وتكفي الملاحظات السابقة - على اختصارها - لبيان كون الحوادث الاقتصادية في أيامنا تؤلف شبكة من العلل والمعلولات أعلى من جميع العزائم، فيخضع لسلطانها جميع عناصر الحياة الاجتماعية المترجحة بين عدد السكان وأدق جزئيات العيش.
ومن ذلك أن أصبح عدد سكان ألمانية 67 مليونا في سنة 1914، بعد أن كان 36 مليونا في سنة 1871، أي أنه صار ضعف ما كان عليه تقريبا، فوجب لتغذية سكان أخذوا يجاوزون وسائل عيشهم بهذا المقدار أن يبحث عن منافذ في البلدان البعيدة، فأدت هذه الضرورة إلى إيجاد بحرية تجارية، ثم إلى إيجاد بحرية حربية لحمايتها.
ووجد هؤلاء الواردون الجدد على الأسواق الاقتصادية الأجنبية أنفسهم مزاحمين لأمم أخرى مصدرة مستقرة منذ زمن طويل، فنشأت عن ذلك منازعات كانت من أسباب الحرب الأخيرة.
ومع أن الحروب السابقة كانت حروب ضم ناشئة عن طموح الملوك على العموم، فإن الحروب الحاضرة تنشأ عن مصالح اقتصادية على الخصوص. •••
وبما أن أجور العمال تحدد بثمن التكلفة ولا تتبع إرادة العمال ولا إرادة أصحاب المصانع، فإنه صار يبحث عن إمكان زيادة الأجور من غير أن يزاد ثمن التكلفة.
حلت هذه المعضلة المستعصية حلا جزئيا بتجارب أدت إلى ما سمي: مذهب العمل العقلي، وقام هذا المذهب على سلسلة من الطرق التي يزاد بها الإنتاج من غير أن يزاد العمل، فإذا ما أفرط في توسيع مدى هذا المذهب الرائع في ذاته أمكن أن يؤدي إلى زيادة في الإنتاج موجبة بطالات جديدة.
وكان من النتائج النهائية لمقتضيات الاقتصاد التي أشرنا إلى بعض عناصرها، ولا سيما هبوط ثمن التكلفة: إيجاد مصانع واسعة؛ حيث يؤدي التخصص في العمل إلى دخل أكثر اقتصادا. وقد أدى هذا الاحتياج إلى مصانع أكثر اتساعا، ومن ثم أغلى ثمنا، إلى جعل إيجادها جماعيا، فبما أن قليلا من المستصنعين يكون على شيء من الثراء ما ينشئها معه، فإن معظم المصانع المهمة وضع على شكل شركات مغفلة يملكها ألوف من أصحاب الأسهم.
إذن تسفر مقتضيات الاقتصاد التي نعددها إلى تحول الرأسمالية الفردية إلى رأسمالية جماعية، وتختلف هذه الرأسمالية الجماعية عن الرأسمالية الحكومية التي يحلم بها الاشتراكيون، فتؤدي دائما إلى زيادة ثمن التكلفة، ومن ثم تؤدي إلى نقص أجور العمال.
وقد أثبتت الوقائع، خلافا لزعم كارل ماركس: أن أسهم مواثقات الولايات المتحدة العظيمة موزعة بين عدد متصاعد من الأيدي، ومما لاحظه مسيو بول رينو «أن عدد أصحاب الأسهم في شركة الزيت بلغ 77200 في سنة 1926 بعد أن كان 7659 في سنة 1917 ... فالمشروع الكبير يتحول إلى شيء مشترك بين العامل والمستصنع.»
وبذلك يمكن تصور مقدار الازدراء الذي ينظر به العمال الأمريكيون إلى الاشتراكية الأوربية، فهي لا تعد عندهم غير عنوان لتعطيل كل جهد وللاستعباد الحكومي وللمساواة في البؤس. •••
Shafi da ba'a sani ba