتها قد سقطت في بعض أجزائها، ولكن من حسن الحظ أن في متحف ليبزج قطعة أخرى من القماش نفسه، زخرفتها أحسن حفظا، وأكثر ظهورا .
وأما القطعة الأخرى التي نشرها الدكتور كونل
KÜHNEL
فزخرفتها غير ظاهر فيها المسحة الطولونية.
ولنذكر في هذه المناسبة أن الدكتور كونل يشك في أن المصانع المصرية اشتغلت قبل عصر المماليك بنسج حرير صاف، ويعتقد أن الحرير لم يلعب الدور الكبير إلا في عصر المماليك أنفسهم.
16
Ob reine Seidenstoffe in dersclben periode (abbasside-fatimide) in den ägyptischen ateliers überhaupt hergestelt wurden, muss noch sehr fraglieh bleiben, Jedenfalls besitzen wir dafür kein sicheres Dokument Erst in der Mamlukenzeil spielen sie ihre entseheidende Rolle in der Textilindnstrie des islamischen Ägypten.
وكان القطن والكتان ينسجان في البلاد المصرية المختلفة، ولا سيما في الدلتا بتنيس، والإسكندرية، وشطا، ودمياط، ودبيق، والفرما، كما اشتهرت أيضا بنسيجهما مدينة البهنسا.
أما الأقمشة الحريرية فكانت تصنع في الإسكندرية وفي دبيق،
17
وكانت هناك أيضا مصانع للنسج في مدينتي أخميم وأسيوط اللتين كانتا مركزين هامين لصناعة النسج في العصر القبطي، وكانتا تصدران إلى بيزنطة وإلى بابوات روما كثيرا من الأقمشة النفيسة، التي كان يوهب جزء كبير منها إلى الكنائس المسيحية.
18
ومهما يكن من شيء فإن فن النسج لم يطبع في مصر بطابع إسلامي ظاهر إلا ابتداء من العصر الفاطمي (969-1171). وكان العرب منذ الفتح يميلون إلى العناصر الهندسية والنباتية في زخرفتهم، ولم يكن من الصعب إرضاؤهم في مصر وسورية؛ حيث غلبت الثقافة الهللنستية والتقاليد البيزنطية التي لم تكن الزخرفة الحيوانية شائعة فيها شيوعها في فارس.
وعلى كل حال فإن في المتاحف الكبيرة والمجموعات الأثرية في مصر وفي البلدان الأجنبية قطعا عديدة، ترجع زخرفتها إلى عصر الانتقال من الطراز القبطي إلى الطراز الفاطمي، ويصعب في بعض الأحيان تمييزها من القطع القبطية، بينما يندر وجود القطع التي عليها زخارف طولونية بحتة، تجعل من اليقين نسبتها إلى العصر الطولوني.
الفصل الثاني
الحفر على الخشب
كانت مصر ولا تزال فقيرة في الخشب، فإن ما يوجد بها من الشجر لا يستخدم خشبه إلا لأعمال النجارة البسيطة، ومثل ذلك شجر السنط والجميز والزيتون والنبق والسرو.
وبدأت الحكومة منذ قيام الدولة الفاطمية في زرع الأشجار والعناية بالغابات. وإذا كان الغرض الأساسي من هذه العناية إنما كان استخراج الخشب اللازم لعمل مراكب الأسطول، فإن جزءا كبيرا من الخشب المنتج استعمل في الأبنية والأثاث.
1
وعلى كل حال فقد كان استعمال الخشب ذائعا في مصر الذيوع كله، ولا سيما أن جفاف الجو كان يساعد على حفظه في حالة جيدة، ومن ثم عمل التجار على استيراده من الأقطار المجاورة، فكانوا يجلبون خشب الأرز والصنوبر من تركيا وسورية، والآبنوس من السودان، والتك من بلاد الهند، فضلا عن أن جنوب أوروبا كان مصدرا كبيرا من المصادر التي استمدت منها مصر حاجتها من الخشب.
2
وإذا صح ما ذكره المقريزي تبين أنه كان للخشب أسواق هامة في الفسطاط منذ العصر الطولوني.
3
وليس غريبا إذن أن عني المصريون بإتقان صناعة النجارة، ولا سيما بعد أن مارسوها قرونا طويلة، فتاريخ مزاولتهم إياها يرجع إلى عهد أجدادهم المصريين القدماء الذين برعوا فيها براعة يشهد بها ما نراه من تماثيلهم الخشبية النادرة، كتمثال شيخ البلد بالمتحف المصري، وكغيره من التماثيل.
وقد ورث الأقباط أسرار هذه الصناعة، ولعبت الأخشاب ذات الزخارف المحفورة دورا كبيرا في أثاث الكنائس والأبنية القبطية وزخرفتها.
4
ولم يستعمل المسلمون الخشب في مساجدهم بهذه الدرجة من الكثرة؛ إذ لم يكونوا في حاجة إلى مذبح أو مقاعد أو غير ذلك من أثاث الكنائس، فلم يستعملوا الخشب إلا في السقوف والأبواب والمنابر والدكك، وفي عمل أشرطة الكتابة التاريخية أو الزخرفية، أو في ربط القوائم والأعمدة بعضها ببعض، وفي صناعة القباب أو تقويتها.
واستعمل الخشب أحيانا في صناعة محاريب منقولة، كالمحاريب الثلاثة المحفوظة بدار الآثار العربية، والواردة إليها من مساجد: الأزهر، والسيدة رقية، والسيدة نفيسة.
وقد وصلت إلينا قطع كثيرة من الخشب ذي الزخارف، أصلها من الأبنية أو قطع الأثاث، وأقدم هذه القطع يرجع إلى القرن الثامن والتاسع الميلادي، وقد وجد في القرافة القديمة بالفسطاط؛ حيث كان يستعمل - بعد كسره من الأبنية والأثاث - لمنع انهيار الأتربة في المدافن.
وطبيعي أن نشاهد التقاليد القبطية في صناعة هذه الأخشاب تتطور شيئا فشيئا لتصبح صناعة إسلامية حقة، فإنه لما كان العرب الفاتحون لا تقاليد فنية عندهم، ولم يكن منهم الفنانون الذين ينافسون الصناع الوطنيين أو يقضون عليهم؛ فقد كانوا من الحكمة والكياسة بحيث أقبلوا على استخدامهم غير عابئين ببقائهم على الدين المسيحي أو باعتناقهم الإسلام.
وقد وصل إلينا من عصر الانتقال (من القرن السابع إلى التاسع) قطع، زخرفتها مكونة من أوراق وعناقيد عنب، وغير ذلك من النقوش العزيزة على الفن الهللينستي، وفنون الشرق المسيحي.
5
وفي دار الآثار العربية قطع من هذا العصر كتب الأستاذ
عن بعضها.
6
وترى في زخارف هذه القطع فروع العنب وعناقيده، وفي القسم الإسلامي من متاحف برلين قطعة من هذا النوع عليها رسوم دقيقة.
7
وتظهر الكتابة الكوفية في هذا العصر، ولكن حروفها لا تصل فيه إلى ما وصلت إليه بعد ذلك من أشكال زخرفية جميلة.
8
ومهما يكن من شيء، فإن تطور الطراز القبطي في صناعة الخشب إلى الطراز الإسلامي البحت يقف في العصر الطولوني، غير قادر على مقاومة تيار آسيوي جارف، ولا غرو فإن الطولونيين قد تأثروا بسامرا وبالفن العراقي في هذا الميدان، كما تأثروا بهما في العمارة وفي زخرفة المباني.
وتملك دار الآثار العربية وبعض المتاحف والمجموعات الأثرية المصرية والأجنبية تربيعات من الخشب الطولوني، مصدرها إما المسجد الجامع أو القصور والأبنية الطولونية، ومن السهل تمييزها؛ لأن ما عليها من زخرفة محفورة بعمق في الخشب، تذكرنا بزخارف الطراز الأول من سامرا (انظر اللوحات رقم
31
و
33 ).
