Falsafar Tarihin Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Nau'ikan
16
وإذا كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على اقتناعه في تلك الفترة بأن دراسة اللغة شرط لا غنى عنه لدراسة القانون واللاهوت، بل ولتحقيق مجد المسيحية قبل مجد الفلاسفة. أضف إلى هذا أنه بدأ في هذه الفترة يفكر في علمه الجديد الذي سيعتمد على المنهج اللغوي اعتمادا كبيرا في تحليلاته لأصول الكلمات ودلالتها على نشأة الأنظمة الاجتماعية. (4) موقف فيكو من فلسفات عصره (4-1) موقفه من الفلسفة الديكارتية
كانت نقطة الانطلاق في فلسفة فيكو هي نقده لنظرية المعرفة الديكارتية، فقدم نظرية جديدة تعارض بوضوح نظرية المعرفة الديكارتية واحتقار ديكارت للدراسات الإنسانية
Litterae Humanitores
وخصوصا اللغات والتاريخ، وتنم معارضته لديكارت عن معرفة لكتابي «المقال في المنهج» و«قواعد لهداية العقل». وقد كانت بداية ظهور هذه النظرية في الخطبة الافتتاحية التي ألقاها عام 1708م عند توليه منصب التدريس في الجامعة بعنوان «مقارنة المناهج الدراسية القديمة والحديثة» ونشرها عام 1709م في كتابه «مناهج الدراسة في عصرنا»، وكان رأيه أنه إذا كان المحدثون قد أدخلوا إصلاحات كبيرة على العلوم الطبيعية، فقد قللوا من شأن الدراسات التي تقوم على الإرادة الإنسانية مثل اللغات والشعر والبلاغة والتاريخ والتشريع والسياسة، بل حاولوا أن يطبقوا المنهج الرياضي والهندسي على علوم لا تصلح لهما.
ونمت هذه البذور الأولى وتفتحت في شكل نظرية متكاملة للمعرفة أفرد لها كتاب «الحكمة الإيطالية القديمة» (1710م) ومنه انطلق في هجومه على نظرية المعرفة الديكارتية وخاصة نظرتها للتاريخ كمجموعة من الحقائق المضطربة وسلسلة رديئة من الحكايات السخيفة.
هاجم فيكو الأسس الثلاثة التي استند إليها ديكارت؛ أولا: الكوجيتو الديكارتي الشهير الذي يستند إلى الوعي الذاتي كمبدأ أول لليقين؛ فالكوجيتو في رأي فيكو لا يلغي الشك ولا يقدم أساسا للعلم؛ لأن الشاك يكون على يقين كاف من تفكيره ووجوده معا ولكن يقينه هو يقين الشعور البسيط لا يقين العلم، إن الكوجيتو يترك الأمر على هذه الحال، غير أن معيار الحقيقة كما يراه فيكو هو صنعها؛ لأن ما نعرفه ونحن على يقين منه هو ما نفعله؛ فالفعل الإنساني لا الوعي الذاتي هو مبدأ الحقيقة في علم التاريخ، وليست الأفكار الواضحة المتميزة للعقل هي معيار الحقيقة كما رأى ديكارت، وإنما المعيار هو صنع الحقيقة؛ ولهذا فإن الفكرة الواضحة المتميزة لا تصلح لأن تكون معيارا لحقائق أخرى، بل لا تصلح أيضا في رأيه لأن تكون معيارا لحقيقة العقل نفسه؛ لأن العقل عندما يتأمل أو يفهم نفسه لا يصنع نفسه، ولأنه لا يصنع نفسه فهو يجهل الشكل أو الأسلوب الذي يفهم به نفسه. ثانيا: أدلة وجود الله التي تستند إلى وجود معرفة أولية سابقة على التجربة. نقد فيكو كذلك الأدلة العلمية المزعومة على وجود الله، ولعله قد سبق كانط في هجومه على الميتافيزيقا التأملية الدوجماطيقة التي تزعم أنها تثبت وجود الله بأدلة عقلية بحتة، ويكفي أن نقرأ هذه العبارة لفيكو في «الحكمة الإيطالية القديمة»: «إن الذين يحاولون أن يثبتوا وجود الله بصورة قبلية يرتكبون إثم الفضول البعيد عن التقوى والورع؛ لأن من يفعل ذلك يجعل من نفسه إلها يصدر حكمه على الله وبذلك ينكر الوجود الإلهي الذي كان يبحث عنه.» ثالثا: اليقين الرياضي كمعيار للوضوح والبداهة وبالتالي كمعيار للحقيقة، لم يطعن فيكو في صدق المعرفة الرياضية وإنما طعن في نظرية ديكارت للمعرفة بما تضمنته من إنكار ألوان أخرى من المعرفة؛ لذلك طعن في مبدأ ديكارت القائل بأن مقياس صدق المعرفة هو الفكرة الواضحة المتميزة، وزعم أن هذا المقياس إن هو إلا مقياس ذاتي سيكولوجي، فإن ظهر لي أن أفكاري واضحة ففي هذا دليل تصديقي لها. ويرى فيكو أن أية فكرة مهما تكن خطأ قد تكون باعثة على اقتناعنا بها ما دامت واضحة كل الوضوح في حين أنها لا تعدو أن تكون من قبيل الخرافة التي لا أساس لها؛ ولهذا يرى أن ما نحتاج إليه هو قاعدة نستطيع قياسا إليها أن نميز بين ما يمكن معرفته وما لا يمكن.
17
إن الأساس الذي يقوم عليه يقين القضايا الرياضية التي أخذها ديكارت وأتباعه مقياسا للبداهة، ليس في الواقع في البداهة ذاتها بل في أن النظم الرياضية هي نظم صنعها البشر أنفسهم؛ فالحقائق الرياضية تعلو على التناقض لأنها تصورات واصطلاحات تحكمها رموز وقواعد هي من صنع البشر. والرياضة علم ابتكره الإنسان بعقله؛ لذا فإن اليقين الرياضي ليس مسألة بداهة ووضوح كما زعم ديكارت، وإنما هو علم بنائي أو افتراضي وضعه عالم الرياضيات. وقد أدى الأمر بديكارت إلى اعتبار العلوم يقينية بقدر ما تطبق المنهج الرياضي، وأدى هذا بدوره إلى تصور أن العلوم التي لم تقتصر على التجريدات الرياضية وحدها أقل يقينا؛ فالميكانيكا أقل يقينا من الهندسة والحساب، والفيزياء أقل يقينا من الميكانيكا، وعلم النفس والتاريخ أقل يقينا من الفيزياء، وهكذا ...
ويؤكد فيكو أن علم الفيزياء لا يقترب من العلم الحقيقي بتطبيق المنهج الهندسي على طريقة ديكارت، بل باستخدام المنهج التجريبي الذي طبقه كل من فرنسيس بيكون وجاليليو، ويرجع هذا في رأيه إلى أن العالم الذي يقوم بتجربة ما، يخلق الظروف التي يجمع فيها مشاهداته. كان رأي فيكو هذا سابقا لأوانه وغريبا على عصره لأنه يختلف عن الرأي العام السائد حينذاك؛ لذا لم يتنبه أحد لأهمية أفكاره إلا بعد مرور ما يقرب من مائة عام على موته.
Shafi da ba'a sani ba