فأما العروق الابتدائية ومنها: الفيوجيون والأوسيانيون فقريبة من حيوانية الأجداد الأولين، وهي لا تبدي أي أثر من الثقافة.
وأما العروق الدنيا ومنها: الزنوج والبوروج فتستطيع أن تنتفع بشيء ابتدائي من الحضارة، ولكن من غير أن تقدر على الصعود عاليا مطلقا.
وفوق العروق السابقة يجيء صفر آسية، ولا سيما الصينيون، فهم قد اتفقت لهم أطوار رفيعة من التمدن جاورتها الأمم الهندية الأوربية، ومن هؤلاء الأخيرين تتألف العروق العليا. •••
وجميع الأفراد في العروق الدنيا يحوزون المستوى النفسي عينه تقريبا، وعلى العكس، يكون التفاوت الذهني هو القاعدة لدى العروق العليا، ولكن الأفضليات إذا ما أصبح بارزة كثيرا لم تنتقل قط، فالواقع أن الوراثة ترد إلى المستوى المتوسط دائما ذراري الأفراد الذين جاوزوه كثيرا؛ ولهذا السبب يندر جدا أن يترك أعاظم الرجال وارثين جديرين باسمهم.
وتمثل الشعوب المتمدنة الحديثة امتزاجات نشأت عن مصادفات الفتوح والغزوات، إلخ. وقد ثبتت هذه العناصر المتباينة بفعل تماثل البيئة والمعتقدات والمصالح، وقد أسفر توالدها في نهاية الأمر عن تكوين زمر متجانسة كنت قد وصفتها بالعروق التاريخية.
ويجب لتمازج مختلف العروق وتأليفها عرقا جديدا على شيء من التجانس، ألا يكون الأفراد المختلطون كثيري التباين بأخلاقهم وذكائهم.
ويمكن أن يسفر التوالد عن عنصر تقدمي إذا ما وقع بين عروق عالية قريب بعضها من بعض، وهو على العكس يصبح عنصر انحطاط إذا ما كانت العروق المتوالدة مختلفة جدا، ولم يبصر الإسبان الذين فتحوا جنوب أمريكة هذا الخطر، فكان هذا سببا في كون جميع الجمهوريات الإسبانية الأمريكية - التي ألفت بتوالد الغزاة وأهل البلاد الأصليين، والتي يسكنها مولدون جامحون - لم تخرج من الفوضى، وهي لن تتفلت من هذه الفوضى، كجمهورية كوبا، إلا بمعاناتها مباشرة من بعض الوجوه سلطان عرق متجانس رفيع، كالذي أوجب نجاح الولايات المتحدة.
وبعد أن قاسم أمريكيو الولايات المتحدة لزمن أوهام الأوربيين في مساواة العروق، هذه الأوهام التي قررت حرب الانفصال الهائلة، أدركوا في آخر الأمر خطر خطئهم، فتراهم اليوم يجتنبون كل توالد مع ملايين الزنوج الثلاثة عشر الذين يسكنون بلادهم؛ ولذلك كان قانون لنش ضرورة عرقية.
وينطوي كل عرق على مزايا ونقائص لا يغيرها الزمن أو التربية مطلقا، ولا تتحول نظم الأمة ولغتها وفنونها إلا بتطور بطيء حتى تلائم مزاج الأمة النفسي الموروث الذي يتقبلها.
وإذا ما لاح أن الأمم تعتنق من المعتقدات والنظم واللغات والفنون ما يختلف عما كان لدى أجدادها لم يكن هذا - في الحقيقة - إلا بعد أن تكون قد تحولت تحولا عميقا، أجل، إن البرهمية والبدهية (البوذية) والنصرانية والإسلام أديان أدت إلى اعتناقات ظاهرة لدى عروق بأسرها، غير أن هذه الأديان تحولت كثيرا بانتقالها من أمة إلى أخرى، فلما انتقلت البدهية إلى الصين شوهت بسرعة، والإسلام في فارس غيره في بلاد العرب أو الهند، ولا يزال ابن بريتانية الدنيا يتخذ من الأصنام كوثني حقيقي، ويعبد الإسباني تعاويذ، ويبقى الإيطالي مشركا، فيقدس لصور العذراء في مختلف القرى كأنها آلهة شتى.
Shafi da ba'a sani ba