والأخشاب الطولونية تمثل طراز الحفر منحرف الجوانب، وتظهر فيها الصناعة الطولونية التي تخلق زخرفة من بضعة فروع وخطوط حلزونية تغطي الأرضية كلها، ويتجلى فيها الإبداع والبراعة النادرة.
9
وقد يغطي التربيعة من الخشب الطولوني رسم تخطيطي، أو آخر موضوعاته نباتية، تحيط به أشرطة من أقراص صغيرة محفورة، أو فروع مستديرة، أو مربعات، أو أشكال مستطيلة.
وفي متحف اللوفر بباريس قطعة من تربيعة من الخشب يرجع عهدها إلى العصر الطولوني، وتمثل زخرفتها طائرا تقليديا، جناحاه وساقاه على شكل فروع نباتية ونقوش حلزونية الشكل،
10
كما أن في دار الآثار العربية قطعة تمثل زخرفتها عصفورين متقابلين.
11 (انظر اللوحة رقم
32 ).
على أن في الأخشاب الطولونية أحيانا تقاليد قبطية ظاهرة، مما يثبت شيئا من المواصلة والمداومة في الفن المصري، دون إنكار التأثير العراقي الكبير الذي يميز هذا الفن في خلال العصر الطولوني.
وتقودنا إلى هذه النتيجة أيضا التماثيل الخشبية التي اتخذها خمارويه، والتي لا نعرف عنها إلا ما ذكره المقريزي عن وصف «بيت الذهب »، من أن خمارويه «جعل فيه على مقدار قامة ونصف صورا في حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته، وصور حظاياه، والمغنيات اللاتي يغنينه بأحسن تصوير وأبهج تزويق».
12
ولكن عبارة المقريزي لا توضح هل كانت هذه التماثيل بارزة كلها ويمكن فصلها عن الجدران، أو كانت منقوشة عليها بالبارز وتكون جزءا لا يتجزأ منها، ولكن الفرض الأول أكثر احتمالا؛ لأن المقريزي يضيف على عبارته سالفة الذكر أن خمارويه «جعل على رءوس هذه التماثيل الأكاليل من الذهب الخالص الأبريز الرزين، والكودان المرصعة بأصناف الجواهر، وفي آذانها الأجراس الثقال الوزن المحكمة الصنعة، وهي مسمرة في الحيطان، ولونت أجسامها بأصناف أشباه الثياب».
وليس مستحيلا أن تكون هذه التماثيل منقولة عن تماثيل أخرى تحدثنا المصادر التاريخية عن وجودها في سامرا،
13
ولكننا نظن أننا لسنا في حاجة إلى أن نذهب إلى هذا الحد، بينما نستطيع أن نرى النماذج التي يصح أن تكون هذه التماثيل قد أخذت عنها في مصر الفرعونية أو القبطية، ويكفي لترجيح هذا الرأي مشاهدة ما في المتاحف من تماثيل مصرية قديمة من الخشب المنقوش.
14
وفضلا عن ذلك فقد كان في مصر الإسلامية تماثيل قبل إنشاء سامرا، أو على الأقل قبل قدوم ابن طولون واليا عليها.
15
ومهما يكن من شيء فإنه من الخطأ أن نظن أن كنوز مصر الفرعونية كانت مجهولة في العصور الوسطى، ففي اعتقادنا أن أكثر أحاديث الكنوز التي ترد في كتب التاريخ والأدب عن مصر قد تكون اكتشافات أثرية.
بقي علينا أن نشير إلى الأخشاب الطولونية ذات الكتابات؛ فإن للجامع الطولوني طرازا من الخشب تحت السقف بأعلى الجدران، عليه كتابة من آيات قرآنية حروفها من الكوفي البسيط المعاصر لبناء الجامع، وقد نقشت هذه الحروف بارزة في الألواح الخشبية، وليست قطعا منفصلة ومسمرة في الخشب كما ظن كوربت بك.
16
وقد زعموا طويلا أن القرآن كله كان مكتوبا في الأزار، ولكن كوربت بك نفى احتمال ذلك مثبتا من عدد حروف القرآن وطول الأزار أن هذا لا يمكن أن يسع أكثر من 1/ 17 من القرآن الكريم .
17
وكتابات الجامع الطولوني ليس فيها عناصر زخرفية، فهي نموذج مما كان عليه الخط الكوفي قبل تطوره، والمعروف أن الحروف الكوفية لم يكن لها في القرن التاسع الميلادي المسحة الزخرفية التي اكتسبتها في العصور التالية، فإنها كانت لا تزال الحروف المربعة ذات الزوايا، بالرغم من أن الكوفي المشجر ثابت وجوده في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، كما يتبين من شاهد قبر محفوظ بدار الآثار العربية، وتاريخه 243 هجرية / 857م.
18
وفضلا عن ذلك فقد لاحظ فلوري
S. FLURY
استعداد الحروف للتحول إلى زخرفة في كتابة صغيرة تحيط بأحد الشبابيك الجصية المخرمة الموجودة في الجامع الطولوني.
19
وإننا في هذه المناسبة نشير بكلمة موجزة إلى تطور الخط العربي.
في القرن الأول الهجري استعمل في الكتابة على المباني والأحجار والنقود خط مربع ذو زوايا، نسب إلى مدينة الكوفة التي كانت مركزا هاما للحياة العقلية قبل بناء بغداد، بينما استعمل الخط المستدير في الكتابة على الرق، ولعل وجود الزوايا في حروف الخط الكوفي وغيابها في الخط المستدير راجع إلى طبيعة المواد التي اصطلح على أن يستعمل فيها كل منهما، ولكن من المحتمل جدا أن يكون القوم أرادوا أن يجعلوا الكوفي خطا رسميا له المقام الأول، كما يظهر من استعمالهم إياه في كتابة القرآن الكريم حتى على الرق وعلى الورق، بعد انتشار صناعته في الممالك الإسلامية.
وفي القرن الثاني للهجرة يزداد الفرق بين الخطين، وتظهر خصائص كل منهما واضحة جلية، وفي آخر هذا القرن تظهر صناعة الورق، ولكنها لا تنتشر في العالم الإسلامي إلا ببطء، حتى إنها لا تصل إلى مصر قبل منتصف القرن الثالث الهجري.
ومهما يكن من شيء فإن الكتابة المستديرة على الرق والبردي والورق أخذت تتطور في العصور التالية، حتى وصلت من الإبداع ومن الأهمية إلى الدرجة التي بلغتها الآن؛ حيث تعرف بالخط النسخي.
أما الكتابة الكوفية؛ فقد سلكت طريقا سار بها إلى أناقة زخرفية فائقة بما زينت به سيقان حروفها من رسوم نباتية، ونقوش هندسية، ولكن شكل هذه الحروف ما لبث أن بدأ في الاضمحلال والفساد ، حتى اختفت في القرن السابع (الثالث عشر الميلادي).
ولكنها كانت لا تزال في القرن الثالث خالية من أي مسحة زخرفية ظاهرة، وكان طبيعيا أن تتطور لعلاج عيوبها، والخضوع لقواعد الزخرفة الإسلامية التي تتطلب تقسيما متساويا للرسوم والنقوش على الأرضية المراد زخرفتها، فبدأ الخطاطون يملئون بالفروع النباتية المنطقة العليا من الكتابة، كما يظهر في اللوح التذكاري بالجامع الطولوني، وفي شواهد القبور التي ترجع إلى هذا العصر.
20
وفي القرن الرابع الهجري - ولا سيما منذ اعتلى الفاطميون عرش مصر - زاد الميل إلى زخرفة الخط الكوفي، وتزيين سيقان الحروف برسوم وريقات شجر، وبلغ هذا الميل أقصاه في آخر القرن الرابع وفي القرن الخامس.
