ولا يوجد عند الأمم التي يمكن أن توصف بالمتقلبة: كالروس وأمم البلقان مثلا، عنصر ثبات آخر غير ما يرى من إرادة مؤقتة لدى رؤسائها القادرين على فرض قوانينهم، فإذا ما توارى هؤلاء الرؤساء زالت الوحدة، وبهذا تفسر السرعة التي تم بها انحطاط الإمبراطوريات الآسيوية العظمى كما تمت عظمتها. •••
وهل يمكن الاعتماد على عمل القوانين الزاجرة بلوغا لثبات السلوك؟ كان جواب التجربة سلبيا منذ زمن طويل، حتى إن هذه القوانين الزاجرة تعد من أعظم أوهام العصر الحاضر خطرا، والواقع أن الإحصاءات تدل على أنه ليس لمؤيداتنا القضائية نتيجة غير إيجاد أناس من ذوي السوابق، وهذا هو خلاف الغاية المنشودة.
ويميل مبدأ الضرورة بالتدريج إلى القيام مقام المبادئ القديمة التي قام الحق القديم عليها، فباسم الضرورة، التي هي وليدة الخط الحديدي مثلا، يرى المالك نفسه مطرودا، وباسم الضرورة أيضا كون القوانين الآتية ستقتصر - كما ذهبت إليه منذ زمن طويل - على مؤيدين، وهما: أن يحكم في الجرم الأول مع وقف التنفيذ، وأن يحكم في الجرم الثاني بالإبعاد إلى إحدى المستعمرات البعيدة؛ وذلك لأن تسعة أعشار المجرمين ممن لا يرجى إصلاحهم، ولأن عدد أرباب السوابق يزيد بلا انقطاع، فيزيدون خطرا بعد كل حكم. •••
وشأن التربية عظيم، ولا سيما عند الأمم التي لم يستقر مزاجها النفسي بماض طويل بعد، شأن ألمانية الحديثة مثلا .
وإلى كتابي «روح التربية» أحيل القارئ الذي يعنى بهذه المسائل، ففيه يرى السبب في كون التربية التجريبية التي انتحلتها ألمانية وأمريكة أعلى بمراحل من تربية الأمم اللاتينية المحزنة القائمة على مزاولة الكتب.
وقد حاولت استخلاص المبادئ التي تؤدي إلى إصلاح شخصية الطالب، فأبصرت وجود اثنين، وهما: (1) التناديات بالملاصقة. (2) إقامة الانطباعات القوية - ولكن مع قليل تكرار - مقام الانطباعات الضعيفة المكررة كثيرا.
وبما أن قيمة المذهب لا يمكن أن تثبت إلا بالتجربة، فإنني طبقت المبدأين السابقين على ترويض بعض الحيوانات، كالحصان الذي استطعت أن أغير عادته على هذا الوجه.
3
وكذلك سير الأمم يقوم على المبدأين المذكورين آنفا، وليست الصعوبة في معرفتهما، بل في ممارستهما ممارسة صائبة. •••
وينتشر مختلف عناصر الثبات التي لخصناها سابقا بفعل ذات العامل النفسي، أي: العدوى النفسية، وهذه هي تلقين معمم من فصيل المنومين، ويبدو شأنها في الحياة الاجتماعية عظيما، وهي إذ كانت موجدة المشاعر والأفكار، فإنها تهيمن على الطبائع والعادات والزي والرأي وأهم عناصر السلوك، ولا يتخلص أعلى ذكاء من تأثيرها دائما، وتنشأ نقائصنا وفضائلنا وعزائمنا عن ظاهرة التلقين بالعدوى النفسية غالبا، وهي تسيطر على مجرى التاريخ.
Shafi da ba'a sani ba