Falsafar Kimiyyar Halittu: Gabatarwa Mai Gajarta
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
دعم بيلي حجته بتشبيه جدير بالذكر. تصور أنه يمشي على مرج وصادف غرضين: حجرا وساعة. يقول بيلي إن ردة فعلنا تجاه إيجاد الغرضين ستكون مختلفة. فوجود الحجر أمر عادي؛ إذ من الممكن تصور أنه لطالما كان موجودا في المرج. أما الساعة فسنستنتج على الفور أن لها صانعا لا محالة؛ فاعلا واعيا صممها. ذلك لأنه على عكس الحجر، يظهر في الساعة تعقيدا وظائفيا. إذ تتوالف أجزاؤها الداخلية بدقة لإنتاج حركة منتظمة لها غرض واضح؛ ألا وهو متابعة الوقت. أبدا لن يخطر لنا جديا فرضية أن قوى فيزيائية بحتة، كالرياح، أدت بالصدفة إلى تجمع كل القطع الداخلية للساعة صانعة التكوين المناسب؛ فهذا يكاد يكون مستبعدا تماما. ذهب بيلي إلى أنه كما لا بد للساعة من صانع، بالإمكان أن نستدل على أن الكائنات الحية أيضا لا بد لها من صانع، فهي على درجة من التعقيد الوظيفي تضاهي تلك الموجودة في أي مصنوع بشري.
على الرغم من أن حجة بيلي انتقدت من قبل، وبالأخص من قبل الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم، إلا أنها لم تهدم تماما إلا بظهور نظرية داروين. إذ قدم داروين تفسيرا طبيعيا للظاهرة التي استدل بها بيلي على عمل الخالق. (المقصود بالتفسير الطبيعي أنه لا يستند إلى أسباب خارقة للطبيعة أو إلهية.) ذهب داروين إلى أن تعقيد الكائنات وتوافقها مع بيئتها ينشآن نتيجة للانتخاب الطبيعي. وأن استمرارية بقاء أفضل التباينات في المجموعة وانحسار غيرها «يوهم» بوجود التصميم في الطبيعة. إنما في الحقيقة لا يوجد مصمم؛ بل عملية سببية عمياء - الانتخاب الطبيعي - تعدل الكائنات تدريجيا بمرور الزمن.
قدم علم الأحياء التطوري الحديث أدلة كافية على صحة التفسير الدارويني. في حالات لا حصر لها، وضع علماء الأحياء تصورا مفصلا لكيفية تطور التكوين الداخلي المعقد للكائنات وتوافقها مع بيئتها. في الواقع يعد مثال العين الذي ضربه بيلي - والذي ما يزال معارضو التطور يستشهدون به أحيانا - هو خير مثال لذلك. فبفضل الدمج بين التحليل الجيني والدراسات الخاصة بنمو العين في أجناس مختلفة، أصبحنا ندرك الآن التسلسل المحتمل للمراحل التي من خلالها تطورت العين الحديثة للفقاريات من عضو بدائي حساس للضوء. نحن نعلم أنه من 500 مليون عام، تطورت عين حديثة في الأصل لدى السلف المشترك لجميع الفقاريات؛ وبعد ذلك، عدلها الانتخاب الطبيعي وصقلها في الأنواع المختلفة لتتوافق مع المتطلبات البيئية.
مع أن داروين ضرب حجة التصميم في مقتل، فقد اتفق مع بيلي في جانب واحد. إذ وافقه في أن الخصائص العضوية التي أشار إليها حقيقية وتحتاج إلى تفسير خاص. (معظم علماء الأحياء الجدد يوافقونهما في ذلك أيضا.) بالفعل يوجد اختلاف جوهري بين جماد كالحجر وبين كائن حي، ومن ثم من المنطقي تماما الإصرار على إيجاد تفسير لذلك الاختلاف. بعبارة أخرى، اتفق بيلي وداروين على أن التصميم «البادي ظاهريا» هو ظاهرة حقيقية، ليس فكرة من وحي خيالنا ولا وهما نسقطه على الطبيعة. لكنهما اختلفا على تفسيره. إذ اتخذ بيلي ذلك التصميم البادي ظاهريا دليلا على وجود تصميم حقيقي، بينما أرجعه داروين إلى الانتخاب الطبيعي.
في الأعوام الماضية، أعاد أنصار حركة «التصميم الذكي» في الولايات المتحدة إحياء نسخة معدلة من حجة بيلي. على نهج بيلي، ذهبوا إلى أن الكائنات الحية لديها خصائص لا تفسير لها سوى أن فاعلا واعيا خلقها فيها. غالبا ما يلبس مؤيدو التصميم الذكي أفكارهم رداء العلم؛ إذ يدفعون بأن الكيمياء الحيوية الحديثة قد أظهرت أن الخلايا - التي هي الوحدات الأساسية المكونة لجميع الكائنات - يظهر فيها تعقيد «غير قابل للاختزال» لا يمكن أن يكون قد نشأ من الانتخاب الطبيعي. غير أن تلك الحجة لا يقبلها أي عالم أحياء جاد؛ لأنها تتجاهل الأدلة التجريبية العديدة على أن الخلايا تطورت بالفعل، وأن الدافع الكامن وراء حركة التصميم الذكي ديني بحت لا علمي. كانت حجة بيلي معقولة تماما في عصره؛ نظرا لأنه كان يكتب في وقت غابت فيه ميزة النظرية الداروينية، أما مناصرو التصميم الذكي فليس لديهم مثل هذا العذر.