ولكن بدأت حركة في القرن السادس ترمي إلى استعمال الكتابة المستديرة في نقوش الأبنية، وكان حكم الأيوبيين (1168-1250م) إيذانا بانتصار الخط النسخي.
21
بقي علينا أن نختم الكلام على الخشب الطولوني، أن نشير إلى الأثر الذي كان لصناعته على الأخشاب الفاطمية في القرن التالي
22
كما يتبين من باب جامع الحاكم؛ حيث أكثر التربيعات الخشبية تزينها زخارف نباتية عميقة الحفر، وظاهر فيها تأثير الصناعة الطولونية.
23
الفصل الثالث
الخزف
لا تزال دراسة الخزف الإسلامي صعبة بما فيها من مسائل غامضة، وأخرى كثر حولها الجدل والخلاف مما لا نريد أن نعرض له هنا، فإن أصول هذه الصناعة والتأثيرات المختلفة التي لعبت في تطورها دورا هاما، ولا سيما التأثير الساساني، وتأثير الشرق الأقصى، وكذلك موطن البريق اللامع المعدني
lustre
وأسرار صناعته، كل ذلك درسه مؤرخو الفنون كل على مذهبه، فنحن نريد الآن أن نقتصر على مصر؛ حيث كانت لحفائر دار الآثار العربية في الفسطاط نتائج باهرة، نشرها المرحوم علي بك بهجت والأستاذ فليكس ماسول
FELIX MASSOUL
في مؤلف عنوانه:
La Céramique Musulmane de I’Egypte
يعتبر - بالرغم مما فيه من أخطاء - مجموعة نفيسة من الوثائق الدراسية.
وقد وصف لنا بهجت بك وزميله في كتابهما هذا نوعا من الخزف أرجعاه إلى ما قبل العصر الطولوني، على أن المسحة الأولية في هذا الخزف، والأشكال غير الأنيقة التي تتخذها مصنوعاته، ثم بريقه المعدني غير الواضح، كل هذا يؤيد الذين يزعمون أن الفسطاط لم تكن لها صناعة خزفية حقة قبل العصر الطولوني.
1
وليس هناك من شك في أن الخزف المصري في العصر القبطي كان أقل جودة من الخزف الإسلامي، ولن نبلغ من التعصب لمصر إلى أن نوافق الأستاذ بتلر
BUTLER
فيما ذهب إليه من أن صناعة الخزف ذي البريق المعدني
lustre
كان مهدها ضفاف النيل حيث نشأت، ثم نمت وترعرعت في العصر الإسلامي.
وقد عقد الأستاذ بتلر فصلا شيقا من كتابه: «الخزف الإسلامي»
Islamie Pottery
للكلام عن حالة الفنون المصرية، حين فتح العرب مصر في القرن السابع، وذهب إلى أن هذه الفنون كانت لا تزال حية في آخر العهد الروماني، وأن العرب أخذوا كثيرا من تقاليدها، وختم بتلر الفصل المذكور بالعبارة الآتية:
2
Enough has been said to refute the general theory that towards the end of the roman dominion the fine arts in Egypt were utterly decated or dead. It has been shown, on the contrary, that as a whole they preserved much of their ancient vitality and several instances have been given of art in various forms transmitted in full vigour from the Roman to the Arab epoch.
بيد أنه لا يسعنا إلا أن نلاحظ ضعف حججه كلما تحدث عن الخزف في الفصل المشار إليه، وترك بقية الفنون الفرعية الأخرى كالزجاج والنسج.
ومهما يكن من شيء فإننا لا نملك أي دليل على وجود خزف ذي بريق معدني في الفسطاط قبل القرن التاسع، ولا سيما قبل العصر الطولوني في نهاية هذا القرن، وليست هناك أي قطعة أثرية تثبت يقينا أن ذلك البريق المعدني كان معروفا قبل الإسلام.
3
ويمتاز نوع الخشب الذي ينسبه إلى العهد الطولوني علي بك بهجت والمسيو ماسول في كتابهما سالف الذكر، بأنه أرق طينة من النوع الذي ينسبانه إلى ما قبل العصر الطولوني، كما يمتاز بزخارفه ذات البريق المعدني ذي اللون الأصفر أو الزيتوني على أرضية بيضاء أو «كريم».
ولكن تلك المميزات نفسها هي مميزات خزف عثر عليه في سامرا، وفي الري، وفي سوزا
Suse ، وفي قلعة بني حماد،
4
وفي مدينة الزهراء.
5
وقد يظهر كل ذلك غريبا في بادئ الأمر، ولكنا قد نستطيع تحديد العلاقات بين هذه المراكز الصناعية المختلفة.
أما سامرا فقد كانت - كما رأينا - عاصمة للخلافة العباسية من سنة 836 إلى سنة 883، ويرى الدكتور زرة
DR. SARRE ، والدكتور كونل
DR. KÜHNEL
أن صناعة الخزف ذي البريق المعدني نشأت في العراق، وذهب زرة إلى أن ذلك كان في سامرا نفسها، ولكن كونل لاحظ أننا لم نجد في أطلال سامرا بقايا أفران من خزف أو قطعا أصابها التلف في الأفران، فضلا عن أنه يوجد بين هذا النوع من الخزف الذي ينسب إلى سامرا قطع يرجع تاريخها إلى ما بعد تخريب هذه العاصمة، ومن ثم ذهب كونل إلى أن بغداد كانت موطن هذه الصناعة، ولا سيما أن المصادر التاريخية كثيرا ما تتحدث عن مدينة المنصور كمركز هام لصناعة الخزف والفخار.
6
ولاحظ كونل أيضا أن هناك بين ما نجده في الفسطاط من أنواع الخزف العديدة قطعا لا شك في تبعيتها للنوع الذي ينسب إلى سامرا، واستنبط من ذلك أنها لا بد أن تكون قد استوردت من العراق، بينما نجد في أطلال الفسطاط قطعا أخرى ذات بريق معدني، أكثرها ذو لون واحد، وتمتاز بطينتها التي تميل إلى الاحمرار، وبميناها الرقيقة، وأما زخرفتها فمأخوذة عن زخارف القطع الواردة من العراق.
7
Unter den Tausenden von Lüster-Scherben, die in den Schutthügeln von Alt-Cairo zutage kamen, sondert sich der Samarra- Typus ohne Weiteres ab, Wenigstens für den, der für keramische Eigenart überhaupt Verständnis besitzt. Es gibt keine nachweislich ägyptische Ware, die auch nur annährend denselben Ton uud dieselben Glasuren zeigt, so dass auch hier Import vorliegen muss. Aber die Situation ist insofern von der in Persien verschieden, als hier sogleich eine heimische Fabrikation einsetzt, die die landfremdc Fayence bald verdrängt. Wir begegnen unter den ein wandfrei ägyptischen, stets einfarbig lüstrierten Fragmenten, die einen rötlichen Scherben und an den Ausscnseiten der Gefässe eine auffallend düun gestrichene Glasur zeigen, solchen, die in ihren Motiven unzweifelhaft der importierten Gattung nachgeahmt und allerfrühestens in IX Jahrb. entstanden sind.
وأكبر الظن أن الفضل في نقل هذه الصناعة من العراق إلى مصر راجع إلى ابن طولون، وليس بعيدا أن يكون قد أتى معه من العراق بنماذج من الخزف العراقي، أو بصناع عملوا على إحياء صناعتهم في مصر.
على أن هناك فريقا من العلماء - وعلى رأسهم فنييه
VIGNIER ، وبيزار
، وكيكلان
KOECHLIN
8 - يزعمون أن بلاد إيران - ولا سيما مدينة الري - كانت موطن صناعة الخزف الإسلامية الأولى، وأن الخزف ذا البريق المعدني قد أخذه المصريون في العهد الطولوني عن إيران، إما مباشرة أو عن طريق سامرا، وهم يرون كذلك أن هذا الخزف قد انتقل من العراق إلى شمالي أفريقية وإلى الأندلس، إما مباشرة أو عن طريق مصر.
