Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
وكانت الخطوة التالية كالآتي: ألا يمكن أن تكون القوة التي تحفظ الكواكب في مداراتها حول الشمس وتحفظ أقمار المشتري في مداراتها حوله، وقمر الأرض في مداره حول الأرض ... هي ذاتها القوة التي نلم بها على سطح الأرض بوصفها الجاذبية «أو التثاقل»؟ أي السؤال «ج». وقد عمل نيوتن على اختبار هذا الفرض، بالنظر إلى نتائجه فيما يتعلق بحالة القمر، فيحسب جاذبية الأرض على أساس كتلتها ومربع نصف قطرها، ويحسب القوة التي تؤثر بها الأرض على القمر على أساس الكتلة ومربع المسافة بينهما، فيستطيع بسهولة أن يحسب فترة دوران القمر حول الأرض، على أساس الفرض التبسيطي بأنه يسير بسرعة مطردة وفي مدار دائري، فإذا اتفقت الفترة المحسوبة لدوران القمر مع الفترة الفعلية سيصدق الفرض، ويمكن اعتبار القوة التي تحفظ الأقمار والكواكب في مداراتها هي ذاتها القوة التي تجعل الأجسام تسقط على سطح الأرض، أي الجاذبية.
وهذا ما فعله نيوتن وهو في الثالثة والعشرين من عمره عام 1666م بالمعطيات التي كانت متاحة في ذلك الحين، وعلى أساسها حسب فترة دوران القمر، وكانت حوالي 23,3 يوما، لكن الفترة الفعلية حوالي 27,3 يوما، على هذا فالفارق حوالي 16٪، رآه نيوتن فارقا كبيرا واستنتج منه أن الفرض خاطئ، وطرح الفكرة تماما من ذهنه طوال الستة عشر عاما التالية. وفي يونيو (حزيران) عام 1682م دارت في اجتماع الجمعية الملكية للعلوم مناقشة حول قياس بيكارد
لنصف قطر الأرض، انتبه نيوتن إلى أن نصف القطر الحقيقي هو 3956 ميلا، وليس كما اتخذه في حساباته الماضية ، ومن ثم أعاد تلك الحسابات فور عودته إلى كمبردج على أساس تصويب قيمة نصف قطر الأرض، فانتهى من حساباته إلى أن القمر يتم دورته في سبعة وعشرين يوما، بفارق أكثر قليلا من 1٪، أي يمكن إهماله، فيمكن إذن استصواب توحيد قوة الجاذبية السماوية والأرضية.
والآن على نيوتن أن يضع في اعتباره أن الأرض والشمس والكواكب ليست في الواقع نقاطا رياضية، وأن الكواكب تدور في أهليلجات وليس في دوائر، وأن سرعة دوران الكوكب ليست مطردة، ولمواجهة هذا المطلب نجح نيوتن في إثبات واحد من أجمل فروضه أو نظرياته، وينص على معاملة الجسم الكروي كما لو كانت كل كتلته في مركزه، وجاذبيته على أية نقطة خارجة عنه تحسب على هذا الأساس. وبهذا الفرض نجح نيوتن في إثبات أن الجسم المتحرك حول مركز ينجذب نحوه تبعا لقانون التربيع العكسي الذي يعني أن الطاقة أو القوة تتناقص تبعا لمربع البعد عن المصدر، وأن هذه صيغة تصف الحركة الإهليليجية حول المركز من حيث هو بؤرة، وبهذا ثبتت قوانين كبلر، وثبت فرض الجاذبية العام، أعظم إنجازات العقل الفيزيائي في تلك المرحلة، والذي ضم الأرض والسماء معا في خضوعهما لقانون واحد من آيات العلم الحديث.
وقد استأنف نيوتن أبحاثه في الجاذبية، بأن عمل على تطبيق قوانينه لتفسير ظواهر معينة راجعة إلى تأثير جاذبية الأجسام السماوية على الأرض، مثل ظاهرة المد والجزر، وطبقها أيضا لتفسير الانحرافات الصغرى في حركة الكواكب خصوصا حركة القمر، والتي تعود إلى أن كل جسم ينجذب إلى حد ما بواسطة كل الأجسام الأخرى في النظام الشمسي، هذا بالطبع بخلاف إنجازات أخرى جمة لنيوتن، أبرزها اهتمامه بالبصريات النظرية والتجريبية، وعن طريق منشوره الشهير حلل الضوء إلى أطيافه السبعة، وصنع أول مقراب «تلسكوب» عاكس يعالج الزيغ الضوئي الناجم عن العدسات المستخدمة في المقاريب الأخرى. وقد فكر في هذا المقراب كثيرون قبل نيوتن أبرزهم الفيلسوف الفرنسي ديكارت، والصورة البدائية التي صنعها نيوتن وأهداها إلى الجمعية الملكية للعلوم قد تطورت مع الأيام، حتى وصلت في القرن العشرين إلى مقراب عملاق تكلف ملايين الدولارات ووضع على جبل بالومار. ثم شهد هذا القرن المقاريب الإلكترونية التي تضاعفت قدراتها بصورة مبهرة، كالمقاريب الفلكية المحمولة على أقمار صناعية تدور في مدارات حول الأرض كمقراب هابل ومقراب شاندرا، وهذا الأخير بدأ إطلاقه في التاسع والعشرين من يوليو عام 1999م، في ذكرى مرور ثلاثين عاما على هبوط الإنسان (نيل أرمسترونج) على سطح القمر.
