Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Nau'ikan
ثم تطورت البرجماتية واتسع مداها مع فلاسفة أمريكيين لاحقين، خصوصا جون ديوي
J. Dewey
الذي بدأ من الفلسفة الهيجلية ولكي يداوي ما رآه فيها من انفصال بين الفكر والواقع انساق تماما للبرجماتية ورأى أن المعرفة وظيفتها تنظيم السلوك، وأن الفكرة أداة للعمل، فتنعت برجماتية ديوي بأنها وظيفية أو أداتية، وقد جعلها أساسا فلسفيا للتربية وللدفاع عن الحرية والليبرالية الحديثة ونظريته السياسية إجمالا.
خلاصة الفلسفة البرجماتية أن العقل يحقق هدفه حين يقود صاحبه إلى العمل الناجح. إذن الفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة، ولا تقاس الفكرة إلا بنتائجها العملية، أي بفائدتها. هكذا تنتفي تماما الحقائق الثابتة والأفكار المطلقة التي تبحث عنها المثالية. الحق والخير والجمال هو العملي النافع المفيد. تنشأ القيم من الواقع الطبيعي وتكون متغيرة متطورة تبعا لنواتج الخبرة التجريبية التي تشهد بقدرة المبدأ الخلقي أو القيمة على حل المشكلات. في هذا تلتقي البرجماتية مع سائر مدارس فلسفة الأخلاق التي تستلهم الروح العلمية التجريبية، وترفض الحاسة الخلقية والحدسية الأخلاقية ومبدأ الواجب المطلق عند كانط ... وما إليه من اتجاهات مثالية في فلسفة الأخلاق، وعلى الرغم من أن وليم جيمس لم يتعاطف مع التطورية الاجتماعية، فإن البرجماتية بتأكيدها على قدرة القيمة والمبدأ الخلقي على حل المشكلات إنما تلتقي مع التطورية الخلقية. والتطورية اتجاه في الفلسفة الإنجليزية استقطب مد الروح العلمية والعلم عموما ونظرية دارون التطورية خصوصا، ومن أعلامه هربرت سبنسر
H. Spencer (1820-1903م) وليزلي ستيفن
L. Stephen (1823-1904م) والتطورية الخلقية تواصل المد الوضعي الذي يريد الأخلاق علما طبيعيا وليس فلسفيا بل مثاليا، يدرس السلوك الإنساني وغاياته، أخضعوا القيم لناموس التطور الحيوي كما أفصحت عنه نظرية دارون، أي ناموس الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، فيبقى من مبادئ الأخلاق ما يثبت أنه الأصلح، أي الأكفأ في مساعدة الفرد على حل مشكلات الحياة والتكيف مع البيئة، والأخلاق بهذا متطورة متغيرة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وليست البتة مطلقة ثابتة كما يتوهم المثاليون.
كان دارون كما هو معروف إنجليزيا، والفلسفة التطورية الأخلاقية والاجتماعية أيضا إنجليزية، على أن أقوى التمثلات الإنجليزية للفلسفة العلمية التجريبية مذهب انطلق من ذلك العام الحاسم 1900م وهو الفلسفة التحليلية التي سنراها تفصيلا في حينها.
تنطلق البرجماتية وقريناتها من مذاهب الفلسفة التجريبية العلمية من الخبرة
experience . الخبرة هي التفاعل المتنامي دائما بين الكائن الحي والبيئة، المعرفة ذاتها وسيلة لتنظيم الخبرة، ويبقى صلب التجريبية الجذرية في أن حقائق الأشياء يستحيل إدراكها بصورة قبلية سابقة على الخبرة التجريبية، والصدق خاصة للمعتقد الإنساني حين يستوفي شروط تمليها التجربة. وتؤكد البرجماتية على مقولتين قوضتا روح المثالية وسادتا في فلسفة القرن العشرين وساهمتا كثيرا في جعلها وثيقة الاتصال بروح العلم التجريبية: المقولة الأولى هي الواقعية بمعنى الاعتراف بالوجود الواقعي المستقل للعالم التجريبي، فلا يعود فكرة أو تصورا مرتهنا بالعقل الذي يدركه كما تذهب المثالية المتطرفة. المقولة الثانية هي التعددية، بمعنى أن العالم ليس كما يذهب المثاليون - وفي طليعتهم فرنسيس برادلي - ليس كلا واحديا محكوما بعلاقات داخلية ولا أجزاء له ولا تكثر فيه، بل إن العالم تعددي ... كثرة متكثرة من الوقائع والجزئيات. والتعددية هي نظرية أنطولوجية متسقة مع روح العلم أو مع التجريبية، ومن الذين مكنوا لها، شارل رينوفيه الذي اعتبره جيمس أستاذا له في إثبات الحرية الإنسانية، وأيضا الفيزيائي إرنست ماخ فيلسوف التجريبية الألمانية الشهير الذي ارتد العالم بأسره على يديه إلى إحساسات، بينما ارتد مع جيمس إلى خبرات، وفي النهاية أتت التعددية التجريبية مع وليم جيمس ومعاصره إرنست ماخ قوية ماضية، ولم يكن ينقصها إلا خطوة واحدة سوف تقطع لاحقا على يد برتراند رسل، وهي التسلح بالصياغات المنطقية.
لقد التقت مختلف مذاهب الفلسفة التجريبية في القرن العشرين على خصائص عامة مقتبسة من روح العلم، باتت تميز فلسفة هذا القرن بأسرها، فهي جميعا تتجه نحو عالم الظواهر والخبرة وتنصب على الواقع فتغدو وثيقة الاتصال بفرائده لا تنفصم البتة عنه، ولا قبل لها بالتحليق في سرمد الفلسفات المثالية الخالصة. وبتأثير المد التجريبي شهد القرن العشرون عزوفا عن بناء أنساق شامخة تستوعب الوجود والمعرفة والقيم جميعا، على غرار مذاهب كانط وهيجل والفلسفات المثالية عموما منذ أفلاطون. وأصبحت الفلسفة في القرن العشرين مناهج أكثر منها مذاهب، أي أسلوبا للبحث وطريقة للنظر وليست مصفوفة من الحقائق أو بناء مهيبا من الأفكار المطلقة. وبالتالي أخذت الفلسفة من الروح العلمية التجريبية التناول الجزئي، وأحيانا التفتيتي للموضوع، فانفسح رحاب الفلسفة لطابع العلم الجمعي التعاوني؛ لتتآزر الجزئيات معا نحو التصور الأكمل للموضوع والمتنامي دوما. لم يعد المذهب الفلسفي فتحا لعبقرية جبارة يقتصر اللاحقون على ترتيله، بل أصبح شقا لطريق تتوالى فيه الجهود وتتواصل.
Shafi da ba'a sani ba