أما السبل إلى انتقال هذه الصناعة إلى الأنحاء المختلفة في الإمبراطورية الإسلامية فقد كانت طرق التجارة ورحلات الصناع والفنانين.
9
ومهما يكن من شيء فإن الحجج التي يدلي بها الدكتور كونل لإثبات نشأة البريق المعدني
lustre
في العراق أدمغ من حجج غيره من العلماء، حتى إن كثيرين من مؤرخي الفنون الإسلامية يميلون في الوقت الحاضر إلى الأخذ برأيه.
10
ويعتقد علي بك بهجت والمسيو ماسول أنه بالرغم من أن أوجه الشبه كثيرة بين المنسوب إلى سامرا وبين الخزف الطولوني، فإن هذا الأخير له خصائصه، كما أن في زخارف الخزف العراقي شيئا من التكلف، وفي ألوانه تناسقا وتناسبا كبيرا بين الذهبي والأرجواني والبرونزي.
11
ولا ريب في أن هذا يؤيد ما يذهب إليه كونل من أن الخزف العراقي كان يرد من سامرا ويقلد في مصر.
وليس خفيا ما يلاقيه الباحثون من صعوبة في سبيل الوقوف على أسرار صناعة الخزف، وقد حاول علي بك بهجت والمسيو ماسول أن يأتيا بمضمون ما يعرفانه من النصوص العربية في هذا الموضوع كمقدمة لأبحاثهما الخاصة في كتابهما سالف الذكر، على أن النصوص التي عثرا عليها كانت من الناحية الكيميائية الصناعية قليلة الأهمية، وقد عللا ذلك بأن الأصل في تعلم المهن في الشرق إنما كانت التجارب فقط، وأن أسرار الصناعات لم تكن تدون، بل كانت تنقل شفاهيا وعمليا، ومن ثم كانت ندرة النصوص وتشتتها.
ولكن حادثا جديدا في عالم البحث والتأليف يؤذن بتذليل كثير من الصعوبات التي تقف دون دراسة الخزف الإسلامي، ونعني بهذا الحادث: كشف الأستاذ الألماني ريتر
RITTER
مخطوطين من كتاب ألفه بالفارسية في تبريز سنة 700ه / 1301م أبو القاسم عبد الله بن علي بن محمد أبي طاهر القاشاني، وسماه: «جواهر العرايس وأطايب النفايس».
والكتاب المذكور قسمان: يبحث الأول في الأحجار النفيسة والمعادن، وخواص كل منها، وقيمته، ويبحث الثاني في العطور وتركيبها، ولكن ما يهمنا منه بنوع خاص إنما هي خاتمته التي تبحث في صناعة الخزف.
ويزيد في أهمية هذه الخاتمة أن مؤلف الكتاب عالم من قاشان، مركز صناعة الخزف في بلاد إيران، وأنه كتبه في تبريز حيث ازدهرت هذه الصناعة، ولا سيما في نفس العصر الذي صنف فيه الكتاب.
وقد فطن إلى فائدة الخاتمة المذكورة أربعة من العلماء الألمان المشتغلين بدراسة الفن الإسلامي؛ فطبعوها وترجموها إلى الألمانية، وعلقوا على نصوصها في منشورات القسم التركي من المعهد الألماني للآثار في سنة 1935.
12
نعود بعد هذا إلى الخزف الطولوني، فنذكر أن علي بك بهجت والمسيو ماسول يظنان أن في القطع التي يحسبانها طولونية أمارة (ماركة) تميزها، وتتلخص في دوائر ثلاث ذات مركز واحد: في الدائرة الداخلية خطوط لولبية وبقع صغيرة مثلثة الشكل، بينما الدائرة الوسطى مكونة من خط سميك، والدائرة الخارجية من خط رفيع، وهذه الدوائر ذات المركز الواحد موزعة بطريقة نظامية زخرفية، وتفصلها أرضية تزينها خطوط صغيرة متوازية أو مقوسة قليلا، وفيها بقع صغيرة مستديرة.
13
ولكن في اعتقادنا أن في اعتبار هذه الزخرفة أمارة للخزف الطولوني شيئا من الغلو؛ فإن هناك خزفا طولونيا ليست فيه هذه الزخرفة، أو فيه زخارف أخرى،
14
أو عليه زخرفة كتابية،
15
فضلا عن أن علي بك بهجت والمسيو ماسول لاحظا أن هذه الزخارف التي يحسبانها إشارة للخزف الطولوني موجودة على صور قبطية بالمتحف المصري.
16
أما رسوم الحيوانات على الخزف الطولوني فتقليدية جدا، كما أن الرسوم الآدمية ليست إلا رسوما أولية تحددها بضعة خطوط، والعيون فيها مستديرة أو لوزية الشكل، بينما الأنف يمثلها خطان عموديان متوازيان ينتهيان بدائرة تمثل الفم إن لم يكن هناك خط صغير يمثله، والزخرفة النباتية مكونة من أغصان نخل وأوراق شجر مدببة.
وفي أكثر القطع الخزفية الطولونية خط يحيط بالزخارف الرئيسية، فيكون منطقة تزين ما يخرج عنها بقطع ثلاثية الشكل، أو دوائر صغيرة في وسط كل منها نقطة.
17
وفي بعض القطع الطولونية زخارف تمثل أشخاصا لهم قبعات مدببة فارسية الأصل،
18
وقد كتب الأستاذ بيزار
M. PÉZARD
عن قطعة عليها إنسان يحمل علما.
19
وفي دار الآثار العربية صحنان من خزف ذي بريق معدني قد يكونا استوردا من العراق، أو صنعا في الفسطاط في أواخر القرن التاسع الميلادي تقليدا للخزف العراقي في سامرا، أما الصحن الأول؛ ففيه زخارف هندسية صفراء وسمراء، وعلى أرضيته البيضاء النقط المعروفة في زخرفة الخزف العراقي بسامرا،
20
بينما تمثل زخارف الصحن الثاني قاربا صغيرا بأدواته ومقاذيفه وأعلامه، وتحته رسوم ثلاث سمكات تجري في الماء (انظر اللوحتين رقمي
25
و
26 ).
هذا وقد كان في مصر بطبيعة الحال إلى جانب صناعة الخزف ذي البريق المعدني صناعة الفخار غير المطلي على النحو الذي عرف على ضفاف النيل منذ قديم الزمان، والذي لا يزال معروفا حتى اليوم.
ولن يفوتنا قبل أن نختم هذا الفصل أن نشير إلى أن المسيو أولمير
OLMER
نسب إلى العصر الطولوني - في كتابه عن شبابيك القلل بدار الآثار العربية - نوعا منها أسماه مؤقتا: الطراز الأول، ويشمل شبابيك فتحاتها تكون زخارف تشبه الزخارف الطولونية على الخشب.
21
الفصل الرابع
التصوير
ليس هنا مجال الحديث عن الصور الحائطية في قصير عمرا أو في سامرا؛ فإن البنائين والفنانين الذين شيدوا بشرق الأردن في القرن الثامن ذلك الإيوان الذي يعرف باسم: قصير عمرا - ليتخذه أحد الخلفاء الأمويين مقرا للهوه وراحته - كانوا سوريين أثرت فيهم التقاليد الصناعية والأساليب الفنية البيزنطية التي كانت تسود في سوريا منذ زمن طويل، وإن كانوا من ناحية أخرى قد تأثروا ببعض عناصر الفن الإسلامي وبالوسط الشرقي الذي كانوا يعيشون فيه، وببعض الأساليب الفنية الساسانية التي كانت موجودة في هذا الوسط الشرقي.
