Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
والآن لنصوب الأنظار على النسق العلمي في حد ذاته، أو النسق العلمي من الداخل كمنظومة معرفية متوالية من القضايا الممنهجة، تحمل مضمونا إخباريا وقوة تفسيرية وطاقة تنبئية منصبة على العالم الذي نحيا فيه، فتجعل العقل البشري يحكم قبضته عليه، هذا النسق العلمي كيف انبثق وتشكل وتنامى وتكامل؟
بهذه النظرة الإبستمولوجية الخالصة، تعد نقطة البدء في نسق العلم الحديث هي فرض مركزية الشمس بدلا من مركزية الأرض، وليس هذا مجرد فرض مختص بفرع من العلوم هو الفلك، بل كان لا بد من تصويب النظرة الكوزمولوجية العامة للكون لكي يستقيم نسق العلم الطبيعي.
فقد ساد العلم القديم فرض كلاديوس بطليموس السكندري (القرن الثاني بعد الميلاد) المأخوذ من نظرية هيبارخوس (القرن الثاني قبل الميلاد)، وهو فرض ينص على أن الأرض ثابتة وكل الأجسام السماوية الأخرى تدور حولها في حركة دائرية بسرعة مطردة. كان بطليموس عليما بالهندسة وأقام تصوره للكون على أساس ما تراه الحواس ويتقبله الحس المشترك، فرأى أن القمر والشمس يتحركان عبر السماء، أما الكواكب الخمسة التي كانت معروفة في ذلك الوقت فتتحرك بحرية، والنجوم فقط هي الثابتة، وهل هناك ما هو طبيعي وبديهي أكثر من كون تحتل الأرض مركزه؟ ولما كانت هذه النظرية البطلمية تتسق مع العقيدة المسيحية من حيث مركزية الأرض في هذا الكون، ومع فلسفة أرسطو من حيث إن الدائرة أكمل الأشكال، والحركة الدائرية هي فقط اللائقة بالأجرام السماوية، فقد أيدها رجال الكنيسة وأصبح التسليم بها مشتقا من التسليم بالكتب المقدسة. لقد ظلت النظرية البطلمية سائدة شرقا وغربا أربعة عشر قرنا من الزمان.
وبالنجم هم يهتدون
كان البحارة يعملون بها في رحلاتهم بالبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وشواطئ المحيط الهندي بلا مشاكل تذكر. ومع الكشوف الجغرافية والرحلات الطويلة عبر المحيط الأطلنطي وحول الكرة الأرضية بدأت تظهر المشاكل والصعوبات لتنبئ بفشل نظرية بطليموس، وها هنا جاء من بولندا رياضي متمكن هو رجل دين واقتصادي ودبلوماسي وطبيب، إنه نقولا كوبرنيقوس
N. Copernicus (1473-1543م) ليقتنع في عام 1507م بأن بطليموس على خطأ، ومن الضروري وضع تفسير أبسط لحركة الكواكب.
كان كوبرنيقوس قد اطلع في قراءاته الواسعة على نظرية مراغة - كما ذكرنا في الفصل السابق - وعلى نظرية أرسطارخوس الساموسي (310-230ق.م) في العصر السكندري القائلة بمركزية الشمس، واطلع أيضا على فكرة مؤداها أن الأرض لعلها ليست ثابتة ولا تتحرك. التقط كل هذا بحسه العلمي وقدراته الرياضية العالية، وافترض أن الشمس هي مركز الكون، أو مركز الدائرة الخارجية للنجوم الثابتة، وأن الكواكب تدور حول الشمس في مدارات هي دائرية كما قال بطليموس، لكن كوبرنيقوس افترض أن الكواكب الأقرب إلى الشمس تدور أسرع وفي مدارات أصغر، وترتيب الكواكب على النحو التالي: عطارد - الزهرة - الأرض - المريخ - المشتري - زحل، على هذا يكمل عطارد مداره في حوالي ثلاثة أشهر، بينما يستغرق المشتري ما يقرب من اثنتي عشرة سنة، أما الحركة اليومية البادية فيمكن تفسيرها بأن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل يوم، وللأرض أيضا حركة ثالثة، فهي تتغير ببطء في اتجاه محورها، وهي الحركة المسماة بالاستقبال
، وكان العالم السكندري هيبارخوس قد اكتشفها وأشار إليها،
18
ولم يدعم كوبرنيقوس نظريته إلا بحجة واحدة هي حجة «البساطة». فإذا نظرنا إلى الكواكب من على سطح الشمس، أي إذا افترضنا أن الشمس هي المركز فسوف تبدو مدارات الكواكب أبسط وأجمل وحساباتها الرياضية أبسط. وباسم مبدأ البساطة شن هجومه على تعقيدات معينة في نظرية بطليموس.
Shafi da ba'a sani ba