Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
وكان هذا أساسا بسبب كتابه «الأورجانون الجديد
Novum Organon » الصغير الحجم والذائع الصيت الذي نشره عام 1620م، وهو في الأصل ليس كتابا بمعنى الكلمة، بل مجرد جزء من عمل ضخم أسماه بيكون «الإحياء العظيم
Instauratio Magna » وضع تخطيطه في ستة أجزاء، لكن لم ينجز منها - أي لم يكتب وينشر - إلا الجزء الثاني فقط والذي هو «الأورجانون الجديد»، أي إنه «ليس كتابا مستقلا إنما هو جزء من كتاب، أو على الأقل جزء من خطة عامة لإصلاح العلم وللنهوض بحياة الإنسان».
1
وحتى هذا الجزء، أي الأورجانون الجديد، لم يكتمل تماما؛ لأنه مكون من كتابين أو فصلين، والكتاب الثاني ينطوي على خطة فرعية لم ينجزها بيكون هي الأخرى. وقد جاء الأورجانون في هيئة فقرات قصيرة منفصلة متتابعة ومرقمة، وإلى حد ما مفككة غير مترابطة، فقد يتم الانتقال من فقرة إلى أخرى فجأة بلا معبر بينهما، لكنها جميعا قاطعة كالسيف واضحة كالنهار، موجزة مكثفة بحيث لا تتسلل كلمة زائدة، ومكتوبة بأسلوب بليغ وبيان رائع عد قمة من قمم النثر في عصره.
على أن اللافت حقا هو عنوان الكتاب «الأورجانون الجديد»، أي «الأداة الجديدة»، أو «الآلة الجديدة»، في إشارة واضحة إلى أن أورجانون أرسطو قد أصبح أداة قديمة بالية عفا عليها الدهر. والكتاب يقدم الأداة أو الآلة الجديدة المناسبة لاحتياجات العصر، وهي المنهج التجريبي.
شارك بيكون رجال عصره في رفضهم الضاري للمنطق الأرسطي، وكان من أعنفهم هجوما على القياس وعقمه، وحتى الاستقراء الأرسطي، لم ينج من نقد بيكون الحاد ومحاولاته لإثبات اهترائه وتهافته. على الإجمال كان «الأورجانون الجديد» أقوى تجسيد لروح عصره الرافض للماضي العقيم، ماضي العصور الوسطى الأوروبية المدرسية ينظر إليها في غضب ويروم القطيعة المعرفية عنها، فيقول بيكون، في الفقرة 83 من الأورجانون الجديد:
لقد فقدوا غاية العلوم وهدفها، واختاروا طريقا خاطئا باتباعهم منهجا ليس من شأنه أن يكشف جديدا من مبادئ المعرفة، ويكتفي باتساق النتائج مع بعضها. فليكف الناس عن التعجب من أن تيار العلوم لا يجري قدما في طريقه الصحيح؛ فقد ضللهم منهج البحث الذي يهجر الخبرة التجريبية ويجعلهم يلفون ويدورون حول أنفسهم في دوائر مغلقة، بينما المنهج القويم يقودهم من خلال أحراش التجربة إلى سهول تتسع لبداهات المعرفة.
2
وفي الفقرة (82) يدين بيكون العصور الوسطى إدانة كبيرة من حيث هي عصور أهملت الطبيعة والمعارف الجزئية ورأتها تحط من قدر العقل الذي لا ينبغي أن ينشغل إلا بالقضايا الكلية والقياس الأرسطي الذي يستنبط منها ما يلزم عنها، فأوصدت الباب أمام السبيل القويم للمعرفة، أي المعطيات الحسية والخبرة التجريبية التي تخبرنا بما يحدث في الطبيعة. لم تهجرها أو أساءت التصرف بشأنها فحسب، بل رفضتها احتقارا.
Shafi da ba'a sani ba