1
وكذلك الخلفاء العباسيون الذين نقشت لهم في قصورهم بسامرا في القرن التاسع الصور الحائطية البديعة التي لم يصل إلينا منها - لسوء الحظ - إلا ما عثرت عليه البعثة الألمانية في حفرياتها، وكتب عنه الدكتور هرتزفلد
2
نقول إن هؤلاء الخلفاء العباسيين استخدموا فنانين غير مسلمين، أو فنانين مسلمين أخذوا جل أسرار صناعتهم وثقافتهم الفنية عن إيران، وعن بلاد المسيحية الشرقية.
وأكبر الظن أن فن تصوير الكتب وتذهيبها ظهر في العراق في خلال القرن التاسع الميلادي، ولكن شرح ذلك كله لا يدخل في دائرة هذا البحث.
3
وعلى كل حال، فبالرغم مما نراه في المصادر الأدبية والتاريخية من إشارة إلى كتب مصورة في القرنين التاسع والعاشر؛ فإن أقدم ما نعرفه من الصور المصغرة في الكتب
miniatures
يرجع إلى آخر القرن الثاني عشر، والنصف الأول من القرن الثالث عشر، وينسب إلى مدرسة بغداد.
وقد ذهب الأستاذ ساكسيان إلى أن صورا في مخطوط من كليلة ودمنة بمكتبة يلدز بإستانبول ترجع إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر، وتنسب إلى مدرسة في شرقي إيران،
4
ولكن أكثر مؤرخي الفن الإسلامي لا يقرونه على هذا الرأي، بل يعتقدون أن الصور المذكورة لا يمكن إرجاعها إلى ما قبل القرن الرابع عشر.
5
ومهما يكن من شيء، فإن الصور المذكورة وتلك التي تنسب إلى مدرسة بغداد مصدرها سورية أو العراق أو إيران، ومن ثم ظن القوم طويلا أن فن التصوير لم يزدهر إلا في تلك الأقاليم، متأثرا بالتعاليم الفنية التي أخذها العرب عن المانويين واليعاقبة والصينيين، وظلوا لا يفكرون في مصر كمهد لمدرسة من مدارس التصوير الإسلامي، حتى كان الاكتشاف المشهور في الفيوم، ذلك الاكتشاف الذي أثبت وجود صور مصغرة إسلامية ترجع إلى آخر القرن التاسع، وإلى القرنين العاشر والحادي عشر، وهي محفوظة الآن في المكتبة الأهلية بفينا، وقد كتب عنها الأستاذ جروهمان
GROHMANN ، وعلق عليها تعليقا علميا وافيا.
6
ولكنا نود قبل أن نبدأ في درس هذه الصور أن نقول كلمة عما يسمونه تحريم التصوير في الإسلام؛ فقد زعم كثيرون من المستشرقين ومؤرخي الفنون الجميلة أن القرآن حرم رقم الصور وصناعة التماثيل، ولكن نظرة في الكتاب الكريم وفي كتب التفسير وفي أسباب النزول كافية لأن تثبت أن هذا الزعم باطل لا أساس له.
وبالرغم من أن الأستاذ أرنولد في كتابه عن التصوير في الإسلام عقد فصلا طويلا للحديث عن هذا الموضوع، وأثبت بطلان ما يزعمه هؤلاء المستشرقون؛
7
فإن فرنسيا قديرا من علماء الآثار الإسلامية كتب في مؤلف حديث له أن القرآن لم يحرم إلا تصوير ما له ظل، وبالحري: عمل التماثيل.
8
وقال فريق من المستشرقين: إن تحريم التصوير في الإسلام إنما جاء في الحديث، وما كنا نعترض على هذا القول لولا أن أصحابه ذهبوا إلى أن الشيعة لا تحترم هذا الحديث؛ ولذا ازدهرت صناعة التصوير في فارس حيث يسود المذهب الشيعي.
9
وهذا باطل لا أساس له؛ فإن النحت والتصوير مكروهان عند علماء الشيعة كرههما عند أهل السنة ، وإن كان الشيعيون لا يعترفون بما لدى السنيين من كتب الحديث، فإن لهم كتبا خاصة تشمل ما يعترفون به من أحاديث النبي عليه السلام، وفيها ما يوجد في كتب أهل السنة من نهي عن التصوير، وإنذار للمصورين بأنهم سوف يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا في صورهم الروح، وليسوا بنافخين.
10
فالمسلمون من سنيين وشيعيين مجمعون على كراهية النحت وتصوير الأحياء؛ لما فيهما من تقليد الخالق عز وجل، ولما ورد في الحديث من أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا تصوير، ومن أن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون، ومن أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم ... إلخ.
ومهما يكن من شيء فإن كراهية التصوير لم تكن وقفا على الإسلام،
11
وهي فيه يمكن تفسيرها بنهي النبي
صلى الله عليه وسلم
عن نحت التماثيل وعمل الصور؛ رغبة منه في أن يبعد أتباعه عن كل ما من شأنه أن يقربهم لعبادة الأوثان.
12
نعود الآن إلى الصور المصرية التي نشرها الأستاذ جروهمان:
وأقدم هذه الصور واحدة في مخطوط بقي منه ورقتان: اليمنى منهما في وجهها آثار أربعة أسطر بالعربية، وفي ظهرها آثار اثني عشر سطرا، بقيتها أربعة أسطر في الورقة اليسرى، وتحت هذه الأسطر الأربعة شجرة مرسومة بألوان حية، وفيها فواكه قرمزية اللون، وعلى جانبي الشجرة تلين مدرجين يذكران بالمنارة الملوية في جامع سامرا، وبمنارة الجامع الطولوني.
وقد ذهب الأستاذ جروهمان استنادا إلى نوع الكتابة في هاتين الورقتين إلى أن الصورة ترجع إلى آخر القرن التاسع، أو إلى القرن العاشر الميلادي.
ولاحظ أيضا تركيبها الأولي، وما في رسمها وألوانها من أساليب تذكرنا أيضا بالفن المصري القديم.
13
ورأى فريمل
FRIMMEL
أن الصورة المذكورة ترجع إلى القرن العاشر، ولكنا نظن أن فيها من خصائص الفن الطولوني ما يجعلنا نرجح أنها ترجع إلى آخر القرن التاسع.
وهناك وثيقة أخرى عليها مسحة طولونية أكثر وضوحا، وتتكون هذه الوثيقة من خمس قطع من الورق إذا جمعت صارت ورقة أبعادها 14 × 16 سنتيمترا، وظهر هذه الورقة عليه نص في أربعة عشر سطرا، بينما وجهها عليه نص آخر من ثلاثة أسطر وخمسة، بينهما رسم سيدة ذات شعر طويل، وأمامها رجل جاث على ركبتيه، وهذا النص جزء من الفصل السادس والأربعين من كتاب في الحب والجماع، ويصف باختصار المنظر الذي توضحه الصورة.
14
والأستاذ جروهمان يقارن تركيب هذه الصورة بالمعروف من التصوير القبطي والحبشي، ويظن أن راقم هذه الصورة كان لديه نموذج له علاقة بورق البردي المحفوظ الآن بمتحف تورين، والمشهور بما به من أبحاث في موضوعي الحب والجماع ترجع إلى الدولة الفرعونية الحديثة.
15
وعلى كل حال فإننا نلاحظ أن طريقة رسم الأشخاص في هذه الصورة تشبه كثيرا الطريقة التي نراها على الخزف الطولوني.
وقد نشر الأستاذ جروهمان صورة أخرى وجدت في الأشمونين، وهي الجزء الأيسر من ورقة من المحتمل أن تكون جزءا من كتاب نوادر وحكايات مصورة، وتظهر في النصف الأيسر من الصحيفة صورة رجل ذي لحية كثة، وفي النصف الأيمن زخرفتان يحدهما خط مرسوم بالمسطرة، والزخرفة الأولى حلزونية تشبه كثيرا الزخرفة الموجودة على قطعة الخشب الطولونية المحفوظة بمتحف اللوفر، والزخرفة الثانية من أشكال هندسية ونباتية تشبه الزخارف المرسومة على باطن أحد الأقواس في الجامع الطولوني.