الداروينية الجديدة
كانت نظرية داروين مميزة لكن ناقصة، إذ اعتمدت على فرضيتين أساسيتين لم يتضح لهما تفسير إلا لاحقا. أولا، تستلزم نظرية داروين أن يتوالى التباين دون انقطاع. فكي يأخذ الانتخاب الطبيعي مجراه، لا بد أن تتباين صفات أفراد الجماعة. غير أن الانتخاب هو نفسه أداة مجانسة؛ فهو يستمر في «تقليل» تباين الصفات إذ يبقي على التباينات الأصلح ويقضي على ما سواها. إذن كي يستمر الانتخاب الطبيعي لمدى زمني طويل، لا بد من ضخ تباينات جديدة في الجماعة. لكن من أين لتلك التباينات أن تأتي؟ ثانيا، افترض داروين أن الذرية سوف تنزع إلى مشابهة الآباء؛ وأطلق على ذلك «المبدأ القوي للوراثة». هذا التشابه لازم كي يعدل الانتخاب الطبيعي جماعة من الكائنات بالطريقة التي وصفها داروين. إذا كانت النباتات الأطول في جماعتها تحظى بأفضلية للبقاء مقارنة بتلك الأقصر، فلن يكون لذلك تأثير تطوري إلا إذا نزعت ذرية النباتات الطويلة إلى مشابهتها في صفة الطول. وإلا كان تأثير الانتخاب عابرا، إذ لن يستمر إلا لجيل واحد. لكن كيف يمكن تفسير هذا الشبه بين الآباء والذرية؟
اليوم أصبحنا نعلم الإجابة على كلا السؤالين بفضل اكتشافات علم الوراثة، وهو علم لم يدركه داروين. معظم الكائنات تنمو من خلية واحدة، تتكون في الكائنات التي تتكاثر جنسيا من اتحاد مشيجين، أحدهما من الأب والثاني من الأم، ليكونا لاقحة (الأمشاج الذكرية والأنثوية هي الحيوانات المنوية والبويضات). تحتوي هذه الأمشاج على جينات مستمدة من الأبوين. ويكون للجينات في اللاقحة تأثير نظامي على الصفات التي تنمو لدى الكائن. باختصار، هكذا يتحقق التشابه بين الآباء والأبناء الذي اعتبره داروين أمرا مسلما به. أما ضخ تباينات جديدة فمنشؤه عاملان. أولا، التكاثر الجنسي ينتج باستمرار كائنات لها تركيبات جينية جديدة؛ هذا لأن الكائن الحي ينقل إلى المشيج عشوائيا نصف جيناته فقط. ثانيا، لا تنتقل الجينات بدقة تامة. بل تتخللها طفرات متفرقة أثناء نسخ المادة الوراثية، ومن ثم قد تحتوي اللاقحة على تباينات جينية غير موجودة في أي من الأبوين. هكذا، توفر الطفرات إمدادا مستمرا من التباينات الجديدة التي تساعد الانتخاب الطبيعي في عمله.
معظم الطفرات الجينية تكون إما غير مؤثرة على الكائن أو مضرة له. ولكن من حين لآخر تظهر طفرات مفيدة، كتلك التي تجعل الكائن أكثر مقاومة للعدوى أو أقل عرضة للوفاة في مرحلة الطفولة أو أكثر جاذبية للتزاوج. سيحابي الانتخاب الطبيعي مثل تلك الطفرات، إذ ستترك الكائنات الحاملة لها في المتوسط ذرية أكثر من تلك غير الحاملة لها. على مدى العديد من الأجيال سيؤدي هذا إلى تغير التركيب الجيني للنوع، إذ ستشيع فيه الطفرات المفيدة. التأثير المجمل لذلك هو أن النوع سيصير أكثر تكيفا مع بيئته، تماما كما افترض داروين.
عادة ما توصف الطفرة الجينية بأنها «عشوائية»، وهو تعبير فيه شيء من التضليل. فهو لا يعني أن الطفرات لا تخضع لمسببات، أو أن جميع جينات الكائن الحي تتساوى في فرص تحورها، فكلاهما غير صحيح. بل المقصود هو أن الطفرات «غير موجهة»، من حيثية أن كون طفرة معينة نافعة أو ضارة للكائن الحي في بيئة معينة لا يؤثر على فرص حدوث هذه الطفرة. أي إن الطفرات ببساطة تحدث وقتما وأينما شاءت؛ وتأثيرها على صلاحية الكائن الحي هو الذي يحدد ما إذا كانت ستنتشر بواسطة الانتخاب الطبيعي، ولكنه لا يحدد ما إذا كانت ستحدث أم لا في المقام الأول.
Shafi da ba'a sani ba