ولإيضاح هذه النقطة نضرب القمر مثلا؛ فهو فيما يدور حول الأرض لا يرسم في الجو الشمسي دائرة كاملة - كما يرسم في الجو الأرضي - بل يرسم دائرة حلزونية؛ لأن الأرض تسير به حول الشمس؛ فلا يتم دورة حول الأرض إلا وقد انتقلت الأرض به ملايين الأميال، فدورته الثانية في حيز آخر، ومع ذلك ليست في دائرة تامة، بل في خط لولبي، وفيما هو يدور في الخط اللولبي حول الشمس تكون الشمس نفسها دائرة مع سياراتها في كوكبتها العنقودية، فتجعل سيره في الفضاء في خط لولبي مركب معقد، وكذلك دورة الكوكبة العنقودية في قرص المجرة تزيد تعقد دورة القمر في الفضاء، كما أن دورة المجرة في الكون الأعظم تضاعف ذلك التعقد في خط سير القمر وسير الأرض وسير الشمس ... إلخ.
أضف إلى هذا التركيب الدوراني المعقد تعقيدا آخر ناجما عن توسع أفلاك الأجرام من صغيرها إلى كبيرها في دورانها، فما من جرم إلا وفلكه يتسع - في الغالب - في كل دورة بعد أخرى بحيث يبتعد عن مركزه «وفي بعض الأحوال يضيق»، فالأرض لا تدور في نفس فلكها كل عام، بل في فلك أوسع قليلا، وفي رأي بعضهم أن قطر فلكها يزداد في العام مترا واحدا، وعلى تمادي الأعقاب قد تشرد الأرض عن شمسها، وهكذا شأن كل قمر وسيار وكل نجم وكل عنقود وكل مجرة؛ فالكون بحسب رأي «هوبل» و«لامتر» و«دي ستر» يتمدد ويتسع - كما شرحناه في كتابنا النسبية وفي فلسفة التفاحة.
فإذن؛ لا يمكن أن نقيد أية حركة في الكون نفسها؛ لأن مكانها وزمانها يتغيران، وإذن لا تكون فصول السنة الأرضية بعد ألف عام أو ألوف الأعوام كما هي الآن، لا في حرها ولا بردها ولا رياحها ولا زرعها وغلالها ولا ناسها ولا وحوشها، ولا ولا ... إلى ما لا نهاية له. (4) الحركة القوسية
ذكرنا بين سلسلة أنواع الدوران «الحركة القوسية» أي: الحركة في جزء من دائرة كحركة رقاص الساعة مثلا
، فالرقاص يسير في قوس، ثم يعود في نفس القوس ذهابا وإيابا، فإذا جمعت الأقواس طرفا إلى طرف تكونت منها دائرة نصف قطرها طول حبل الرقاص؛ وإذا كان رقاص الساعة لا يرسم دائرة كاملة فنتيجته أن يحرك دولابا في دائرة كاملة كما هو معلوم.
الموجة هي نوع من الحركة القوسية، هي جزء من دائرة؛ لأنك لو وصلت أطراف الموجات من قمة إلى قمة بعضها ببعض لتكون منها دائرة؛ يطلق هذا القول على كل نوع من أنواع الأمواج: الموجة الكهرطيسية - كالنور، وموجة الصوت، وموجة الماء، وموجة الحبل الذي تهز طرفه بيدك.
وشعاعة النور التي تسير في جو جاذبي تسير منحنية في قوس أيضا، وإذا استقرت كل حركة في الكون فمهما تراءت لك خطا مستقيما تجدها دائرة أو جزء دائرة، ولا سبب لهذه الدورية إلا فعل سنة الجاذبية.
الباب الثاني
النظام الحيوي
الفصل الرابع
Shafi da ba'a sani ba