16
ونشر الأستاذ جروهمان بعض أوراق أخرى عليها زخارف عراقية وطولونية، ويمكن إرجاعها إلى آخر القرن التاسع أو أوائل القرن العاشر، كما أن في دار الآثار العربية أوراقا أخرى صغيرة، قد يمكن إرجاع بعضها إلى التاريخ المذكور.
وفي مجموعة المسيو رالف هراري بك صورة ليست - لسوء الحظ - في حالة جيدة من الحفظ، ولكن في استطاعتنا أن نتبين فيها صورة إنسان في يده كأس خمر، وبجانبه بعض أواني النبيذ، وفي ملابسه زخارف بعضها عليه مسحة طولونية ظاهرة تتجلى أيضا في الزخارف الموجودة على أواني النبيذ، مما يجعلنا نرجح أن هذه الصورة ترجع إلى آخر القرن التاسع، أو إلى أول القرن العاشر الميلادي (انظر اللوحة رقم
36 ).
بقي علينا أن نشير إلى أن الأستاذ جروهمان يرجع إلى العصر الطولوني «جلد كتاب» من خشب الأرز، عليه فسيفساء من العاج والعضم، ومحفوظ الآن جزء منه بالقسم الإسلامي من متاحف برلين، ويستند جروهمان في رأيه هذا إلى الزخارف الموجودة على هذا اللوح الخشبي،
17
ولكن في اعتقادنا أن هذه الزخارف ليس فيها أي مسحة طولونية ظاهرة؛ ولذا نفضل أن نرجع هذه القطعة إلى القرن العاشر، وهو رأي الهيئات الفنية في متحف برلين نفسه.
18
ومهما يكن من شيء، فإننا لا نظن أن تلك القطعة من الخشب جلد كتاب كما ذكر الدكتور جروهمان؛ بل نرجح أنها جزء من صندوق، وهي على كل حال تشبه قطعة بدار الآثار العربية عثر عليها بجهة عين الصيرة وعليها أيضا فسيفساء من العاج والعضم.
19
خاتمة
تكلمنا في الفصول السابقة عن المنسوجات والخشب والخزف والتصوير، ولا ريب أن في ميدان الفن الإسلامي المصري فروعا أخرى، ولكنا لا نستطيع أن نطيل القول؛ فإن ما نعرفه عن فجر الفنون الإسلامية في وادي النيل ليس فيه من الحقائق الملموسة أكثر مما ذكرنا.
على أن صناعة المعادن كانت في مصر الفرعونية مزدهرة كل الازدهار، ونسج القبط على منوال أسلافهم، وليس هناك ما يدعو إلى أن نعتقد أنهم تركوا هذه الصناعة في القرون الأولى بعد الفتح الإسلامي،
1
ولكنا - لسوء الحظ - لم يصل إلينا شيء من مصنوعاتهم المعدنية قبل ظهور طراز إسلامي بحت في العصر الفاطمي.
وأما إبريق البرونز الذي كشف في الحفريات الألمانية في أبي صير الملق، والمحفوظ الآن بدار الآثار العربية؛ فإنه يرجع إلى القرن السابع، ولكنه ساساني الصناعة والزخارف.
2
ولا ريب أن صناعة أخرى لقيت في العهد الطولوني رواجا كبيرا، ونقصد صناعة الأسلحة التي كانت لازمة للجند ولحرس الأمير، والتي كانت المصانع الحكومية تصنع جزءا كبيرا منها بالرغم من وجود صناعة أهلية زاهرة.
وقصارى القول إننا إذا صدقنا المؤرخين العرب؛ فإنه من الصعب ألا نتصور تقدما كبيرا في صناعة المعادن في خلال العصر الطولوني، فضلا عن أن دقة الصناعة وجمال المصنوعات في زمن الفاطميين يجعلنا نعتقد أنها كانت في ذلك الوقت ذات تقاليد ثابتة وماض مجيد.
أما النقود في مصر قبل العصر الطولوني فليس هناك شيء خاص يمكننا ذكره عنها، والمعروف أن الولاة كانوا يتخذون من الدراهم والدنانير
3
ما تتخذه العاصمة في بلاد العرب، وقد كانت الدولة الإسلامية في أول أمرها تستعمل النقود الساسانية والبيزنطية، وظل الحال على هذا المنوال حتى أوائل العصر الأموي حين بدأ الخلفاء في ضرب دنانير ذهبية إسلامية.
4
وفي المتاحف والمجموعات الأثرية بعض قطع من النقود الطولونية، وفي الرسالة التي كتبها المقريزي عن النقود أحاديث عن النقود الطولونية، بعضها أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة التاريخية، وعلى كل حال فهو يؤكد أن دنانير ابن طولون كانت من الصفاء بحيث استعملت خاصة للتذهيب.
5
ولا نظن أن صناعة الزجاج أهملت في العصر الإسلامي؛ فإنه فضلا عن عمل الأوزان الزجاجية
6
والخواتم والأختام التي كان يطبع بها على الأواني لبيان أحجامها المختلفة، كان المصريون لا يزالون محتفظين بأكثر ما عرفه أجدادهم من أسرار صناعة الزجاج.
7
على أن الظاهر أن المركز الرئيسي لهذه الصناعة أصبح بعد الفتح العربي مدينة الفسطاط، بعد أن كان قبله في الإسكندرية.
وقد عثرت دار الآثار العربية في حفرياتها بأطلال الفسطاط على قطع من الزجاج القديم، سيأتي الكلام على أكثرها في الجزء الثاني من كتابنا هذا؛ لأن أقدمها يرجع إلى العصر الفاطمي.
وقد حصل متحف اللوفر في العام الماضي على قنينة عليها زخرفة طولونية ظاهرة تشبه كثيرا الزخارف الطولونية المحفورة على الخشب، أو التي أشرنا إليها عند الكلام عن العمارة الطولونية وزخرفة المباني، كما أن في دار الآثار العربية بعض قطع عليها مثل هذه الزخارف الطولونية الظاهرة (انظر اللوحة رقم
37 ).
وكذلك في متحف المتروبوليتان بنيويورك قنينتان قديمتان وجدتا في سامرا
8
بين الزجاج الكثير الذي ظهر في حفائر الدكتور زره والدكتور هرتزفلد.
9 •••
وهنا نصل إلى نهاية المرحلة في كلامنا عن فجر الفنون الإسلامية في مصر، وعن تطورها حتى نهاية العصر الطولوني، وقد رأينا أن رجال الفنون والصناعات في القرنين الأول والثاني بعد الهجرة كانوا من المصريين الوطنيين، سواء في ذلك من اعتنق منهم الإسلام ومن ثبت على المسيحية ،
10
وقد واصلوا جميعا السير على تقاليد الفن المصري التي كانت قد تطورت على مر العصور؛ حتى أصبحت في العصر القبطي مزيجا أثرت فيه الفنون البيزنطية والساسانية وغيرها أثرا كبيرا.
وكما عمل الوطنيون في الحياة الاجتماعية على مسالمة العرب الفاتحين وإرضائهم، فإن الصناع منهم ما لبثوا أن بدأوا تطورا منتظما، كان أهم عوامله إرضاء المسلمين والتحبب إليهم، وإنتاج ما يوافق ميولهم وتعاليم ديانتهم. وتأثر المصريون بالشعبين الآخرين اللذين كان يتألف منهما العالم الإسلامي: أي بالإيرانيين وبالترك، وأخذ هذا التأثير في الظهور شيئا فشيئا في الحياة الاجتماعية، وفي الفنون المختلفة على ضفاف النيل.
