ويدل علم الأجنة وعلم المستحاثات على أن الأشكال الحاضرة عينت بحالاتها السابقة، فوجود كل فرد يبدأ بخلية مماثلة للتي كانت نقطة بدء الحياة في الماضي البعيد، ولكن مع الفارق القائل إن الطريق التي وجب مرور أكداس من القرون لمجاوزتها تقطع في أسابيع قليلة في رحم الأم، ولا يفعل الموجود في حاله الجنينية غير رسم أشكال متوسطة ثبت أمره بها في أثناء حياته الموروثة عن الأجداد.
وليست هذه العوامل الخفية المسيطرة، التي تحكم على العالم بأن يتحول دائما، غير مظاهر لضرورات غير منظورة لطبقة مجهولة من الأمور تجمعها كلمة الطبيعة.
ومع أن جميع الملاحظات التي يشتمل عليها هذا الفصل تبتعد عن فلسفة التاريخ ظاهرا فإنها ترتبط فيه ارتباطا وثيقا، وهي تدلنا على مقدار ما وجب تراكمه من الأزمان حتى انتقلت ذرات السديم الابتدائي الذي يشتق منه عالمنا، من الحياة المعدنية إلى الحياة المفكرة مقدارا فمقدارا.
الفصل الثالث
أصل نشاط الموجودات
حياة الحيوان والإنسان غير الشاعرة
يمكن أن ترد علل نشاط الموجودات إلى واحدة: وهي الرغبة في بلوغ اللذة واجتناب الألم، وليس من العبث إذن أن يدرس تأثير العناصر النفسية المحركة لأفعالنا في كتاب خاص بالتاريخ.
قد يبدو هذا الزعم حول المبدأ الأولي لكل نشاط ثقيلا أول وهلة؛ وذلك لمختلف المعاني التي تعزى إلى كلمتي: اللذة والألم.
حقا يمكن أن يعارض ذلك بأن الإنسان لا يعنى بالمرض المعدي، وبأنه لا يلقي نفسه في الماء أو النار إنقاذا لصنوه، عن لذة، غير أن كلمة اللذة تدل في هذه الحال - كما في سواها مما يماثلها - على راحة يشعر بها في الحقيقة عند تلبية أحد الواجبات، وعلى العكس يكون الألم عند الامتناع عن القيام بذلك.
وكذلك لا يرى أول وهلة أي دور يمكن أن تمثله اللذة في عمل احتضان البيض الذي يكلف الطير نفسه به، ولا يرى أكثر من ذلك فيما تحتمله الحشرة من مشقة لإعداد غذاء الدودة التي تخرج من بيضة لا تراها تنقف.
Shafi da ba'a sani ba