على أن الإنجاز النيوتني الذي قام في نسقية العلم الحديث بدور يقارن بدور فرض الجاذبية، بل يفوقه، إنما يكمن في الجهاز الرياضي المهيب اللازم للقوانين الفيزيائية، وقد أحرز كمالا يحتذى على يد نيوتن. كان ديكارت قد ابتكر الهندسة التحليلية لاستخدام الجبر في حل المشاكل الهندسية، كوسيلة لحساب الكميات في رسوم جاليليو التخطيطية لحركة الأجسام. وقد اهتم نيوتن بكلا الجانبين ليكسبهما دقة أعظم، ومثلما ساهم في تطوير ميكانيكا جاليليو، ساهم أيضا في تطوير الهندسة التحليلية، وفروع أخرى من الرياضيات. ويتقدم إنجازه الأعظم وهو اختراع أداة رياضية فعالة احتاجتها أفكاره الفيزيائية اللامعة، إنها حساب التفاضل والتكامل، وإن لم يعطه هذا الاسم، بل أسماه طريقة الدفق
Fluxional Method .
26
فلكي يحسب نيوتن قوة الجاذبية المبذولة من جسم كروي صلب على نقطة خارجة، كان عليه أن ينظر إلى الجسم الكروي وكأنه مؤلف من عدد كبير جدا من جسيمات لا متناهية الصغر لدرجة أن كلا منها يمكن معاملته بصورة تقريبية كما لو كان مجرد نقطة، وهي تؤلف معا قوى جذب صغيرة جدا يبذلها كل من الجسيمات اللامتناهية الصغر على النقطة الخارجية محل البحث، ولكي يعين نيوتن الحد الذي يمكن أن تقترب منه محصلة القوة كان عليه أن يجعل الجسيمات أصغر وأصغر، وعددها أكبر وأكبر، وهذا ما يجب تسميته بمشكلة التكامل. ولننظر الآن إلى مشكلة تعيين مسار جسم انطلق من مدفع بسرعة مبدئية معينة، ثم ترك بعد ذلك ليتحرك تحت تأثير مركز جاذبية، لنلاحظ أن المبادئ الديناميكية المطلوبة هي تماما تلك التي استعملها جاليليو في تعامله مع مسار قذيفة المدفع. غير أن المشكلة الآن أكثر تعقيدا، فمع جاليليو كانت القوة المؤثرة على القذيفة ثابتة في المقدار وفي الاتجاه خلال العملية كلها، أما مع نيوتن، فإن القوة تتغير باستمرار في المقدار، بسبب دخول فرض الجاذبية؛ لذلك كان عليه أن يتعامل مع سرعات تختلف من لحظة إلى أخرى، والحق - كما يقول برود - أننا نطلب في كل مشكلة ديناميكية مفهومي السرعة اللحظية والعجلة اللحظية. وواضح أن هذه المشكلة في غاية الصعوبة والتعقيد، وإذا حصرنا أنفسنا تماما في لحظة منفردة، فإن الجسيم لا يتحرك على الإطلاق، وإذا أخذنا تاريخ الجسيم خلال أية فترة زمنية مهما كانت قصيرة، فليس ثمة اتجاه واحد معين ومقدار واحد معين يمكن أن نعزوه لسرعة هذا الجسم ... مثل هذه المفاهيم وقوانينها هي ما عرفه نيوتن وحدده في نظريته عن التفاضل أو حساب اللامتناهي في الصغر أو بمصطلحه طريقة الدفق. بالطبع كان ثمة جهود في هذا العلم من قبله، لكنها مشتتة ومبعثرة، ونيوتن هو الذي جمعها في نسق موحد على صورة علم رياضي دقيق هو حساب التفاضل والتكامل، ربما ينازعه في هذا الشرف معاصره الفيلسوف الألماني جوتفريد فيلهلم ليبنتز
Leibniz, W. G. (1646-1716م)، وبلا جدال كان في يد نيوتن منهاجا عاما يمكن بواسطته حساب معدلات التغير في السرعة، ولم يكن العلماء من قبل يعرفون أن مشكلة تعيينها عكس مشكلة التفاضل، نيوتن هو الذي أدرك كل هذا ورسم السبل الدقيقة للخوض في غماره.
Shafi da ba'a sani ba