وكانت مصر في العصر الطولوني متأثرة كل التأثير بالفن العراقي في مدينة سامرا التي كانت بدورها أكثر تأثرا بالفرس وبالترك من أي عاصمة إسلامية أخرى.
بيد أنه عندما استولى الفاطميون على عرش مصر بعد ذلك بنحو ستين سنة 969م، بدأ في الظهور على ضفاف النيل فن إسلامي فيه جمال، وفيه تقاليد مصرية وأساليب مختلفة ستكون موضوع دراستنا في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
المراجع
كتاب البلدان: لليعقوبي، (الجزء السابع من المكتبة الجغرافية العربية، طبع
DE GOEJE
سنة 1892).
كتاب المكافأة: لأحمد بن يوسف، المعروف بابن الداية.
الولاة والقضاة: للكندي (طبع
GIBB MEMORIAL SERIES ).
الانتصار لواسطة عقد الأمصار: لابن دقماق (لم يظهر منه إلا الجزءان الرابع والخامس).
المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار: للمقريزي (طبع بولاق).
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لأبي المحاسن بن تغري بردي (دار الكتب المصرية).
حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة: للسيوطي.
الخطط التوفيقية: لعلي باشا مبارك.
حفريات الفسطاط: للمرحوم علي بك بهجت، ومسيو ألبير جبرييل (طبع دار الكتب المصرية).
تاريخ ووصف الجامع الطولوني: للأستاذ محمود عكوش.
الإسلام والحضارة العربية: لمحمد كرد علي.
جامع سيدنا عمرو بن العاص: للأستاذ يوسف أحمد.
جامع أحمد بن طولون: للأستاذ يوسف أحمد.
القاهرة: للملازم الأول عبد الرحمن أفندي زكي.
فتح العرب لمصر: تأليف بتلر، وترجمة الأستاذ محمد فريد أبو حديد.
فجر الإسلام: للأستاذ أحمد أمين.
ضحى الإسلام: للأستاذ أحمد أمين.
تاريخ عمرو بن العاص: للدكتور حسن إبراهيم حسن.
دليل المتحف القبطي: لمرقص سميكة باشا.
المنسوجات الإسلامية: للدكتور زكي محمد حسن (عدد 102 من مجلة الرسالة، بتاريخ 17 يونيه سنة 1935).
أثر الفن الإسلامي في فنون الغرب: للدكتور زكي محمد حسن (عدد 93 من مجلة الرسالة بتاريخ 15 أبريل سنة 1935).
التصوير عند الفرس: للدكتور زكي محمد حسن (يظهر قريبا).
بيان تاريخي عن جامع ابن طولون: للأستاذ محمود أحمد.
انتشار الخط العربي: لعبد الفتاح عبادة.
جامع عمرو بن العاص: للأستاذ محمود أحمد (يظهر قريبا).
AHLENSTIEL-ENGEL, ELISABETH:
Arabische kunst , Breslau 1923.
ALY BEY BAHGAT:
Les forêts en Egypte , (Mem. Inst. Egypt. 1900). ---
Les manufactures d’étofje en Egypte au Moyen Age , (Bull. Iust. Egypt 6 Avril 1903. ---& GABRIEL:
La céramique musulmane de I’Egypte , 1930.
ARNOLD, TH.:
Islam , Oxford 1928. ---& GROHMANN, A.:
The Islamic book , London 1929.
BECKER:
Beiträge zur Gechichle Aegyptens unter dem Islam , Strassburg 1902-1904.
BELL, G. L.:
Ukhaidir , Oxford 1914. ---
Amurath to Amurath , London 1911.
BENOIT, F.:
L’architecture, L’Orient médiéval et moderne , Paris 1912.
BOSCO, R. VELAZQUEZ:
Medina Azzahra y alamiriya , Madrid 1912.
BOURGOIN, J.:
Les Arts Arabes , Paris 1873.
BRIGGS, M. S.:
Muhammadan Architecture in Egypt and Palestine , Oxford 1924.
BUTLER:
Islamic Pottery , London 1926.
CASANOVA, P.:
Essai de reconstitution topographique de la ville d’al-Foustat ou Misr (MéM. de I’Instit Françe. d’Arch. Or. vol. XXXV)
CORBETT BEY:
The Life and Works of Ahmed ibn Tulun , Journal of the Royal Asiatic Society 1891.
COSTE, P.:
Architecture Arabe ou Monuments du Caire , Paris 1834.
CRESWELL:
Early Muslim Architecture , Oxford 1932. ---
A Brief Chronology of the Muhammadan Monuments of Egypt . ---
Some Newly discovered Tulunid Ornaments (Burlington Magazine 1926.) ---
The EvoLution of the Minaret with Reference to Egypt (Burlington Magazine 1926.)
DENISON ROSS:
The Art of Egypt through the Ages , edited by Sir Denison Ross, London 1931.
DEVONSHIRE, MME. R. L.:
L’Egypte musulmane et les fondateurs de ses monuments , Paris 1926. ---
Rambles in Cairo , le Caire 1917. ---
Quatre-vingts mosquées et autres monuments musulmans du Caire , le Caire 1925.
DIEZ, E.:
Die Kunst der Islamischen völker , Berlin 1917.
DIMAND, M.S.:
A Handbook of Mohammedan Decorative Arts , NewYork 1930.
DOBRÉE, B.:
Arabic Art in Egypt , Burlington Magazine 1920.
DUSSAUD, R.:
Les Arabes en Syrie avant L’Islam , paris 1907.
Enani, Ali:
Beurteilung der Bilderfrage in Islam nach der Ansicht eines Muslim , Berlin 1918.
ENCYCLOPÉDIE DE L’ISLAM,
en cours de publication depuis 1908 .
FAGO, V.:
Arte Araba , Roma 1909.
FALKE, OTTO VON:
Kunstgechichte der Seidenweberei , Berlin 1913.
FLEMMING, E.:
Textile Kunste .
FLURY, S.:
Samarra und die Ornamentik von Ibn Tulun , (der Islam 1913).
FOUQUET, D.:
Contribution à l’étude de la céramique orientale , le Caire 1900.
FRANZ PASCHA:
Die Baukunst des Islam , Darmstadt 1887.
GABRIEL ROUSSEAU:
L’Art décoratil musulman .
GAYET, A.:
L’Art Arabe , Paris.
GLAZIER, R.:
Historic Textiles Fabrics .
GLÜCK UND DIEZ:
Die Kunst des Islam , Berlin 1925.
HAUTECOEUR ET WIET:
Les Mosquées du Caire .
HERZ BEY, MAX:
Catalogue raisonné des monuments exposés dans le Musée national de L’art arabe .
HERZFELD, E.:
Die Genesis der islamischen Kunst und das Mschatta Problem (der Islam 1910). ---
Erst vorläufiger Bericht über die Ausgrabungen von Samarra , Berlin, 1912. ---
Der Wandschmuck der Bauten von Samarra und seine Ornamentik , Berlin 1923. ---
Die Malereien von Samarra , Berlin 1927.
HOBSON, R.:
A Guide to the Islamic pottery of the Near East , British Museum 1932.
KENDRICK, A.:
Catalogue of Muhammedan Textiles of the Medieval Period , Victoria & Albert Museum 1924.
KOECHLIN, R.:
La céramique musulmane de Suse au Musée du Louvre , 1929. ---
A propos de la céramique de Samarra , (Syria 1926).
KÜHNEL, ERNST:
Islamische Kleinkunst , Berlin 1925. ---
Die Islamische Kunst, Springer Handbuck der Kunstgeschichte Band VI , Leipzig 1929. ---
Minialutmalerei im islamischen Orient , Berlin 1922. ---
Islamische Stofte aus ägyptischen Gräbern in der islamischen Kunstabtei lung und in der Stoftsammlung des Schlossmuseums , Berlin 1927. ---
Kritische Bibliographie: Islamische Kunst 1914-1927 (der Islam, 1928). ---
Die Abbasiden Lüsterfayencen (Ars Islamica I, p. 149-159).
