131

Falsafar Kimiyya a Karni na Ashirin

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Nau'ikan

Modern

الآن هي فيزياء القرن العشرين، فيزياء الكوانتم والنسبية ونواتجهما التي تلت.

لقد كشفت قصورا في تصورات الكلاسيكيين العينية لمفاهيم الكتلة والسرعة والأبعاد الثلاثة الثابتة والجامعة المانعة، وفي مطلب الدقة المتناهية في تحديد موضع وسرعة كل جسم والتنبؤ بتفاصيل حركته. على الإجمال اتضحت سذاجة تصورهم لعالم فيزيقي يمكن وصفه بدقة متناهية، إن لم يكن بواسطة علماء اليوم فعن طريق علماء الغد، وهو المشروع الذي طرحه فرنسيس بيكون منذ البداية. وكما يقول لويس دي بروي: «لقد ظنوا أن أية حركة أو تغير يجب تصويره بكميات محددة الموضع في المكان والتغير في مجرى الزمان، وأن هذه الكميات لا بد أن تيسر الوصف الكامل لحالة العالم الفيزيقي في كل لحظة، ويستكمل هذا الوصف تماما بواسطة معادلات تفاضلية أو مشتقات جزئية، تتيح لنا تتبع موقع الكميات التي تحدد حالته، ويا له من تصور رائع لبساطته! توطدت أركانه بالنجاح الذي لازمه لمدة طويلة.»

59

وبهذه البساطة ولذلك النجاح ساد الكلاسيكيين غرور علمي أهوج، فرأوا أن قوانين نيوتن ذات عمومية مطلقة، لا تفلت من بين يديها ولا من خلفها كبيرة ولا صغيرة، لا في الأرض ولا في السماء، بحيث إنها اكتشاف لحقيقة هذا الكون. فت في عضد هذا الغرور أزمة الفيزياء الكلاسيكية، ثم تلقى ضربة قاصمة من عالم الذرة والإشعاع، غير الخاضع لقوانين نيوتن، لكنه خضع لعملاق متناه في الصغر اسمه الكوانتم. حررتنا ميكانيكا الكوانتم من وهم التحديد الفردي اليقيني، واتخذت الإحصاء منهجا يفضي إلى النتائج الاحتمالية الرائعة التي يمكن أن نلمس جبروتها في كل شيء، بدءا من غزو الفضاء وقهر الأمراض الخبيثة وانتهاء بأدوات التسلية والترفيه، بغير الزعم بأن تنبؤاتها قضاء مبرم أو كشف عن القدر المحتوم. والرياضة محض الأداة عقلية خاوية نملؤها بالمضمون، مضمون المتوسطات التي لا تزعم عمومية مطلقة ولا تبحث عنها؛ هكذا كان نجاح الكوانتم الخفاق في العالم دون الذري «الميكروكوزم».

أما عن العمومية في النظرية الفيزيائية العامة للحركة، نظرية نيوتن ثم نظرية آينشتين، فإنه بينما تقتصر نظرية نيوتن على العالم الأكبر أو العالم العياني «الماكروكوزم» وتفشل في الاقتراب من الميكروكوزم، فإن النظرية النسبية تحكم العالمين معا «الماكروكوزم والميكروكوزم» بالقوانين نفسها وتخضعهما للمعادلات الرياضية نفسها، فكانت درجة أعلى من العمومية وأيضا من الدقة.

لقد شيدت النظرية النسبية عالمها الرباعي الأبعاد،

60

بمتصله الزماني/المكاني. إنه عالم أو بالأحرى تصور لعالم، محدب يختلف بل يتناقض مع عالمنا المستوي الواحد والوحيد المعهود في تجربة الحس المشترك، والذي ثبتته في أذهاننا خبرتنا العادية السطحية وحواسنا الفجة الغليظة، وجاءت نظرية نيوتن لتصدق على هذا العالم وعلى حدوده وتجعلها حدودا لها، فتكتسب بهذا يقينا فوق يقين! يقينا مطلقا، ثم علمتنا النسبية أنه لا شيء مطلق في عالم الإنسان، وليس ثمة تساؤل حول التصور الوحيد المطلق للزمان والمكان، فثمة إطار زماني/مكاني لملاحظي الأرض، وآخر لملاحظي الأفلاك السماوية، وآخر لملاحظي السدم، وبالمثل الطول والعرض وكل الأبعاد. لقد أحدثت النسبية تغييرا جذريا في أفكارنا حول المكان والزمان والجاذبية، وثورة في الكوزمولوجيا - أي نظرية تصور الكون - الكلاسيكية، فكان تأثيرها بالغ العمق في المبادئ الإبستمولوجية الراسخة في تجربة الحس المشترك، والتي كستها النيوتنية برداء الفيزياء الرياضية المهيب.

في عالم النسبية تدخل الذات العارفة - كمتغير في معادلة الطبيعة؛ لتحرز بهذا درجة أعلى من الموضوعية، أو بالأحرى درجة مباينة تماما، قامت على أنقاض موضوعية نيوتن المطلقة والموهومة، في خضم هذه الأطلال الدوارس أضحى التصور الميكانيكي للكون أثرا بعد عين، واستبينت تفاهة الواحدية المادية التي عززها. لم تعد المادة مجرد كتل تصطدم بها القدم حين تتعثر في الطريق، ولم يعد يجدينا البتة التفكير فيها على أنها شيء صلب جامد تشعر بها حاستنا اللمسية كمقاومة لها. كانت النظرة الميكانيكية تعتمد على هذا المفهوم للمادة، والآن يجب هجرانه نهائيا لكي نحقق الحد الأدنى من تفهم مغزى الفيزياء في القرن العشرين، حيث تحولت المادة إلى كيان أكثر شفافية من أي كيان تحدث عنه الروحانيون، إنها شعاع من مركز. وكما أشرنا، تبلورت الكوانتم والنسبية حول الشعاع وحلت أمواجه محل كتل المادة في الفيزياء الكلاسيكية.

Shafi da ba'a sani ba