174

Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Nau'ikan

Criterion of Verification

الذي يميز المعرفة العلمية ويمثل الفيصل الحاسم بين العلم واللاعلم، وبالتالي بين المعنى واللامعنى؛ ليكون الأساس الذي تقوم عليه فلسفة الوضعية المنطقية وتقوم من أجله، حتى إذا قيل في تعريفها إنها المذهب الذي ينادي بمعيار التحقق لما جانب هذا الصواب. والواقع أن معيار التحقق هو بالضبط ما رفضه رسل، وكان محور معظم الخلافات التي اشتجرت بينهم وبين الفلاسفة والنقاد. وبشكل عام يترسم التاريخ الحق للوضعية المنطقية بمحاولاتهم لحل طائفة من المشاكل نجمت عن تعويلهم على هذا المعيار، وأدت محاولات الحلول إلى طرح بدائل أخرى لتحرز نفس الهدف متفادية الأخطاء. فلم يعد أمامنا معيار التحقق فقط، بل أيضا معيار القابلية للاختبار والتأييد، بالإضافة إلى لغة العلم عند كارناب.

وخلاصة معيار التحقق أن كل قضية تركيبية لا بد وأن تكون تجريبية، وبالتالي يمكن «التحقق» منها بواسطة الخبرة الحسية، ويترتب على هذا أن كل قضية تركيبية لا يمكن تحديد صدقها أو كذبها من ملاحظات حسية هي جملة بغير معنى، إنهم يستبعدون قضايا المنطق والرياضة التحليلية ، وهي كل ما يساهم به العقل في عملية المعرفة لينطبق المعيار فقط على القضايا التركيبية فيحدد منها ما ينتمي للعلم الطبيعي والعالم التجريبي، ويستبعد الميتافيزيقا. ودع عنك الأوامر والنواهي وسائر التعبيرات الدالة على قيم معيارية مثل «ما أجمل الزهور!» «القتل جريمة بشعة»؛ فهم يعتبرون أمثال هذه التعبيرات إنشائية محضة. ولما كانت الوضعية فلسفة معرفية، فهي لا تهتم بهذه التعبيرات وما إذا كان لها معنى أم لا، فمعناها بالقطع ليس معرفيا ولا تمثل موضوعا للمعرفة، قد يهتم بها نقاد الأدب والفن والمصلحون الاجتماعيون، أما الوضعيون المنطقيون بوصفهم فلاسفة معرفيين فلن يعيروها التفاتا، لا بالإحلال والتعظيم كقضايا العلم، ولا بالرفض والاستنكار كقضايا الميتافيزيقا، شريطة ألا يدعي أصحابها - فلاسفة الفن والجمال والأخلاق والسياسة - أنهم يزيدوننا معرفة وإدراكا للعالم الواقعي.

كان تشارلز بيرس هو الذي قدم الفكرة الخصيبة التي تربط معنى القضية بالخبرة التجريبية، لكن معيار التحقق بهذه الصورة القاطعة مأخوذ من رسالة فتجنشتين التي كانت رائدة في محاولة إثبات أن المشاكل الفلسفية لغو، وانتهت إلى ضرورة مقارنة القضية بالوجود الخارجي - أي الواقع - الذي ترسمه، فإن طابقته كانت صادقة، وإلا فهي كاذبة، وفي كلتا الحالتين القضية ذات معنى، أما إذا استحال مقارنتها بالواقع فهي قضية زائفة وبغير معنى. وأدى هذا بالوضعيين إلى المطابقة بين معنى القضية وأسلوب تحققها.

وطالما أن التحقق معيار لتمييز المعنى، فإنه ينطبق أيضا على المفاهيم والكلمات، بل إن التحقق منها أهم؛ لأن العبارة لن تقبل التحقق إلا إذا كانت كل المفاهيم الواردة فيها ذات معنى ومرتبطة بعلاقات منطقية ارتباطا سليما. فذهب شليك إلى ضرورة أن نستطيع الإشارة بأصابعنا إلى مدلول الكلمة أو المفهوم؛ ليكون التحقق النهائي منه.

غير أن هذا المعيار أثار من النقاش والجدل الشيء الكثير، فمثلا منطوق المعيار ذاته ليس قضية تحليلية ولا هو ممكن التحقق تجريبيا؛ لذا يجب عليهم هم أنفسهم أن يرفضوه بوصفه لغوا! وقد تنبه فتجنشتين إلى هذا التناقض الذاتي، فقال: إن نتيجة التفلسف ليس عددا إضافيا من القضايا، بل النتيجة هي جعل القضايا واضحة ، لذلك فالرسالة مجرد سلم نصعد عليه بغية الوصول إلى الوضوح في فهم القضايا، حتى إذا وصلنا إلى هذه البغية وجب إلقاؤه بعيدا، وذهب الوضعيون مذهبا قريبا من هذا فقالوا: لا يجب أن نأخذ معيار التحقق بوصفه عبارة، بل فقط بوصفه اقتراحا أو مجرد «توصية» بألا نقبل القضية إلا إذا كانت ممكنة التحقق، وما أسهل أن يرفض الفلاسفة أجمعون هذه التوصية كي لا يذهبوا بفلسفاتهم إلى الجحيم! ويجيء رودلف كارناب لينصحنا بتواضع غير معهود منه أن نقبل معيار التحقق على أساس قريب من البرجماتية؛ لأنه سوف يمكننا من تحقيق الهدف: تمييز المعرفة العلمية واستبعاد الميتافيزيقا، وبالتالي تحديد مجالات الأنشطة العقلية بدلا من أن تختلط ببعضها.

وثمة مناقشات أخرى حول طبيعة الكائنات التي ينطبق عليها المعيار، أهي القضايا أم الجمل أم العبارات؟ إذا كان يطبق على القضايا، فإن القضية بحكم تعريفها المنطقي هي ما يوصف بالصدق أو الكذب، فهي لا بد وأن يكون لها معنى خبري نبحث عن صدقه، فكيف نجعل إمكانية التحقق - التي قد تكون أو لا تكون - في ذات الهوية مع المعنى؟ وعلى أحسن الفروض يكون هذا المعيار الذي يبحث عن المعنى زائدا ولا ضرورة له، على أساس أن السؤال الذي وضع للإجابة عليه لا بد وأن يكون مجابا قبل أن نفكر في تطبيق المبدأ. وأبرز من دافعوا عن هذا، الفيلسوف البريطاني ألفرد جوليوس أير (1910-1989م) الذي قام باستيراد الوضعية المنطقية من فيينا إلى بريطانيا ... وقد حاول درء هذا الاتهام بتقديم مصطلحات فنية يمكن عرضها على هذا النحو:

الجملة

Sentence :

هي أية صورة للكلمات تراعي القواعد النحوية للغة.

Shafi da ba'a sani ba