Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
لقد نجحت التجريبية منذ مطالع القرن العشرين والعام الحاسم 1900م في أن تفرض ذاتها، وتفرض هذا الطابع العلمي على التيارات الكبرى المشكلة لفلسفة القرن؛ لأنها أصبحت تجريبية قوية، متطورة ومتبصرة ومدججة، بحيث تمثل تقدما فلسفيا وعقليا عما سبق. إنها تختلف اختلافا ملحوظا عن التجريبية الفجة الساذجة السالفة، التي بلورتها النزعة الاستقرائية، خصوصا في تسلحها ببعدين:
فقد تسلحت تجريبية القرن العشرين بالتطور الذي أنجزته ثورة الفيزياء الكبرى في تصور المادة والعالم التجريبي، وفي تصور دور التجربة وعلاقة المعطيات الحسية بالعقل المبدع للفروض العلمية، كما أوضحنا سابقا.
تسلحت أيضا بأداة نافذة مكينة جليلة الشأن، تخلقت وتشكلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ ليغدو تسخيرها واستغلالها، استخدامها وخدمتها، علامة فارقة مميزة للقرن العشرين، إنها المنطق الرياضي.
إن المنطق الرياضي أو الرمزي هو عصب تميز التجريبية على العموم وفلسفة العلم على الخصوص ... في القرن العشرين.
ثانيا: المنطق الرياضي عصب لفلسفة القرن العشرين
المنطق علم يدرس قوانين التفكير الأساسية، بصرف النظر عن مادة هذا التفكير أو موضوعه، فهو معني بصحة الاستدلال وسلامة الانتقال من المقدمات إلى النتائج، ولا شأن له بالحكم بانطباقها أو عدم انطباقها على الواقع، إنه معني بالصحة وليس بالصدق، فالصحة أو البطلان خاصة للاستدلال، أما الصدق أو الكذب فمجرد خاصة للقضية. وأيضا يدرس المنطق التصورات والمفاهيم، لا في علاقاتها بالعالم الخارجي، بل في علاقاتها الداخلية بمبادئ التفكير المنطقي، وببعضها واتساقها معا. هكذا نجد الهدف الذي يتعقبه المنطق في النهاية هو دراسة الاستدلال، أو العلاقة بين قضايا الحجة والعلاقة بين المفاهيم، فيضع قواعد إذا تحراها الذهن البشري سوف تعصمه من الزلل ومن الاستنتاجات الخاطئة، رآه ابن سينا آلة عاصمة للذهن من الخطأ، وخادما للعلوم جميعا، بينما رآه الفارابي رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها. وهو على أية حال ليس علما يوضع بجوار بقية العلوم، بل هو من مستوى مخالف وأسبق منها جميعا، ما دام آلة وأداة للفكر معنيا بصورته العامة لا بمضمونه.
أكد كانط وهيجل على أن المنطق صورة بغير مضمون، وكانط أول من استعمل مصطلح «الصوري
Formal » كصفة للمنطق التصقت به دائما، فيقال: «المنطق الصوري»، وهو فعلا صوري، معني - كما ذكرنا - بصورة التفكير وهيكله وقالبه وإطاره العام، وليس بمضمونه الإخباري ومحتواه المعرفي. هذه الصورية هي التي جمعت المنطق والرياضة في مستوى واحد أو سلة واحدة هي سلة العلوم الصورية التي لا تضطلع بالإخبار عن الواقع التجريبي، ولكنها تسبق العلوم الإخبارية جميعا كقانون كإطار وكلغة لها. وكانت نشأة المنطق مع الإغريق في سياق النزعة العقلانية الوليدة، وارتبط بجهودهم في تأسيس الهندسة كمبحث أكسيوماتيكي، أي نسق استنباطي يستند على بديهيات. وقد أوضحنا في الفصل السابق كيف مهد أرسطو لإقليدس، ومع هذا فإن المنطق الحديث الذي صبغ فلسفة القرن العشرين بصبغة منطقية يختلف ويتمايز تماما عن المنطق التقليدي في أنه منطق رياضي - كما سنرى.
بداية وبصرف النظر عن الإرهاصات والمقدمات والتوجهات الخاصة للمنطق الصيني والمنطق الهندي القديمين، نشأ علم المنطق الصوري ناضجا مكتملا في القرن الرابع والثالث قبل الميلاد على يد المعلم الأول أرسطو أعظم فلاسفة الإغريق. واللافت حقا أن أرسطو لم يعرف مصطلح «المنطق
Logic »، وضع بحوثه المنطقية تحت عنوان «التحليلات» وأسماها تلامذته «الأورجانون»، أي الأداة أو آلة التفكير. وكان الإسكندر الأفروديسي في القرن الثاني الميلادي أول من استخدم مصطلح
Shafi da ba'a sani ba