Falsafar Kimiyyar Halittu: Gabatarwa Mai Gajarta
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
أدى اندماج نظرية داروين مع علم الوراثة في مطلع القرن العشرين إلى نشأة الداروينية الجديدة، القائلة بأن التحور العشوائي والانتخاب الطبيعي هما المحركان المتلازمان للتغيير التطوري. بالفعل، عادة ما يعرف الداروينيون الجدد التطور بأنه تغير في التركيب الوراثي لجماعة حيوية ما، استنادا إلى أن كل الظواهر التطورية الأخرى، مثل نشأة أجناس جديدة، تنبع في النهاية من هذه التغيرات. رفض «الوراثة اللاماركية» هو مبدأ آخر لدى الداروينيين الجدد. وهو المصطلح الذي يشير إلى الفرضية المنسوبة إلى جون-بابتيست لامارك العالم التطوري الذي عاش في القرن الثامن العشر، القائلة بأن الخصائص المكتسبة من الممكن أن تورث، الفكرة التي اعتقد بها داروين أيضا. الخصائص المكتسبة هي تلك التي يكتسبها الكائن الحي أثناء حياته بفعل مؤثرات خارجية؛ وهي تختلف عن الخصائص الفطرية التي لها أساس وراثي. احتج الداروينيون الجدد بأن الخصائص المكتسبة لا تشفر في الجينات، إذن فهي لن تورث. تجريبيا، هذا صحيح بشكل عام؛ فلاعب كمال الأجسام الذي يرفع أثقالا طوال اليوم لن ينجب أبناء لهم كتلة عضلية أكثر بالتبعية. على الرغم من ذلك، ليست الوراثة اللاماركية مستحيلة، وقد وثق مؤخرا عدد من الحالات لحدوثها. يدرك علماء الأحياء اليوم أن الجينات ليست العوامل الوحيدة التي يرثها الأبناء من آبائهم؛ تشمل العوامل الأخرى التي يرثونها الهرمونات والمغذيات، والكائنات التكافلية مثل بكتيريا الأمعاء، والسلوكيات المكتسبة، والبنى المادية مثل الأعشاش، والتغيرات «فوق الجينية» للحمض النووي التي تؤثر على التعبير الجيني (العملية التي تصنع الجينات بواسطتها البروتينات التي تحتاجها الخلايا).
نشأ علم الأحياء التطوري الحديث من الداروينية الجديدة لكنه تجاوزها إلى ما هو أبعد، وقد أسهم في ذلك استعانته باكتشافات علم الأحياء الجزيئي (طالع الفصل السادس). اليوم صار لدينا فهم أعمق لآليات التطور، ولكيفية نشأة أنواع جديدة، وللأساس الجزيئي للعديد من الخصائص التكيفية التي أنتجها الانتخاب الطبيعي. علاوة على ذلك، صار لدينا معرفة تفصيلية بشكل شجرة الحياة، ألا وهي مخطط السلالة الذي يربط جميع الكائنات الحديثة بسلف مشترك واحد. ولدينا بعض المعرفة، وإن كانت أقل مما نود، عن أقدم أشكال الحياة على الأرض وكيف خرجت إلى حيز الوجود. نتج عن ذلك صورة أكثر تعقيدا من تلك التي رسمها داروين، لكن رؤيته الأساسية للعملية التطورية، وبالأخص لدور الانتخاب الطبيعي في تعديل الكائنات الحية وخلق التنوع، تظل سليمة.
