Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
أما القضايا التركيبية فهي قضايا العلوم الطبيعية وشتى المباحث التجريبية، التي تنقل خبرا عن العالم الواقع من حولنا، فهي إذن إخبارية ذات محتوى معرفي، نصل إليها باستقراء خبرة الحواس. التحليل المنطقي للقضية التركيبية يردها إلى سلسلة من القضايا الذرية، كما علمتنا ذرية رسل وفتجنشتين المنطقية، ثم ينتهي تحليل الوضعيين إلى سلسلة من المعطيات الحسية التي تبعث بها الواقعة الذرية. المرجع هنا في الحكم بالصدق أو الكذب هو خبرة الحواس، وهو حكم نسبي يستحيل إطلاقه. المعطيات تشير الآن إلى صدق القضية، لكن من يدري؟ قد تأتينا في الغد معطيات أخرى عن العالم الطبيعي، أو تتكامل بعد نقص، فتصبح القضية كاذبة. إنها إذن عرضية احتمالية يستحيل أن تكون ضرورية. والخلاصة أن القضية التركيبية تجريبية استقرائية احتمالية عرضية محك الصدق فيها هو خبرة الحواس.
هذان هما نوعا القضايا ذوات المعنى.
وعلى هذا الأساس يسهل الوصول إلى الهدف الاستراتيجي لدائرة فيينا، وهو إثبات أن الميتافيزيقا لغو
nonsense
ما دامت قضاياها لا هي تحليلية ولا هي تركيبية بذلك التحديد المنطقي الدقيق.
أجل، اتخذت النزعة الوضعية منذ أن شق بيكن طريقها موقف الرفض للميتافيزيقا، وسبق أن رأينا ديفيد هيوم يدعو إلقاء كتب الميتافيزيقا في النار، وهو في الواقع يعد أباهم الشرعي ورائدا لهم. إلا أن هذا الموقف قد تكاثف في فلسفة الوضعية المنطقية إلى درجة رهيبة جعلت الهجوم على الميتافيزيقا هيكل فلسفتهم ومضمونها وغايتها. لقد حملوا تجريبية النزعة الاستقرائية في القرن التاسع عشر التي عززتها الفيزياء الكلاسيكية التجريبية المباشرة، ثم فاجأهم القرن العشرون بكارثة الأثير المطلق التي تصدع لها عرش الفيزياء الكلاسيكية، وكما أشار بريدجمان
، رأى الوضعيون المنطقيون أن الكارثة التي سببها الأثير راجعة إلى أنه مفهوم ميتافيزيقي لم يختبر تجريبيا بما يكفي وبالمثل تماما مفهوم المطلق. من هنا أخذ الوضعيون المنطقيون على عاتقهم تأمين العلم من أمثال هذه الكوارث والأزمات التي لحقت بالفيزياء الكلاسيكية عن طريق الحيلولة دون أي اختراق ميتافيزيقي للعلم مرة أخرى، أو أن يتسلل إليه مفهوم ليس تجريبيا بما يكفي. وإذ هم مضطلعون بهذه المهمة كانت فيزياء القرن العشرين توالي السير قدما نحو مزيد من الاقتراب من الرياضي والعقلي والمجرد ومزيد من الابتعاد عن العيني الشيئي المحسوس مباشرة؛ لتزداد مهمة الوضعيين المنطقيين صعوبة وتأزما، وتزداد حساسيتهم تجاه الميتافيزيقا وضراوة حروبهم المنطقية عليها.
من هنا كان أميز ما يميز دائرة فيينا أن فلاسفتها ضاقوا ذرعا بما تصوروه من عقم للمشاهد الميتافيزيقية، زاعمين أنها بقيت ثلاثة وعشرين قرنا حيث خلفها أرسطو، بينما يحقق العلم التجريبي تقدما متصلا لا ينقطع، فمن ذا الذي يزعم أن ميتافيزيقا القرن العشرين أدنى إلى الصواب من ميتافيزيقا أرسطو؟ ما هو هذا الصواب؟! وهل من خبرة عساها أن تخبرنا به؟! وآمنوا أن الوضعية على العموم والمنطقية منها على أخص الخصوص فلسفة قامت لكي تقوض دعائم الميتافيزيقا وتزيحها تماما من عالم ينبغي أن ينفرد به العلم وحده، ورأوا أن هذا يمكن أن يتيسر لهم بناء على ما سبق، فمبدؤهم التجريبي الأساسي هو: «أية قضية إخبارية مفهومة لا بد وأن تقوم على أساس الخبرة الحسية». وقد انزاحت العقبة الرياضية حين اتضح أنها إثباتات للهوية ولا تخبر بشيء عن الواقع، وبفضل جهود رسل وفتجنشتين، أمكن للوضعي المنطقي أن يحتفظ تماما بالمبدأ التجريبي، فقط يضيف إليه: «ما لم تكن إثباتا للهوية»، وبطبيعة الحال لا يوجد ميتافيزيقي واحد يمكنه الاعتراف بأن قضاياه مجرد إثبات للهوية ولا تخبر بشيء عن العالم، وهي طبعا ليست قائمة على أساس الخبرة الحسية، فيمكن استئناف المسير الوضعي إلى غايته والانتهاء إلى أن القضايا الميتافيزيقية غير واضحة ولا مفهومة؛ لأنها غير ذات معنى ولا أي مغزى نفهمه منها لكي نحكم عليها بالصدق أو الكذب. إنها لا ترقى إلى مرتبة الكذب؛ لأنها تدعي الإخبار عن عالم يخرج عن حدود الخبرة، أي تخبر عما لا يمكن الإخبار عنه وتدعي فعل ما لا يمكن أن يفعل! من هنا تعج ساحة الميتافيزيقا بقضايا تناقض بعضها، كما سبق أن أوضح كانط في تعيينه لنقائض العقل الخالص.
وسرعان ما زودهم المنطق الرياضي بأدوات تحليلية نافذة يقطعون بها أوصال المعالجات الميتافيزيقية لينتهوا إلى أنها كلام غير ذي معنى؛ إما لأنها تحوي مصطلحات لا معنى لها مثل المطلق والعقل والنفس والجوهر، أو لأنها تستخدم مصطلحات ذات معنى، لكن في تركيب لغوي غير ذي معنى. وفي محاولاتهم لإثبات هذا بتحليلاتهم المنطقية، أسرفوا في تسخير أدوات المنطق الرياضي، ومنها نظرية رسل في الأوصاف المنطقية والخلو من المعنى، وإلى درجة من التطرف كان رسل نفسه في طليعة الرافضين إياها.
وهذا الاستخدام للمنطق الرياضي في تجسيد دعاويهم الفلسفية يتبلور نهائيا في معيار التحقق
Shafi da ba'a sani ba