KÜHNEL, ERNST:
Beitäge zur Kunst des Islam, Feslschrilt fär Friedrich Sarre zur Vollendung seines 60 Lebensjahres (Jahrbuch der asiatischca Kunst , Band 2, 1925) Herausgegeben von E. KÜHNEL.
LAMM, J.:
Das Glas von Samarra , Berlin 1928.
LANE-POOLE, S.:
History of Egypt in the Middle Ages , London 1925. ---
The Art of the Saracens in Egypt , London 1886. ---
Cairo, Sketches on its History, Monuments, and Social Life , London 1892.
MARÇAIS, G.:
Manuel d’art musulman , 2 vols, Paris 1926-27. ---
Les faiences à reflets métalliques de la grande mosquée de kairouan , 1929.
MARCEL, J.:
L’histoire d’Egypte , Paris 1848.
MARGOLIOUTH:
Cairo, Jerusalem & Damascus , London 1907.
MARTIN, F.:
The Miniature Painting & Painters il Persia, India and Turkey , 2 vol. 1912.
MASSIGNON, L:
Les Méthodes de réalisation artistique des peoples de L’Islam , (Syria 1921).
MIGEON, G.:
Manual d’art musulman , 2 vols. Paris 1927.
Cat. Gén. du Musée Arabe, Les bois sculptés .
La céramique archaique de L’Islam , 2 vols, 1920.
REUTHER, O.:
Ocheider, Leipzig , 1912.
RICHMOND:
Moslem Architecture , London 1920.
RIVIÉRE, H.:
La céramique dans L’art musulman , 2 vols. Paris 1914.
SAKISIAN, A.:
La miniature persanc du XII au XVII siécle , Paris 1929.
SALADIN, H.:
Manual d’art musulman, I’architecture , Paris 1907.
SALMON, G.:
Etude sur la topographic du Caire (M. M. Inst. Fr. Arch. Or.) vol. VII.
SARRE, F.:
Die Keramik von Samarra , Berlin 1925.
SARRE UND HERZFELD:
Archäologische Reise im Euphrat-und Tigris-Gebiet , Beriln 1911-1920.
STRZYGOWSKI, J.:
Altai-Iran und Völkerwanderung , Leipzig 1917. ---
Die Bildende Kunst des Ostens , Leipzig 1916.
TARCHI, UGO:
L’Architettura e I’arte Musulmana in Egitto et nella Palestina , Torino 1922.
VAN BERCHEM:
Carpus inscriptionum Arabicorum, 1
ere
partie, Egypte (Mém. Miss. Archéol. Fr. Du Caire vol. XIX).
WEILL, J.-D.:
Cat. Gén. du Musée Arabe, Les bois à épigraphes .
WIET, G.:
d’Egypte , tome II, le Caire 1932. ---
Album du Musée arabe du Caire , 1930. ---
L’éxposition persane de 1931 , le Caire 1933. ---
Voir
HAUTECOEUR ET WIET. ---
L’éxposition d’art persan à Londres (Syria 1932).
ZAKY MOHAMED HASSAN:
Les Tuhmides, étude de I’Egypte musulmane à la fin du IX siècle , Paris 1933.
اللوحات
اللوحة رقم 1
شكل 1: زخارف جصية من بيت ساساني، في أم الزعاطر (متاحف برلين)، القرن السادس أو السابع الميلادي.
اللوحة رقم 2
شكل 2: زخارف جصية من سامرا (متاحف برلين) طراز «أ»
A ، القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 3
شكل 3: زخارف جصية من سامرا (متاحف برلين) طراز «ب»
B ، القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 4
شكل 4: زخارف جصية من سامرا (متاحف برلين).
اللوحة رقم 5
شكل 5: زخارف جصية من سامرا (متاحف برلين) طراز «د»
D ، القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 6
شكل 6: صحن الجامع الطولوني ووجهة رواقين منه سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 7
شكل 7: منارة الجامع الطولوني ووجهة إيوان فيه سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 8
شكل 8: منظر الإيزار وبعض البوائك بالمسجد الطولوني قبل عمل السقف الحالي سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 9
شكل 9: رواق بالمسجد الطولوني سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 10
شكل 10: اللوح التاريخي في الجامع الطولوني.
اللوحة رقم 11
شكل 11: محراب بالجامع الطولوني.
اللوحة رقم 12
شكل 12: محراب بالجامع الطولوني.
اللوحة رقم 13
شكل 13: زخارف جصية في محراب من بيت طولوني (حفريات دار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 14
شكل 14: زخارف جصية من بيت طولوني (حفريات دار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 15
شكل 15: زخارف جصية من بيت طولوني (حفريات دار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 16
شكل 16: زخارف جصية من بيت طولوني (حفريات دار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 17
شكل 17: زخرفة جصية من بواطن العقود في الجامع الطولوني سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 18
شكل 18: زخرفة جصية من بواطن العقود بالجامع الطولوني سنة 879 ميلادية.
اللوحة رقم 19
قناطر ابن طولون.
شاهد من حجر جيري مؤرخ سنة 31ه /652م.
شكل 19
اللوحة رقم 20
شاهد من رخام مؤرخ سنة 243ه /858م، وحروفه تزينها زخارف كثيرة وعليه إمضاء مبارك المكي.
شاهد من رخام مؤرخ سنة 243ه/857م، وخطه كوفي كثير البروز، وفي بعض حروفه زخارف.
شاهد من رخام مؤرخ سنة 243ه /857م، وكتابته منقوشة على سطوح لوح منحوت بالإزميل، ونهايات حروفه مزخرفة.
شكل 20
اللوحة رقم 21
قطعة قماش من عمامة باسم سمويل بن موسى، مؤرخة سنة 88هجرية (707م).
شكل 21
اللوحة رقم 22
شكل 22: قطعة قماش باسم الأمين الخليفة العباسي (بدار الآثار العربية)، سنة 809-813م.
اللوحة رقم 23
شكل 23: قطعتا قماش من الكتان ترجعان إلى العصر الطولوني.
اللوحة رقم 24
شكل 24: صحن من خزف ذي بريق معدني (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 25
شكل 25: صحن من خزف ذي بريق معدني (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 26
شكل 26: صحن من خزف ذي بريق معدني، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 27
شكل 27: قطع من الخزف الطولوني (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 28
شكل 28: قطع من الخزف الطولوني أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 29
شكل 29: خشب عليه زخارف ترجع إلى القرن الثامن الميلادي.
اللوحة رقم 30
قطعتا خشب ملصوق عليهما زخارف من جلد القرن التاسع الميلادي.
قطعة من خشب عليها كتابات من العصر الطولوني.
شكل 30
اللوحة رقم 31
شكل 31: أخشاب طولونية (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 32
شكل 32: أخشاب طولونية (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 33
شكل 33: أخشاب طولونية (بمتاحف برلين)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
اللوحة رقم 34
شكل 34: لوح خشب عليه زخارف من فسيفساء من العاج والعضم (بمتاحف برلين)، أواخر القرن التاسع أو أوائل القرن العاشر الميلادي.
اللوحة رقم 35
شكل 35: لوح خشب عليه زخارف من فسيفساء من العاج والعضم (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع أو أوائل القرن العاشر الميلادي.
اللوحة رقم 36
شكل 36: صورة رجل في يده كأس (مجموعة المسيو رالف هراري بك)، أواخر القرن التاسع أو القرن العاشر.
اللوحة رقم 37
شكل 37: قطع من زجاج عليها زخارف طولونية (بدار الآثار العربية)، أواخر القرن التاسع الميلادي.
Shafi da ba'a sani ba