منطق التفسير الدارويني
تفسير داروين لكيفية تكيف الكائنات الحية مع البيئة مثير للاهتمام فلسفيا ، لأنه يستند إلى منطق مميز. لتقدير حسن منطقه، من المفيد مقارنة تفسيره بتفسير لامارك. ذهب لامارك إلى أنه من الممكن للكائنات الحية على المستوى الفردي أن تتكيف مع البيئة «أثناء فترة حياتها». فعلى سبيل المثال، جادل لامارك بأن أعناق الزرافات تزداد طولا لأن أسلافها من الزرافات كانت تمد أعناقها كي تبلغ الأشجار الطويلة، مما أدى إلى إطالة أعناقها؛ ومن ثم نقلت هذه الأعناق المعدلة إلى ذريتها. الآن وقد صرنا نعلم أن الخصائص المكتسبة لا تنتقل إلى الذرية، صار تفسير لامارك مشكوكا فيه تجريبيا. لكن ذلك ليس مربط الفرس. بل ما يثير الاهتمام هو التناقض المنطقي بين تفسيري لامارك وداروين. فتفسير لامارك يقول بأن «الأفراد» يتغيرون ليحسنوا من ملاءمتهم التكيفية للبيئة، بينما تفسير داروين يعنى «بالجماعة» لا الأفراد باعتبارها الوحدة التي تتغير. فالأفراد لا يخضعون لتغير تكيفي بناء على النظرية الداروينية؛ بل الجماعة هي التي تتغير عن طريق الإبقاء بشكل انتقائي على بعض العناصر المتغيرة والتخلص مما سواها.
عبر عالم الأحياء ريتشارد لونتين عن هذا بقوله إن نظرية لامارك تحولية بينما نظرية داروين تنوعية. يسري هذا الاختلاف على نطاق أوسع من علم الأحياء، كما يتضح من مثال ضربه إليوت سوبر. لنفترض أننا وجدنا أن التلاميذ في فصل معين يجيدون الموسيقى إلى حد يفوق المعتاد وأردنا معرفة السبب وراء ذلك. إحدى المنهجيات المحتملة للإجابة ستركز على كل تلميذ منفرد، وتسعى لتفسير قدراته الموسيقية. قد نكتشف على سبيل المثال، أن كلا من التلاميذ نشأ في أسرة موسيقية، أو بدأ تعلم العزف على البيانو في سن مبكرة، أو كان يحظى بتشجيع أبويه، إلى آخره. هذا تفسير تحولي؛ إذ يشرح كيف تحول كل طفل إلى موسيقي بارع. لكن ثمة نهجا آخر مختلف تماما للإجابة عن السؤال. وهو الإشارة إلى أنه كي يقبل أي تلميذ في الفصل من الأساس، يجب أن يحصل على أعلى الدرجات في امتحان موسيقي صعب. بمعنى أن التحاق التلاميذ بالفصل قد تحدد بواسطة عملية اصطفاء للتلاميذ بناء على قدراتهم الموسيقية؛ نتيجة لذلك ، لا يضم الفصل سوى التلاميذ البارعين في الموسيقى. هذا تفسير تنوعي.
في مثال تلاميذ المدرسة، ينوه سوبر بأن التفسيرين يشرحان بمهارة أمرين مختلفين. إذ يشرح التفسير الأول لماذا يمتلك تلاميذ الفصل قدرات موسيقية فائقة عوضا عن امتلاكهم قدرات أقل. أما التفسير الثاني فيشرح لماذا يضم الفصل ككل تلاميذ بارعين موسيقيا دون سواهم من التلاميذ الأقل براعة. إذن فالتفسير الأول يشرح حقائق عن التلاميذ على المستوى الفردي، بينما يشرح التفسير الثاني حقيقة عن تكوين الفصل. على هذا المنوال تشرح التفسيرات الداروينية في علم الأحياء الحقائق على مستوى الجماعة لا الفرد. على سبيل المثال، لا تفسر الداروينية السبب وراء كون فرو دب قطبي ما أبيض لا بنيا. لتفسير ذلك، سنشير إلى حقيقة أن هذا الدب قد ولد بجينات تسببت في جعل فروه أبيض؛ وهو ليس بتفسير داوريني بل نمائي. ما تفسره الداروينية هو لماذا تضم جماعة (أو نوع) الدب القطبي أفرادا ذوي فراء بيضاء، دون غيرهم ممن لهم فراء بنية؛ أو لماذا تتكرر صفة «الفرو الأبيض» في الدببة القطبية بنسبة 100٪.
