Falsafar Tarihin Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Nau'ikan
عندما فسر كل التاريخ المصري وترجمه وهذبه إلى لاهوت طبيعي. (1-7) الحكمة الشعرية
يؤكد فيكو على شاعرية الشعوب الأولى ويوضح كيف كان البشر الأولون شعراء بالفطرة، ويشبه الشعراء بالأطفال فكلاهما لديه خيال قوي وكلاهما يفكر من خلال تصورات خيالية، لم يكن الجنس البشري في طفولته قادرا على تكوين تصور واضح للأشياء، تماما كالأطفال العاجزين عن التجريد؛ لذلك بدأت المعرفة البشرية بالحس ولم تبدأ بالعقل، وتكونت الجمل الشعرية عن طريق الأحاسيس العاطفية، ثم تكونت بعد ذلك الجمل الفلسفية عن طريق التفكير والعقل أو المقولات العقلية؛ ولذلك كانت أكثر اتجاها نحو العام وأقرب إلى الحقيقة، أضف إلى هذا أن كل الفنون الضرورية والنافعة أبدعت في العصور الشعرية قبل مجيء الفلاسفة. ويرى فيكو أن لدى العامة نزعة طبيعية لخلق الأساطير على نحو مناسب، وهذه عادة متأصلة لدى أي شعب؛ فهو يبتكر لكل إنسان مشهور حكايات تلائم ما جرى له في تلك الظروف.
ويستنتج من هذا ملاحظة هامة تتصل بالنظرية الشعرية؛ فالشعراء قد رسموا صورا ونماذج شعرية بالتصور الخيالي صدقتها الشعوب ونسبت إليها بطولات خارقة وإن كانت في الواقع المادي بعيدة عن الحقيقة التاريخية، والآن نتابع المسلمات التي يثبت فيكو من خلالها الميل الفطري للعقل البشري لخلق الأساطير وإبداع الشعر: «يميل العقل البشري إلى كل ما فيه وحدة ونظام» (مسلمة 47). «من طبيعة الأطفال أن أفكارهم عن الرجال والنساء والأشياء التي عرفوها في طفولتهم يقيسون عليها كل الأشياء والرجال والنساء الذين عرفوهم بعد ذلك على أساس المشابهة» (مسلمة 48). «نسب المصريون إلى هرمس مثلث الحكمة كل الاختراعات النافعة والضرورية للحياة الإنسانية» (مسلمة 49). «إن الشعوب الأولى لديها خيال قوي وكان هذا أساس الخيالات الشعرية عند البشر الأولين» (مسلمة 50). «الشعراء شعراء بالفطرة لا بالصنعة» (مسلمة 51). «يتفوق الأطفال في التقليد ليسلوا أنفسهم حتى يصبحوا قادرين على الفهم» (مسلمة 52). «كان تفكير البشر الأولين غير دقيق، وكانوا يعتمدون على الشعور قبل أن يبدءوا في التفكير بعقل واضح» (مسلمة 53). «إن الأساطير الأولى كانت تلائم الشعوب في طبيعتها وعواطفها وعاداتها» (مسلمة 54). «هناك نص كلاسيكي يقول بأن النظرية اللاهوتية للمصريين القدماء كانت مزيجا من التاريخ والأساطير، فنشأت الأجيال بعد ذلك تخجل منها، ولكن بالتدريج ترجمت إلى معنى صوفي» (مسلمة 55). «إن المؤلفين القدامى من شرقيين ومصريين وإغريق ولاتين، وحتى في عودة البربرية ممثلة في اللغات الأوروبية للعصور الوسطى، كانوا شعراء»
13 (مسلمة 56).
