أودكسس هيدوني متقشف
يقول العلامة جومبرتز إنه مهما يكن من أمر فإن الواجب يدعونا لأن نحتفظ بالمذهب القوريني في اللذة منفصلا عن الصفات الشخصية ونواحي السلوك العملي التي اتصف بها مؤسس هذا المذهب.
1
أما الضرورة التي تحفز بعض الكتاب إلى الفصل بين شخصية أرسطبس ومذهبه فتظهر جلية، إذا رجعنا إلى حالة مشابهة ذكرناها ومثلنا فيها بالفيلسوف أودكسس الذي وضع مذهبه في الأخلاق على نفس القاعدة التي اتخذها أرسطبس أساسا لفلسفته، وهي الحصول على «اللذة»، بل قضى بأن كل المخلوقات - عاقلة وغير عاقلة - إنما تتطلع إلى «اللذة»،
2
ولكنه ظل في حياته الخاصة - كما قال أرسطوطاليس - بعيدا جهد البعد عن كل سعي في سبيل اللذة، وقد أفلح في أن يضم إلى مذهبه عددا عديدا من الأتباع الذين أجلوا فيه سلوكه وأنزلوه منزلة التقديس والاحترام الكلي، وما حياة الفيلسوف جرمي بنتام في الأعصر الحديثة إلا مثلا متجددا من فيلسوف القدماء، فقد عاش بنتام طوال حياته مكبا كل الإكباب على العمل المنتج، راضي النفس، مضحيا بكل لذائذه في سبيل أن يرفع مستوى الحياة الإنسانية.
تقلبات المذهب القوريني عند النظر في الحياة الإنسانية
يدلنا تاريخ المذهب القوريني على أن وجهة النظر التي نظر من ناحيتها أعلام المذهب في الحياة الإنسانية، قد انتابتها تغايرات عديدة، ولقد دار الخلاف بينهم على أمرين: الأول: هل السعادة شيء في منال الإنسان؟ والثاني: مم تتكون السعادة؟
وعلى الرغم من الخلاف الذي قام حول البحث عن جواب مقنع لهذين الأمرين، فإن الفكرة الأساسية التي قام عليها المذهب ظلت ثابتة لم تتغير ولم تعصف من حولها رياح الفكر، أما العنصر الطبيعي الذي تقوم عليه تلك الفكرة الأساسية واستنتاجها للنواميس الأدبية من «الحياة الطيبة» التي تحياها «الذات» فأمر شائع في كل المذاهب الأدبية التي نقلت عن القدماء، فإن كل المذاهب إنما ترتكز على أساس رمى واضعوه إلى العمل على خير الإنسانية
Eudaimonism ، وسواء أسمينا الغاية أو الغرض من الحياة «سعادة» أم حللنا ذلك الغرض وتلك الغاية على غموضهما واختلاط مكوناتهما إلى عناصرهما الأولية، ويقصد بها الإحساسات الفردية المصبوغة بصبغة «اللذة» ومن مجموعها تتكون السعادة، فإن المبدأ يظل واحدا غير متأثر بأي أثر خارجي.
Shafi da ba'a sani ba