ذهب إرنست ماير، وهو عالم تطوري بارز من القرن العشرين، إلى أن داروين استحدث نهجا جديدا لتحليل الطبيعة أطلق عليه «التفكير الجمعي». وهو مصطلح ليس له تعريف دقيق؛ لكن أحد محامله هو التعامل مع الجماعة باعتبارها وحدة التحليل المعنية واعتبار التباين داخلها خاصية «حقيقية» فيها لا مجرد حوادث عارضة. ماير محق في أن هذا جزء لا يتجزأ من الداروينية. كما رأينا، وجود التباين شرط أساسي لحدوث الانتخاب الطبيعي، والتفسيرات الداروينية معنية بالتغيير في الجماعات لا الفرد. علاوة على ذلك، يكرس علماء التطور الجدد جهدا كبيرا لدراسة سمات على مستوى المجموعة وتحليلها كميا، مثل مدى التباين الجيني داخل جماعة ما ومقدار الاختلاف في الصلاحية بين الأفراد المتباينين. وبالتالي، كان من إرث داروين إحداثه تحولا مفاهيميا، إذ جعل الجماعات محل دراسة مثلها مثل الأفراد.
الأسئلة المباشرة والأسئلة المطلقة
تحتل نظرية التطور مكانة فريدة في علم الأحياء الحديث. إذ تعد مبدأ تنظيميا أساسيا ينظم عددا هائلا من الحقائق التجريبية. فالكائنات الحديثة تحمل آثارا لا تنمحي لتاريخها التطوري، من بينها البصمات الوراثية والسمات التكيفية والتشابهات بين الأنواع التي تعكس وجود سلف مشترك لها. كتب عالم الأحياء ثيودوسيوس دوبجانسكي في عام 1973 يقول: «لا يكون أي شيء في علم الأحياء منطقيا إلا في ضوء التطور» وهو ادعاء يظل ثابتا بالدرجة نفسها حتى يومنا هذا. بالطبع لا تدخل الكثير من دراسات علم الأحياء في حيز علم الأحياء التطوري صراحة. فعالم البيئة الدارس للتنوع البيولوجي في غابة مطرية، أو عالم الأحياء الدقيقة الذي يحاول استنساخ فيروس ما، أو عالم الرئيسيات الذي يدرس قردة الشمبانزي في البرية، جميعهم معنيون بأحداث راهنة، لا بأحداث من الماضي البعيد. قد يعتقد المرء أن مثل هذه الأبحاث العادية كانت لتسلك المسار نفسه حتى لو كان داروين مخطئا وكانت قصة الخلق في سفر التكوين هي الصحيحة. هذا صحيح إلى حد ما، لكن في الواقع، يمثل التطور أساسا يستند إليه العديد من المباحث البيولوجية، وإن كان ظاهرها التركيز على الحاضر.
لماذا يحتل التطور تلك المرتبة من الأهمية في علم الأحياء؟ إحدى إجابات هذا السؤال هي أن التطور يقدم لنا فهما فريدا لا يتحقق إلا به. توضيحا لذلك، لنتأمل مقارنة يرجع الفضل في شهرتها إلى ماير، بين نوعين مختلفين من الأسئلة التي يطرحها علماء الأحياء. أسئلة مباشرة كالتي تستفهم عن طريقة عمل آلية بيولوجية ما. على سبيل المثال، كيف يجد سمك السلمون المهاجر طريقه عائدا إلى النهر الذي ولد فيه (أو «موطنه»)؟ أو كيف ينظم حيوان ثديي درجة حرارة جسمه؟ أو كيف تتحرك البكتيريا نحو الأكسجين في محيطها؟ تجاب الأسئلة من هذا النوع بوصف العوامل السببية التي تؤدي إلى نشأة الظاهرة محل التساؤل. في مثال سمك السلمون، الإجابة هي أن رائحة المجرى المائي الذي فقس فيه السلمون بيضه تنطبع في ذاكرته، ومن ثم يعتمد على هذه الذاكرة للعودة إليه بعد بلوغه. أما مثال البكتيريا، فالإجابة هي أن للبكتيريا مستقبلات تستشعر تركيز المركبات الكيميائية في البيئة؛ فيمكن للبكتيريا أن تسبح في تدرج التركيز الكيميائي عن طريق تدوير محركها السوطي.
Shafi da ba'a sani ba