ويرى فيكو أن مبادئ اللغات والحروف تكمن في حقيقة أن الأمم الأممية الأولى كانت شعوبا شاعرية وذلك بحكم الضرورة الطبيعية. وهو يؤكد أن هذا هو المفتاح الأساسي للعلم الجديد؛ لأننا مع تمدن طبيعتنا في العصر الحديث لا نستطيع أن نتخيل ولا نستطيع أن نفهم الطبيعة الشعرية للشعوب الأولى إلا بعناء مضن؛ فالبشر الأولون كانوا يتحدثون بالأساطير والحكايات الخرافية، وكانت الأمم الأولى مفتقرة إلى القدرات العقلية، فمن الطبيعي أن تكون عواطفها جياشة ومشاعرها قوية، وهناك مصدران لكل تعبير شعري: الفقر في اللغة، والحاجة إلى التفسير والإفهام. وتطور اللغات يسير جنبا إلى جنب مع تطور المجتمعات البشرية، ففي عصر الآلهة كانت اللغة خرساء تعبر بالأفعال والأشياء نفسها التي ترتبط بعلاقات طبيعية بالأفكار التي كانوا يحاولون التعبير عنها، ثم بدأت الشعوب تتلعثم بالغناء الذي درب ألسنتهم على النطق، فكان النطق بكلمات من مقاطع واحدة. أما في عصر الأبطال فقد ظهرت اللغة الشعرية التي اعتمدت على الاستعارات والتشبيهات والمقارنات والاستعانة بالصور الحسية والوصف الطبيعي للأشياء.
14
هكذا نجد أن التطور الطبيعي للتنظيمات البشرية جعل اللغة تبدأ بالشعر ثم تستقر في النثر، وهذا ما يشهد عليه تاريخ الشعراء القدامى وتطور الأوزان الشعرية من الأوزان البطيئة إلى الأوزان السريعة، غير أن التطور قد جعل اللغة في العصر البشري تستخدم كلمات تواضع عليها الناس؛ فهي اللغة التي صاغوها بإرادتهم وعبرت عن التحالفات الشعبية والحكومات الملكية على السواء، وهي كذلك اللغة التي ثبت الشعب فيها معاني القوانين التي تسري على النبلاء مثلما تسري على العامة من الناس بعد أن كان النبلاء قديما، في الأمم الأممية، يحتفظون بالقوانين في لغة سرية كشيء مقدس، وكان هذا سببا طبيعيا لسرية القوانين لدى أعضاء مجلس الشيوخ الروماني إلى أن قامت الحريات الشعبية.
ويوضح فيكو كيف أن الأفكار واللغات تطورت في خطوات متشابهة، وأن الأمم بدأت بلغة شعرية ثم جاءت اللغة النثرية بعد ذلك، كما سيتضح في المسلمتين 61، 62، وفيكو لا يلقي الضوء على بدايات اللغات وحدها بل على بدايات الحروف التي يئس علم اللغة القديم من العثور عليها؛ إذ اعتقد علماء اللغة أن اللغات كانت أسبق في الوجود من الحروف، بينما الواقع أن الحروف واللغات توءمان ولدا وسارا معا بسرعة عبر المراحل الثلاث. ويهتم فيكو اهتماما بالغا بدراسة أتيمولوجيا (اشتقاق) اللغات (أي دراسة الكلمة وتاريخها) كما سيتضح في مسلمة 65 وكما سنرى في الفصول التالية، ونتابع قراءة المسلمات عن تطور اللغات فنجده يقول فيها: «اللغة الخرساء تعبر بالأفعال والإيماءات والأشياء نفسها التي ترتبط بعلاقات طبيعية بالأفكار التي يحاول البشر التعبير عنها» (مسلمة 57). «اللغة الخرساء تعبر بالغناء عن أصوات ليس لها شكل والتلعثم بالغناء يعلم ألسنتهم (أي البشر) النطق» (مسلمة 58). «يعبر البشر بالأغنية عن عواطفهم الجياشة كما نلاحظ في حالات الحزن العميق الفرح» (مسلمة 59). «يجب أن تبدأ اللغات بكلمات من مقاطع واحدة» (مسلمة 60). «القصيدة البطولية هي أقدم أشكال القصيدة، والسبوندي هو أبطؤها وسنرى أن القصيدة البطولية كانت أصلا من البحر السبوندي»
15 (مسلمة 61). «القصيدة العمبقية تكون أقرب إلى النثر، والبحر العروضي يكون أسرع على نحو ما وضعه هوراس
Horace » (مسلمة 62).
Shafi da ba'a sani ba